السياقات والديمقرطية والسلطة- بقلم : د . تيسير الناشف


دراسات ….
بقلم : د. تيسير الناشف – نيويورك …
الثنائية، أي النظر إلى أشياء بمنظور واحد، غير صحيحة. ومن الأمثلة على الثنائية أنه إذا وصف شيء باللون الأحمر فإنه لا يوصف باللون الأبيض. والكون يفترض أنه نسق أو تناغم كوني. والكون غير محدود. هناك ترابط بين أجزاء الكون.  ومحدوديتنا البشرية والعقلية تحدد معرفتنا وتقيد سبر غور الوجود. كل شيء موجود، وتكمل الأشياء المخلوقة بعضها بعضا.    والسياق يحدد العلاقات بين الأشياء. والظروف هي التي تؤدي إلى نشوء السياقات. وبالتالي ينبغي للتناول أن يكون سياقيا. ولا يمكن أن توجد حالتان متطابقتان أو متماثلتان. ومما يتعلق بهذه المسألة طبيعة السياق الذي تحدث فيه الحالة. السياق تشكله عوامل كثيرة تاريخية وراهنة واقتصادية ونفسية وثقافية ونفسية والعوامل الموضوعية والذاتية والأساطير.
والعالم والفضاء اللذان حولنا في حركة مستمرة ومختلفة. واختلاف هذه العوامل المستمر ينتج نتائج مختلفة، مما يؤدي إلى نشوء سياقات مختلفة. وعملية نشوء السياقات المختلفة لا بد من أن تؤدي إلى نشوء حالات مختلفة ولا بد من ألا تؤدي إلى حالات متطابقة أو متمتائلة مهما كان حجم انعدام ذلك التطابق أو مهما كان حجم ذلك التطابق قليلا. وعلى الرغم من اختلاف صغر السياق فإن لذلك السياق أثرا كبيرا وقد يكون مصيريا.
وفي عالمنا يقع تأثير متبادل، ولكن ليس مماثلا أيضا، بين عوامل حية أو متحركة، وعوامل جامدة أو غير نشيطة. وفي هذا العالم حصة العوامل المتحركة أو الحية في التأثير أكبر من حصة العوامل الجامدة. وعلى الرغم من أنه توجد عوامل غير متحركة فإن لوجود هذه العوامل تأثيرا على ذلك التفاعل بين العوامل الحية والعوامل الجامدة.
وفي هذه السياقات المختلفة يكون لأثر العوامل المختلفة تأثير يتضح وجوده مدة أقصر أو مدة أكثر طولا، وبالتالي قد يتضح الأثر بعد عشرات أو مئات آلاف السنين ، وقد يتضح أثر آخر وقتا أقل طولا.
ويجب ألا يكون لدى البشر ترف الاستهانة بالأمور وبإدارتها وبتأثير مختلف العوامل. والإقصاء والتهميش والاستبداد والظلم والقمع تندرج في هذا الترف.
ومما يتفق مع العدالة ألا تفتقر نظم الحكم إلى معرفة المجموعات البشرية التي تتكون من المتعلمين والمثقفين والعلماء والخبراء ورجال الأعمال والمهندسين ورجال القانون وغيرها.
ومن أجل تحقيق التقدم يجب تناول القضايا على نحو شامل أو نحو كلي. ويجب النظر إلى المجتمع نظرة كبيرة وليس نظرة صغيرة.
ولتحقيق النظام الديمقراطي يجب تنويع مصادر السلطة، ويعني تنويع مصادر السلطة توزيع أو نشر مصادر السلطة. من شأن هذا النشر أن يكون أفقيا وعموديا. وعن طريق هذا النشر لمصادر السلطة يزداد عدد الأشخاص الذين يتولون السلطة ويمارسونها، مما يعني أن السلطة، رسمية وغير رسمية، يزداد عدد الأشخاص الممارسين لها. وكثرة مصادر السلطة توجد توازنا ما بين مختلف مصادر السلطة. يختلف الأشخاص الذين يمثلون أنفسهم و/أو فئات معينة بعضهم عن بعض في مدى أو مقدار السلطة التي يمارسونها. من المعروف أن أصحاب السلطة الرسمية يمارسون قدرا أكبر من السلطة بحكم طبيعة دورهم الرسمي.
وثمة ظروف مؤاتية لأن يمارس أشخاص وفئات قدرا من السلطة. ومن تلك الظروف التقدم المهني والاحترافي في المجتمع. كلما ازداد ذلك التقدم تعززا زاد حجم السلطة التي يمارسها المهنيون والمحترفون.
وثمة مناهج للبحث، ومنها إجراء الحوار. وفي الحقيقة قصرت الجامعات في تعميم إدراك أهمية القيام بالحوار للتوصل إلى الحقيقة دون المساس بالحس بكرامة الإنسان. إن مجتمعات كثيرة من البلدان مقيدة بقيود البيراقراطية والطبقية والتوجهات الاستبدادية مما يعرقل الاحتكام إلى الحوار الاجتماعي والسياسي.
ومن طبيعة المجتمع البشري أن ينشأ فيه اتجاه إلى تعزيز الصبغة المهنية أو الاحترافية للأشخاص والجماعات وذلك بحكم التجربة البشرية في المهن التي تحتاجها مختلف فئات المجتمع. وينبغي للمتولين للسلطة الرسمية ألا يصدوا الأشخاص والجماعات عن اكتساب الخبرة والمهنية وألا يعتبروا هذا الاكتساب مصدر تهديد من جانب هذه الجماعات وألا يعادوها ما دامت تلك الجماعات لا تشكل مصدر تهديد لأصحاب السلطة الرسمية.

اللغة العربية
دعوات تُنشر، هي فاسدة وتدعو إلى إلحاق الضرر باستعمال اللغة العربية، وهي دعوات إلى استعمال اللهجات العامية، وبذلك يصبح بمرور الوقت لكل بلد لغة مستقلة هي ليست اللغة التي عهدنا بها. كل لهجة تصبح لغة، وإحدى النتائج الشديدة الضرر الابتعاد عن القرآن الكريم.
القرآن يوجد الترابط بين المسلمين، وخصوم الإسلام يريدون التدوين بالعامية التي تنشأن من إهمال الإعراب، الأمر الذي يليه التحريف. وفي نفس الوقت أو بعد ذلك يجري الشروع في استعمال الحروف اللاتينية، مما يزيد من الابتعاد عن الحروق العربية وعن القرآن وفهمه.
وفي سياق الرغبة في تعزيز مكانة لغتنا العربية وفي النهوض بمركزها ورفع هيبتها وعدم الاستهانة بها وبدقة قواعدها النحوية والصرفية أبين فيما يلي عددا من النقاط. ينبغي وضع برنامج كبير لترجمة كتب علمية وجامعية من مختلف اللغات العلمية إلى العربية، شريطة أن تسند مهام الترجمة إلى أكفاء مجربين من العرب وغير العرب. وينبغي أن تقوم هيئات علمية رسمية وغير رسمية من قبيل الجامعات وماهد الترجمة بتمويل تكلفة الترجمة.
ولا حاجة إلى تبيان أن كون العربية لغة القرآن الكريم يعزز مركز اللغة العربية ويدعم مركزها في الثقافة والمجتمعات العربية وغير العربية.
إن اللغة العربية لغة علمية، وتصلح لأن تكون لغة التعليم الجامعي. كانت اللغة العربية لغة العِلم والفكر العالمية دون مزاحم طيلة تمانية قرون من القرن السابع تقريبا إلى القرن الثالث عشر. والجامع الأزهر هو المؤسسة الحامعية الأولى في العالم. ويروي لنا التاريخ أن الفرنسيين استشاروا علماء مسلمين من الأندلس في كيفية بناء جامعة، هي جامعة السوربون.
الأنانية
لا بد من أن توجد الأنانية وغيرها من الصفات الشبيهة بها في أي مجتمع من المجتمعات البشرية. وما دامت الأنا قائمة فلا بد من أن تكون الأنانية قائمة. ولهذه الأنا دائرة أو مجال مصالحها المتجاوزة أحيانا كثيرة لحدودها الفردية أو الجماعية أو السياسية.
الكيان الكبير يستوعب الحضارة
على الرغم من أن التقدم في مختلف المجالات وحضارة العصر يمكن أن يحققا في كيان صغير فإنه يمكن إمكانية أكبر أن يحققا في الكيان الأكبر إذا توفرت الظروف اللازمة لذلك. وأحد أسباب ذلك هو أن كثرة سكان الكيان الأكبر توجد سوقا استهلاكيا أكبر مما يعزز الاقتصاد ويقوي مركز ذلك الكيان حيال كيانات أخرى. والسبب الثاني في ذلك هو أنه باتساع رقعة الكيان يزداد احتمال تنوع السلع والمصادر المالية، مما يجعل اقتصاد ذلك الكيان الأكبر متكاملا، وفي حاجة أقل إلى مصادر خارجية. وتزداد حاجة الكيان الصغير إلى البلدان الخارجية للاحتمال الأكبر لعدم تنوع سلعه وعدم تنوع مصادر دخله.
وتنشأ في الوقت الحاضر كيانات كبيرة، وذلك لأسباب من أهمها أن الكيان الأصغر يكون عرضة لاعتداء الكيان الأكبر. والكيانات الصغيرة، لتتقي خطط الكيانات الأكبر، تميل إلى تةحيد نفسها. وتنشأ كيانات كبرى، مثل الاتحاد الأوروبي، أيضا لتزيد قدرتها على المنافسى الاقتصادية حيال كيانات كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية.