بين مشروع مارشال ومشاريع الإعمار في المنطقة – بقلم : خالد واكد

سياسة واخبار …
بقلم : خالد واكد ….
أعتقد أنه لا توجد لدى مسؤولينا في العالم العربي
مصر- لبنان- تونس- ليبيا- العراق- اليمن» خطة إعمار هادفة، وإنما خطة لمواصلة أكبر قدر من الهبر وجمع للثروة وربما لن يرحم التاريخ هذه الرقعة من بلاد العالم لو أضاع مسؤوليها وأبناءها أكبر فرصة حقيقية لمشروع إعمار البلد من قبل الأشقاء في دول الخليج، الذين لن يبخلوا أبدًا على هذا الشعب العربي المرهق والمتعب من ويلات الحروب المزمنة والفقر والجوع المدقع؛ بحيث يجب أن يكون المسؤول العربي على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأن يفهم معنى الأمانة التي يحثنا عليها ديننا الإسلامي، وكلنا مسلمون ونعرف أبسط تعاليم الإسلام.لعلكم أيها المسؤولون في بلدي سمعتم عن ألمانيا ومعجزاتها الاقتصادية، ولعلّكم سمعتم أيضًا أن ألمانيا نهضت لأن الألمان ليسوا «مثلنا» فهم أكثر حُبًا للعمل، وأكثر مصداقية وأمانة، لا يعتدون على مال احد وهم أكثر انضباطًا في الوقت.
فألمانيا بعد خروجها من حرب مدمرة أكلت الأخضر واليابس، ولم تترك إنسانًا ألمانيًا وإلا وتضرر من ويلات الحرب، لم تترك الفرصة التي سنحت لها والدعم الدولي والأمريكي يذهب هباء، بل سعت لتحقيق النجاح للوصول إلى ما وصلت إليه اليوم كأحد أكبر اقتصاديات العالم.
ولعلكم أيها المسؤولون في بلدي تعلمون أن خطة الأمريكان في البدء كانت تهدف لتحويل ألمانيا لبلد زراعي، وكانت في البدء هي الخطة الوحيدة؛ حيث كان مورجينتاو وزير المالية الأمريكي، يفكر كغيره من الساسة، كيف يُمكننا منع ألمانيًا من القيام بحروب أخرى، وحسب خطته كان يعتقد أن هذا كفيل وسيجعل ألمانيا بلدًا غير مؤذٍ؛ لأنه لن يملك القدرة على صناعة أي شيء ،وبالتالي لا يستطيع صناعة أسلحة، وهو ما سيجعل الاقتصاد الألماني ضعيفًا، وحينها لن تجرؤ ألمانيا على خوض أي حرب مستقبلية.
لكن بعد نهاية الحرب بهزيمة ألمانيا، بدأت تظهر مشاكل الفقر والبطالة التي كانت تمثل أرضًا خصبة لانتشار الفكر الشيوعي الذي كانت تُحاربه الولايات المتحدة، ولذلك توصلوا لقناعة تامة إلى أن الدعم والمساعدات أفضل طريق للحد من توسع الشيوعية. وفتح المجال للنشاط الاقتصادي وعدم تقييد الدعم والمساعدة للنشاط الزراعي.
ومن حُسن حظ الألمان، أن أمريكا التي خشيت من ردة فعل وثأر ألماني قادم، لتبدأ تقديم الدعم والمساعدات التي تدفقت على أوروبا، ووصل إجمالي ما قدم إلى 13 مليار بموجب المشروع الشهير الذي أطلق عليه مصطلح وخطة المارشال، ولكن هذا الكرم الأمريكي لم يكن لأسباب إنسانية، ولا أسباب أخلاقية، ولا حتى بسبب طيبة قلوب الأمريكان؛ ولا لزرقة عيون الألمان؛ فقد كان لأمريكا أهدافها في تحويل الألمان من عدو إلى صديق من خلال التنمية الاقتصادية، وكان لها ذلك.
ومع أن الهدف الأكبر للأمريكان الحد من انتشار الشيوعية، إلا أن خطة المارشال عادت على الولايات المتحدة بالفائدة الكبرى؛ حيث استطاعت أن تخلق سوقـًا استهلاكية للسلع الأمريكية، وبالتالي بدأت الأموال تتدفق إلى أمريكا من جديد، وهكذا بدأ الاقتصاد الأوروبي يتعلق بشكل أساسي بالسوق الأمريكي، مما أتاح لأمريكا الاستمرار في النمو والتطور.
وإذا كانت البداية الحقيقية لمشروع مارشال في أبريل عام 1948، حينما وافق الكونغرس الأمريكي على إنشاء إدارة أو هيئة التعاون الاقتصادي حتى تشرف رسميًا على المساعدة، وتم تأسيس ما سمي حينها بمنظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي. وقامت الولايات المتحدة على أثرها بإرسال الدعم المادي الكبير والخبرات الاستشارية والفنية حتى وقفت أوروبا وألمانيا على أرجلها وبدأت تستعيد عافيتها تدريجيًا حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم.
ولعلنا نستذكر أهم ما قاله جورج مارشال: «إنه قبل أن تتبرع الولايات المتحدة بأي مساعدات مالية يتعين أن يكون هناك نوع من الاتفاق والآليات حول كيفية إنفاق هذه الأموال. وقد تعمد حينها ترك التفاصيل مبهمة منتظرًا ليرى ما سيحدث». هذا الحديث لمارشال يتغافل عنه الكثير من مسؤولي دول العالم التي تتلقى مساعدات مماثلة، وكأن مثل هذه المساعدات شخصية لهؤلاء المسؤولين؛ فالفساد لعب ويلعب دورًا كبيرًا جدًا في ضياع المساعدات والدعم الدولي لتضييع الفرص تلو الفرص؛ لتبقى شعوبهم في خانة الفقر والبؤس عقودًا من الزمن، والفرصة مواتية اليوم أمام العديد من الدول العربية التي ستتلقى مساعدات دولية كبيرة لتأخذ مكانها الصحيح كما أخذته واستفادت منه دول كألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، التي لم تترك مثل هذه الفرص تضيع على شعوبهم التي أصبح لها مكانة دولية مرموقة في العالم. لم يأت عرض مارشال بتقديم المساعدة من فراغ سياسي. فقد ألقى وزير الخارجية الأمريكي جيمز بيرنز فيما بعد خطاب الأمل في شتوتغارت بألمانيا، وتعهد بيرنز في خطابه بأن تساعد الولايات المتحدة في إعادة بناء ألمانيا، وبأن تعيد دمجها في الاقتصاد الأوروبي. كما تعهد بالالتزام بوجود قوات أمريكية على المدى الطويل ردًّا على وجود سوفيتي ضخم في منطقة الاحتلال السوفيتي. فهل نحن على استعداد لتلقف الدعم والمساعدة بكل أمانة وشفافية وإخلاص لإنجاز المشاريع المستهدفة لتحقيق الإعمار والنمو والانطلاق نحو تنمية مستدامة طويلة الأمد؟