أراء حرة ….
بقلم : جيمس زغبي – واشنطن ….
بجرّة قلم على أمر تنفيذي غير ملائم، وأتصور أنه ظالم، أطلق الرئيس دونالد ترامب العنان لديناميكية أخشى أن تكون لها تبعات واسعة النطاق ومدمرة على دولتي ومجتمعي بقدر ردود إدارة بوش الخاطئة على هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية.
وما فعلته تلك البنود المتنوعة في الأمر التنفيذي هو تعميق الغضب الشعبي العربي تجاه الولايات المتحدة، وربما أعطى تنظيم «داعش» الإرهابي «منحة علاقات عامة»، وتغذية مشاعر «الإسلاموفوبيا» هنا في الداخل، بينما فاقم في الوقت ذاته من التوترات الطائفية داخل المجتمع العربي الأميركي.
وتعليق ووضع قيود على الهجرة واللاجئين من سبع دول عربية، ذات أغلبية مسلمة، لن يجعل أميركا أكثر أمناً. فالبيانات واضحة، وتؤكد أن المهاجرين من تلك الدول المدرجة على قائمة البيت الأبيض لم يمثلوا أي تهديد على الولايات المتحدة. ومعظم من تم إقصاؤهم إما طلاب وإما أفراد أسر يزورون ذويهم، وإما رجال أعمال. وأما اللاجئون المعرضون للخطر من تلك الدول أيضاً، والذين تم منعهم من الدخول، فهم من بين أكثر الأفراد الذين يتم التدقيق في شؤونهم بقوة عند دخولهم الولايات المتحدة بما يضمن أنهم لا يمثلون أي خطر على دولتنا.
وما فعله الأمر التنفيذي في الحقيقة هو إلغاء تأشيرات ما يتراوح بين 60 ألفاً إلى 100 ألف شخص، وقد أسفر أيضاً عن وضع كابوسي لمئات الأبرياء، الذين تأثروا بتطبيق الأمر، ممن تم احتجازهم في المطارات واستجوابهم لساعات، وفي بعض الحالات، أعيدوا إلى دولهم التي جاؤوا منها. وتمخض ذلك عن قصص محزنة بشكل عميق حول أسر تفرقت، ووعود نكث بها وأحلام تبددت، وحياة أشخاص تضررت، الأمر الذي زاد من مشاعر العداء لأميركا في الشرق الأوسط.
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وفي تناقض شديد مع وجهة النظر الشائعة على نحو واسع النطاق بأن «العرب يكرهون القيم الأميركية»، أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريناها أن العرب يحترمون الشعب الأميركي وثقافته ومنتجاته ويقدّرون انفتاح دولتنا وتسامحها ووعود ديمقراطيتنا. ولكن ما شعروا تجاهه بالاستياء هو السياسات الأميركية بحقهم. ومثلما أشار أحد المستطلعة آراؤهم آنذاك: «أنا أحب أميركا.. لكنني أشعر أنها لا تحبني». وعلى الرغم من الحرب في العراق والتحيز الأميركي ضد الفلسطينيين والسياسات الفاشلة الأخرى للولايات المتحدة في أنحاء المنطقة، فقد استمر أمل العرب في أن أميركا يوماً ما ستلتزم بقيمها المعلنة. ثم جاء الأمر التنفيذي لترامب، والتصريحات المناهضة للمسلمين التي صاحبته، لتبدد ذلك الأمل، وهو ما يسرُّ «داعش» بالتأكيد.
واحتجاج الإدارة بأن الأمر التنفيذي ليس «حظراً على المسلمين» غير مقبول أخلاقياً. فمن المؤكد أن تجميد حق الدخول إلى الولايات المتحدة يشمل فقط سبع دول، ولكن التصريحات المستخدمة لوصف الهدف من الأمر التنفيذي يغذيها بوضوح العداء للمسلمين من البيت الأبيض الذي تقطنه مجموعة من الأفراد لديهم سجل حافل بـ«الإسلاموفوبيا». كما أن اللغة المستخدمة للدفاع عن الأمر التنفيذي مستنبطة بصورة مباشرة من كتابات مفعمة بـ«الإسلاموفوبيا». وعلى أي حال، فهذه هي الطريقة التي تم تشجيع أنصار ترامب على أن يفهموا بها الهدف من القرار. وعلاوة على ذلك، ثمة أنباء عن أن القائمة سرعان ما سيتم توسيعها لتشمل كثيراً من الدول ذات الأغلبية المسلمة، من بينها لبنان ومصر وباكستان.
وما يزيد من سوء الأوضاع أن الإدارة قرنت تجميدها لبرنامج اللاجئين بتنبيه إلى أنه في المستقبل ستكون الأولوية لـ«الأقليات المضطهدة»، التي قصدت بها المسيحيين. وبرر ترامب ذلك بزعم أنه أثناء سنوات إدارة أوباما كان «من الصعب جداً على المسيحيين» أن يحصلوا على وضع لاجئ للدخول إلى الولايات المتحدة.
وبالطبع، فهذا ادعاء غير دقيق ردده اليمينيون المتطرفون مراراً وتكراراً. وفي الواقع، كان عدد اللاجئين المسيحيين والمسلمين الذين دخلوا الولايات المتحدة سنوياً متساوياً تقريباً. ونسبة العراقيين الذين تم قبولهم في برنامج اللجوء بالفعل يشمل عدداً كبيراً جداً من المسيحيين العراقيين. وفي حين أن عدد المسيحيين السوريين الذين دخلوا كلاجئين كان قليلاً، فمن الواضح أن ذلك كان بسبب حقيقة أن معظم السوريين المسيحيين الذين دخلوا أميركا لم يكونوا لاجئين، بل دخل كثير منهم إما كلاجئين سياسيين وإما ضمن برامج تأشيرة أخرى.
بيد أن تصريح الإدارة الحالية بأن الأولوية للمسيحيين لا يحمل سوى تأكيد لمفهوم أن الأمر التنفيذي كان ضد المسلمين، بينما يفاقم من التوترات الطائفية داخل المجتمع العربي في أميركا. وفي إطار عملهم لعقود من أجل التغلب على الانقسامات الدينية، واجه الأميركيون من أصول عربية تحديات متعددة أمام وحدتهم. والمهاجرون الجدد ممن لا يزالون يحملون ندوب الدول التي جاؤوا منها كانوا هم الأكثر عرضة للتحديات. وفي هذا السياق، تُلحق سياسات الإدارة الحالية بهم مزيداً من الأذى، أضف إلى ذلك أيضاً بعض المقالات التي تقتبس أقوال بعض المهاجرين والأميركيين العرب من الحزب «الجمهوري» التي يعربون فيها عن تأييدهم للأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب.
ولا ريب في أن «داعش» تنظيم خبيث شرير لا بد من هزيمته، ولا يمكن أن يفسح له الطريق ليضر بالأفكار والقيم الأميركية، بانتهاج سياسات خطيرة من قبل الإدارة الجديدة