فن وثقافة ….
بقلم : طلال قديح …
إنها حلب الشهباء، ملتقى المبدعين العظماء من القادة والشعراء الذين ملأوا الدنيا عطاء وشغلوا الناس إبداعا وإمتاعا.
تربعت حلب على سدة الجغرافيا والتاريخ قرونا طوالا، يشار إليها فيها بالبنان، وغدت تنافس مدن كل الأقطار، بما أبدعه أبناؤها من معارف تشهد لها بالأصالة وصدق الانتماء.
ظلت حلب إمارة عربية شامخة يقودها أمير عربي طالما تحدى بشموخ وإباء كل الطامعين الأعداء، وتكسرت على صخرة صموده مؤامراتهم ومكائدهم.. إنه سيف الدولة الحمداني الذي كان له من اسمه أوفى نصيب، فكان سيفاً مسلولا في وجه الروم، فأبطل محاولاتهم للدخول إلى الشام والاستيلاء عليها.
وهكذا دخل سيف الدولة التاريخ من أوسع أبوابه، وأصبح اسمه قائدا عربيا عظيما يهايه الأعداء ويعتز به الأشقاء.
استقطبت حلب أشهر الشعراء الذين تقاطروا عليها من كل الأنحاء للإشادة بأميرها العظيم وما حققه من انتصارات فيها مرغ في التراب أنوف الطامعين الغزاة.
وكان أبو الطيب المتنبي أشهر الشعراء ،أحب سيف الدولة ووجد فيه تجسيدا لطموحه ، فرافقه في معاركه ضد الروم وبهرته انتصاراته فنظم غرر القصيد التي تتغنى بهىا الأجيال.
كانت الحرب لا تهدأ مع الروم، ومنها معركة الحدث التي انتهت بهزيمة مروعة للروم وانتصار مؤزر للحمدانيين، فنظم المتنبي قصيدته الرائعة :
على قدر العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
يكلف سيف الدولة الجيش همه وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم
ويطلب عند الناس ما عند نفسه وذلك ما لا تدعيه الضراغم
…
هل الحدث الحمراء تعرف لونها وتعلم أي الساقيين الغمائم؟
إلى أن يقول، وكأنه بيننا اليوم، يعيش مأساة حلب:
وكيف ترجّي الروم والروس هدمها وذا الطعن أساس لها ودعائم؟
أتوك يجرون الحديد كأنما سروا بجياد ما لهن قوائم
إذا برقوا لم تعرف البيض منهم ثيابهم من مثلها والعمائم
خميس بشرق الأرض والغرب زحفه وفي أذن الجوزاء منه زمازم
تجمّع فيه كل لسن وأمة فما يُفهم الحدّاث إلا التراجمُ
وقرت عين المتنبي بهزيمة مدوية للروم، أفشلت خططهم ودفنت طموحاتهم.
وحق لحلب أن تباهي وتفخر بما أنجبت أو عاش في حماها من الشعراء الأفذاذ أمثال المتنبي وأبي تمام والبحتري وأبي فراس.
وهكذا فكأن التاريخ يعيد نفسه، فها هي حلب، قلعة صمود العرب، تدار على أرضها معارك طاحنة وتصفية حسابات بين الشرق والغرب، لا ناقة لأهلها فيها ولا جمل، وأهلها الأبرياء من دمائهم يدفعون الثمن.
يا حلب يا قلعة الأحرار، قد طال الحصار وفتك بالصغار والكبار ، وسالت الدماء كالأنهار دون
أن يحرك ذلك ساكنا لدى الأغيار، أهل النخوة والمروءة ضد الأشرار.
اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليلك بالبلج
يا عرب ، يا أهل حلب، اطمئنوا ..لا تيأسوا ..وثقوا بالله، أن النصر آت آت مهما بلغت التحديات، واشتدت النكبات، وتعددت المؤامرات، وستعود حلب الشهباء ودمشق الفيحاء ومعهما كل ربوع الشام الغناء ببساتينها الخضراء، ديار عز وهناء، وقلاعاً حصينة تتكسر على صخورها أحلامهم الدنيئة ونواياهم الخبيثة.
اللهم احفظ شامنا وكل ديار العرب قي عزة وشموخ وإباء.. أمنة مطمئنة، بعيداً عن كيد الأعداء، تحرسها عناية رب الأرض والسماء..أمين.