عِرْق.. “الخَيابَة”! بقلم : محمد هجرس

فضاءات عربية ….
بقلم : محمد هجرس – مصر …
أنا أشجُب.. إذاً أنا موجود!
هكذا يطلع علينا “ديكارت” بهيئته العربية، مع كل مصيبة أو كارثة تضرب قضايا عالمنا العربي، إذ بينما في جانب تحوَّل “التفكير” كفريضة عقلية لدى بعضنا إلى “تكفير” وجودي لم يستثنِ أحداً، كان على الجانب الآخر تنديدٌ وشجبٌ وإدانةٌ واستنكارٌ ورفضٌ وقلقٌ عاجزٌ عن فعل أي شيء.. حتى تحوَّلنا كأمّةٍ إلى مجرّد “جثَّة” يقلبها “مغسِّلها” كيفما يشاء وفق الفهم الإخواني المريب.
ولأننا نحن العرب كما قيل سابقاً “ظاهرة صوتية” تعاملنا مع قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده للقدس المحتلة، بمزيدٍ من الضجيج والهتاف وقبلهما التنديد والشجب، متناسين أننا كنا على الدوام أمة الفرص الضائعة، نعيش في وهم الشعارات دون أن يكون لدينا مشروعاً عربياً واحداً على الأقل، وحتى الذين تظاهروا قبل سنوات “ع القدس رايحين.. شهداء بالملايين” لم يوجهوا رصاصة نحو القدس، وروَّجوا بأن تحرير القدس ومعها فلسطين يبدأ أولاً من القاهرة، ودمشق، وصنعاء، وبغداد، وطرابلس!.
في كل مرّة.. يبدو الضعف العربي مأساوياً عما قبله، وكأنه بات “عُملة” رسمية بامتياز، تتآكل فيها الأولويات وتتراجع القضايا تحت وطأة “النأي بالنفس” أو الانشغال بالهموم الداخلية، أو ارتفاع وتيرة الصراخ والتخوين، أو تبادل الاتهامات والتباكي على مزاعم “المؤامرة”، فيما العدو المتربص يستغل كل شيء لصالحه.. وفي النهاية نكتفي نحن بـ”الهرش في عرق الخيابة” العاجز عن اتخاذ أي موقف حقيقي.
“عرق الخيابة” العربي، بات ظاهرة لافتة تستحق التأمل والدراسة، ليس لأنه يترجم حالة الضعف المزمنة فقط، ولكن لأنه يؤكد غياب الرؤية والاستراتيجية الكاملة أو الشاملة، حتى في التعامل مع قضايانا البينية التي لم نستثمر فيها أي مظهر تكاملي، لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً، حتى بات القول المأثور أننا “اتفقنا على ألا نتفق” هو الحقيقة الوحيدة على المسرح العربي، وحتى إذا اتفقنا فإن العجز هو السمة الضاربة.
ربما كان لقرار ترامب الأخير حسنةٌ وحيدة، وهي أنه أعاد قضية القدس ومعها فلسطين إلى الواجهة مرة أخرى بعد تراجع استمر قرابة ثلاثة عقود، فقد تذكرنا أخيراً أن هناك قضية اسمها فلسطين، وأن هناك شعب لا يزال الوحيد في العالم تحت الاحتلال وللأسف بمباركة دولية.
ومع ذلك، يبقى السؤال: هل نستثمر الزخم الراهن، أم نضيع الفرصة ونظل أسرى “عرق الخيابة”.. نكتفي فقط بـ”الهرش” فيه، وتكرار اسطوانة التنديد والشجب والاستنكار والإدانة بانتظار كارثة أخرى بالتأكيد لن تبقي ولن تذر؟.