استخبارات وجاسوسية …
بقلم : تميم منصور – فلسطين المحتلة …
في شهر كانون الأول سنة 1966 أعلنت الحكومة الإسرائيلية برئاسة ” ليفي اشكول ” انهاء نظام الحكم العسكري الذي فرض على المواطنين العرب في كل من المثلث والجليل والنقب ، بعد الإعلان عن هذا الإلغاء منح المواطنون تسهيلات بالتحرك والتنقل بين مناطق البلاد بما فيها المدن الرئيسية .
لكن الحكم العسكري ترك آثاره في نفوس المواطنين العرب ، من ذل واهانات وتنكيل نفسي وجسدي وروحي ، لقد تركت سياسة القبضة الحديدية آثاراً قاسية ، خاصة من بعض رجال تلك الفترة – لكل فترة رجالها الذين يكونون اختاما مطاطية بيد الحاكم – هؤلاء الذين كانوا عبارة عن جلادين لشعبهم أو بالأحرى كلاب حراسة ، من بينهم العميل الذي كان يدعى ” زايد ” .
في منتصف الخمسينات من القرن الماضي كنت أذهب مع والدي الى مقر الحاكم العسكري في قرية الطيبة – المثلث – للحصول على تصريح ليوم واحد ، للدخول الى احدى المدن اليهودية القريبة – كفار سابا – رعنانا – لشراء مستلزمات ضرورية لإفراد العائلة ، مثل الملابس خاصة في بداية السنة الدراسية ، وبعض الأغذية والأدوية ، حيث كانت القرى العربية آنذاك تعاني من غياب الدكاكين ، واذا وجد تكاد أن تكون فارغة ، لم يكن امام من يسعى للحصول على هذه المستلزمات سوى خيارين ، اما من المهربين – الذين كانوا يأتون من مدن الضفة الغربية – ، وهنا لا بد ان يتعرض رب الأسرة الى خطر الدخول الى السجن اذا عرف بأمر المهرب ، أما الخيار الثاني الحصول على تصريح من الحاكم العسكري .
كان الانتظار امام مقر الحاكم العسكري معركة نفسية يخوضها المواطن بأسلحة الصبر وتحمل ساعات الوقوف في ساحة المقر ، والذي يستمر ساعات طويلة تحت لهيب الشمس الحارقة ، عدا عن الرعب الذي يصيب المنتظرين حين يهجم عليهم الجنود و يبدأون بضربهم بأعقاب البنادق والعصي كلما اقتربوا من باب غرفة الفرعون الصغير الذي كان يدعى الحام العسكري .
” زايد ” كان أحد المرتزقة والمعروف بعمالته وتعاونه مع الحاكم العسكري ، يحمل عصاه مستعرضاً قوته أمام المنتظرين ، يشتم ويبصق على وجوههم ، وأحياناً يستخدم أحد الكلاب البوليسية ، عدا عن التخويف يقوم بجر الكلب الى المسنين ، الذين يأخذون بالابتعاد عن نجاسة الكلب ، لكن ” زايد ” يعتبرها لعبته ، كما كان يخطف أغطية رؤوسهم من عقل – جمع عقال – والكوفيات ويرميها على الأرض .
وقف زايد في ذلك الصباح أمام المنتظرين كالديك المنفوش ، طالباً ..على كل واحد ابراز هويته مرفقاً معها طلب التصريح الخطي الذي كان يسمى ” استدعاء ” ، ونصه كالتالي :
سعادة الحاكم العسكري المحترم
الموضوع طلب تصريح …. كان يُحدد في الطلب الهدف المتوخى من التصريح ، اما السفر ، أو العمل ، أو لذبح شاه وغيرها ، وأيضاً كانت تحدد المدة ، أما يوم أو يومين أو أكثر – فقط المخاتير أو رؤساء السلطات المحلية كانوا يحصلون على تصاريح لفترات زمنية طويلة ، وذلك بسبب أن غالبيتهم كانوا يتعاونون مع الحاكم العسكري ، ويقدمون الولاء للحزب الحاكم – حزب مباي – .
كان أيضاً طلب التصريح يحدد اسم البلدة اليهودية المزمع الوصول اليها ، كان صاحب الطلب يستخدم كل معاني الاستعطاف والتوسل والرجاء والاستجداء من أجل الموافقة على طلبه ، وما أكثر الطلبات التي كانت تُرفض ، هكذا بدون سبب .
في ذلك الصباح ، رأيته وهو يهدد المنتظرين ويقول : اسمعوا يا عرابش ، اذا لم تحافظوا على النظام والهدوء سوف أطلق عليكم الرصاص ، مع ان الواحد فيكم لا يساوي فشكه .. اسمعوا.. ما بستحق فشكه ، انا راح اقتل سبعة فيكم بفشكه واحدة ، ثم تقدم اليهم وأخذ يفتشهم بمساعدة جندي قصير القامة ، رأيته يمسك بأحدهم ويطلب منه نزع الساعة من يده ، ثم توجه الى رجل آخر وفتشه ، وما أن وصل الى صدره حتى أخرج علبة دخان ، علبة من الفضة مليئة بالدخان المفروم مع اوراق السجائر ، وهنا أخذ يجر الرجل خارج الصف ويدفعه منادياً الجنود الذين كانوا يجلسون بعيداً ، لقد أمسك بأحد الذين يتعاونون مع المهربين ، هكذا كان يردد وطالب بسجنه حتى يُقدم للمحكمة العسكرية .
بعد أن هدأت زوبعة الرجل وقف ” زايد ” وقال اسمعوا كلكم ، اليوم ما في تصاريح ، تعالوا بكره .