تهب الرياح من كل اتجاه : هكذا افكر أنا : بقلم : إدوارد جرجس

آراء حرة ….
إدوارد فيلبس جرجس – نيويورك …..
كانت زيارة للوطن مصر وعودة إلى مكان إقامتي وثلوجه التي لا ترحم ، يقولون أن الانتقال من الدفء إلى البرد يُمرض ، قد لا يكون المرض بمعناه الحقيقي ، لكن منذ وصولي وأنا أشعر بمرض قد يكون مسمى الاختطاف أفضل ، الاختطاف من عالم حي إلى عالم ميت ، نعم الحي يمكن أن تقول فيه ما يعجبك من المساوئ ، والميت فاض بكل امتياز ، لكنني بالنسبة إلى مصر ينطبق علىًّ المثل ” القط يحب خناقه ” . عدت والحمد الله وبالرغم من وعكتين شديدتين أكرمني الله وانجزت أكثر مما كنت أتوقع . زيارتي للوطن دائماً تولد بداخلي العديد من النقاط أو التأملات ، لكن النقطة التي أطلقت شرارتها داخلي وبشدة أكثر هي  ” أين  الأدب والإبداع والثقافة ” أيها الوطن الذي خرج منك عمالقة الإبداع الأدبي والثقافي . بكل أسف أقولها وأنا في غاية الحزن ، لا أقولها بشكل عشوائي ، لكن بعد دراسة مستفيضة وأنا أتنقل إلى شبه التجمعات الأدبية والشعرية التي شعرت بأنها هَرَمت وتحولت أنفاسها إلى الحشرجة ، رفرفة كرفرفة الطير الجريح الذي يتشبث بالحياة ويقاتل لكي تظل أجنحته تضرب الهواء في تحليق مستمر  ، جريمة بكل المقاييس ولكل جريمة متهم أو عدة متهمين ، وأول من أوجه له اتهامي هو الدولة ، اتهام صريح ولا توجد مادة واحدة في القانون يمكن أن تبرئ الحكم بالتجريم ، الدولة بصفة عامة ووزارة الثقافة ووزارات التعليم والجهات المعنية بالعقول بصفة خاصة ، في الندوات التي دُعِيت إليها كانت عيناي تجولان في الوجوه فقد تطالعها أحد الوجوه الشابة لتخفف من نظرتها البائسة ، لكن كباحث عن إبرة في كومة قش يرتد بؤسها ليصيب داخلي . كباحث عن الأمل قررت زيارة إحدى المكتبات العامة التي أنشأتها السيدة سوزان مبارك والتي كانت تكتظ بطلبة وتلاميذ المدارس في ذلك الوقت فوجدتها وكأن هجرانها هو الثواب الذي يجب أن يقدم الآن . أتذكر عندما كتبت روايتي للشباب ” فتاة القمر ” بصفحاتها التي تعدت ال ” 600 ” صفحة  ، قررت أن أُهدي مجموعة من النسخ تغطي كافة المكتبات العامة على مستوى الجمهورية واتصلت برئاسة الجمهورية ومن خلالها تم توجيه المسئول العام عن المكتبات وحضرت سيارة كبيرة واستلمت النسخ من دار الطباعة والنشر وفوجئت بعدها بعدة أيام باتصال هاتفي من السيدة سوزان مبارك نفسها لتشكرني . أسوق هذه الواقعة الآن التي قد تنظر إليها العقليات المتخلفة إلى أنها إدانة لأنها تمثل عهد الرئيس حسني مبارك ، فقط لأقول أنه عندما تهتم الدولة أو من يمثلها بالجانب الثقافي فالجميع سيسيرون بالتبعية إن لم يكن بالاقتناع فمن باب الخوف وهذه حقيقة لا تُنكر في بلادنا !!! . إن مشاكل التموين والسكر والزيت وخلافه يمكن أن تحل مع الوقت ، لكن لو فرغت العقول من الصعب إعادة تعميرها ثانية وخاصة هذه الأجيال الجديدة باتجهاتها التي أصبحت تنظر إلى كل ما هو خارج الوطن على أنه طريق الخلاص الذي يجب أن يسيروا فيه مهما كانت التكلفة . عدت وفي يدي روايتي الجديدة ” إمرأة تحت سيف الأقدار ” لكن حقيقي لا أشعر بالنشوة التي كنت أشعر بها من قبل عقب خروج أي عمل جديد للنور ، كيف نعود لزمن الإبداع ، هذا ما يجب أن تفكر فيه الدولة بجدية .
edwardgirges@yahoo.com