فلسطين …
بقلم : شوقية عروق منصور – فلسطين المحتلة ….
عندما تُدعى الى المائدة يجب أن تكون من الآكلين لا طبخة في صحن .. هكذا قالوا ورغم أن الموائد قد فرشت عشرات ومئات المرات ، إلا أننا بقينا داخل الصحون مجرد طبخات تؤكل على مهل ، بل يتمتع صاحب المائدة والمدعوين – بتفصيص – عظامنا ، هذه الصورة التي برزت واضحة في ” مؤتمر باريس للسلام ” الذي انتهى مؤخراً ، كانت جثث الفلسطينيين في الصحون فوق الموائد ، وكانت أحلامهم الفاكهة على الطاولات ، ومعاناتهم الضحكات والابتسامات ، وبؤسهم الزينة التي زينت القاعات .. لكن لا أحد رأى ..!! كل الذي كان توهجاً اعلامياً وصوراً شخصية وتحديات واستعراض عضلات دولية ، وبين العضلات كان الشعب الفلسطيني الذي تعب من الركض بين الكراسي ووجد أن النوم واقفاً أمام بلاط المؤتمرات حلاً له .
لقد شاخ الشعب الفلسطيني والمؤتمرات تعقد وتمر وتكتب البيانات الختامية ، والنتائج التي تقع بعد ذلك تخالف البيانات التي يقرونها تحت طبول الاعلام ، حتى أصبح لدينا منسوباً عالياً من الحبر في الدماء الفلسطينية .
آخر تلك المؤتمرات ” مؤتمر باريس للسلام ” جرى ومر بهدوء ، كأن ذلك المؤتمر مجرد كرنفال أو ورقة نشاف لامتصاص الغضب العربي والعالمي الفلسطيني ، لكن نعرف أن الحقائق تؤكد ان هذا المؤتمر هو تكرير للموت الفلسطيني ، وسيتحول مستقبلاً الى واجهة تاريخية تبتسم باستهزاء .
تعلمنا أن اقصر الطرق بين نقطتين هو الخط المستقيم ، ولكن في السياسة لا يوجد خطوطاً مستقيمة ، يوجد فقط خطوطاً متعرجة ، وكلما تعرجت الخطوط تقوم بتعريتنا ، وتغتال أحلامنا ، وفي كل مرة تبرز شهادات ضعفنا ووضعنا المتأزم .
مؤتمرات تدلنا على العجز التي نعيش فيه ، يضبطون ساعتهم على آثارنا التي تختفي. ووراء كل بند يسجلونه يحسبون مليون حساب على عملية التوازن كما أطلق عليها وزير الخارجية الامريكية جون كيري ، فقبل أن يرحل يصر على عملية التوازن بين الجلاد والضحية فأصر على أن يتضمن البيان ، لغة تدين التحريض والهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين ؟؟
من هذه المؤتمرات تتدلى صور الذين حضروا ليسجلوا تراكم الغبار فوق الملفات ، وليبقى الشقاء الفلسطيني يتناسل غضباً ورفضاً عاجزاً .
لقد اصبحنا مثل محنطي الطيور ، نجلس ونحنط طيور الأمل والتفاؤل ونعرضها ، ولكن تبقى الطيور فارغة من زقزقتها ، مجرد اجسام متعفنة مع الزمن ، للعرض فقط .. !! في أحد حوارات الكاتب مؤنس الرزاز قال :
ان الكاتب العربي لا يحتاج من أجل انتاج الفنتازيا الى جهد الكبير ، حسب أن يتأمل الوقائع العربية الراهنة لتفيض الفنتازيا فتسود أوراقه .
وأنا أضيف .. يكفي أن تنظر الى المؤتمرات لنعرف أي فنتازيا فلسطينية نعيشها .
عدادات الهستيريا بين يدي الجنود
من راقب الكثبان الرملية ، والبيوت الخشبية ، والخيام المبعثرة والمنطقة القاحلة ، والجرافات باسنانها الطويلة الحادة وهي تقضم البيوت والحيطان في – أم الحيران – التي سجلت مرارة حياة المواطن في النقب ، يلاحظ أن المنطقة تهبط الى وادي التمييز وعتمة التجاهل للوجود العربي ، يلاحظ أن تحت الكثبان هناك الكواشين والطابو والبصمات العربية ، لكن عدادات الهستيريا تسجل جنون العظمة التي تنتاب الحكومات الإسرائيلية ، التي ترفع راية القهقهة ، واستخفافاً بالشعب الفلسطيني.
رأينا الجنود في حالة الجنون ، هذا الانفلات بالقوة ، خيول ، ولباس ، دروع ، سلاح ، ضربات ، افراط بالقوة ، هذه الركلات التي يمارسونها ضد الجسد الفلسطيني ، كأن
اللعبة المحشورة بين السلطات وبين الجماهير العربية ، أثبتت أن الجماهير العربية تقع تحت عدادات الهستيريا المسلحة التي تحصي الانفاس قبل البيوت .
في ظل هذا ثمة شيئاً هزلياً يشير الى هناك متسع أيضاً للهدم والعقاب ضد العربي ، أمام الحلول لا حل في الأفق .. ما دامت العقلية الإسرائيلية الحاكمة تشير الى بوصلة التمييز !!
بين الهدم في قلنسوة و الهدم في أم الحيران وعدة أماكن تم فيها الهدم سابقاً ، هل نحن بحاجة الى استراتيجية جديدة في التعامل ؟؟ ثم نسأل أين اليسار الإسرائيلي الذي نراه يفتش عن زوايا الصمت ويجلس هادئاً ، لنكتشف لا أحد معنا .