منوعات ….
شوقية عروق منصور – فلسطين المحتلة ….
أوقفت سيارتي بالقرب من محطة الباص ، وذهبت الى سوق الخضار لكي اشتري بعض الخضروات ، بعد لف ودوران وشراء وحمل أكياس ، رجعت وإذ عجلات السيارة مقيدة بجنزير مع قفل ، أول مرة أواجه مثل هذا الأمر ، ولم أعد أعرف ماذا أفعل ، نظرت حولي .. لا أحد يساعدني على تفسير الموضوع .
أطل صاحب الدكان المواجهة للمحطة ، وقال لي وابتسامة تطل من بين شفتيه :
– كلبشولك السيارة .. !
عرف صاحب الدكان أنني لم أفهم عبارته .. فقام بقطع الشارع ، وجاء لكي يحل لغز حروفه ، بعد التفسير فهمت أن أفراد الشرطة الفلسطينية قد – كلبشوا السيارة – ويجب علي الذهاب الى مقر الشرطة وأدفع المخالفة ، ثم سيأتي الشرطي معي ويفرج عن عجلات السيارة .
سألت عن مركز الشرطة ، عندما وصلت وجدت رجال الشرطة بثيابهم الأنيقة ، ونظافتهم اللافتة للنظر ، وجدران المركز تدل على تصميم وتصور لعمل سيؤدي الى الاستقرار وفرض القانون . كان ذلك في مدينة قلقيلية ، الزمن عام 1996 ، حين قدمت السلطة الفلسطينية وأعلنت عن إقامة مقرات للشرطة لفرض النظام والبدء لإعداد جذور الدولة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو .
المهم توجهت وسألت عن كلبشة السيارة وعن رسوم المخالفة ، سلمني الشرطي الوصل الذي يجب علي دفعه عند الشرطي المسؤول .
سلمت الشرطي المسؤول الوصل كي أدفعه .. ختم عليه وقال بصوت عال :
– عشرين شيكل ..!
شعرت أن الجدران التي رأيتها سابقاً عالية تكاد أن تصل السماء ، قد انهارت ، وأن هناك شيئاً ليس طبيعياً ، سلطة فلسطينية ومخالفة وفرض الأمن والأمان ورجال شرطة ومقرات أمنية ..وعملة الدفع الشيكل ..!! لأنني أعتبر العملة هي الوجه المشرق لحلم المواطن الذي يعتز بقوميته ووجوده ، واثبات لوجوده وقوته .
أثناء سيري مع الشرطي الذي رافقني كي يفتح القفل الذي قيد به عجلات السيارة ، سألته : لماذا الدفع بالشيكل الإسرائيلي ؟؟ لماذا لم يكن للسلطة عملة فلسطينية خاصة بالشعب الفلسطيني ، اسوة بباقي الشعوب …؟؟ لم يجب الشرطي ، شعرت أنني أتكلم مع نفسي ، وقد دخلت منطاداً يطير بي في فضاء شيكات يستحيل صرفها .
لم يعد السؤال عن العملة الفلسطينية يدور في خلدي مرة أخرى ، حتى كان الخبر الذي فتح أمامي باب القش الذي يؤدي الى ساحة البكاء الممزوج بالفرح العابر .
” متجر الشطار: تميز واشتر بالجنيه الفلسطيني ” فكرة تنفذها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ، وهي عبارة عن متجر بسيط في المدرسة يبيع الألعاب والقرطاسية والهدايا التي يحتاجها الطلاب– من عمر خمس سنوات حتى عشر سنوات – وتكون العملة المتداولة هي الجنيه الفلسطيني ، ويحصل الطالب عليه من المرشدة أو مربية الصف كمكافأة على التميز ، ويستطيع الشراء فيه فقط من دكان المدرسة .
تنفيذ هذا المشروع بدأ في بعض المدارس الابتدائية في مدينة اريحا ، والهدف منه زيادة التحصيل العلمي وأيضاً زيادة الانتماء الوطني لدى الطلاب من خلال التداول بالعملة الفلسطينية ، وقد تم طبع بعض الجنيهات للتجربة .
كلنا نعرف أن قبل النكبة كان الجنيه الفلسطيني هو العملة المتداولة ، وكان له قيمته الاقتصادية ، وبعد النكبة اختفى مع حالات اللجوء والتشرد والتوزع في الأقطار العربية ، وأصبح الفلسطيني أسيراً لعملة الدولة التي يعيش فيها ، وحُرم من عملته الخاصة .
مع خبر التداول بالجنيه الفلسطيني ، لفت نظري أن في احدى القرى الافريقية تم الإمساك بثعبان ضخم ، وبعد أن أجهز عليه الناس قاموا بشق بطنه ، وإذ بمفاجأة أن الثعبان قد بلع بقرة .. قاموا بتصوير البقرة وهي خارجة من بطن الثعبان .
لقد رأيت بالثعبان كأنه الشيكل الذي ابتلع الجنيه ، الشيكل الذي يرسم خطوط الحلم الاقتصادي الفلسطيني ، ويرسل قيمته متحدياً الوجع الفلسطيني .
فكرة وزارة التربية التعليم الفلسطينية قد تغدو لعبة طفولية في الزمن الذي كبر وشاخ ولم يعش طفولته ، لكن قد تكون هي صرخة استغاثة حقيقية في النفق المظلم ، وقد توقظ بعض النائمين .
تحية للذي أراد أن يوغل في التحدي ليكون نسراً في زمن الدجاج .