تهب الرياح من كل اتجاه : هكذا افكر انا – بقلم : ادوارد جرجس

اراء حرة ….
بقلم : إدوارد فيلبس جرجس – نيويورك ….
قصة أتذكرها حتى الآن بالرغم من مرور الزمن بأعوامه الطويلة ، كنت في ذلك الوقت بالمرحلة الإعدادية بإحدى مدارس الصعيد ، كنا مجموعة أصدقاء مكونة من خمسة تلاميذ ، كان أحدنا اسمه ” علي ” ، كان فقيراً يأتي سيراً على قدميه من إحدى القرى المجاورة ، كان عزيز النفس جداً بالرغم من فقره ، أتى المولد النبوي ووزعت المدرسة قطعة من الحلوى على كل تلميذ وكان ذلك قبل المولد بيومين ، رأيت ” على ” يلف القطعة ويضعها في حقيبته المصنوعة من القماش باحتراس ، سألته لماذا لا يأكلها وأجابني بأنه يحتفظ بها لأخيه الصغير لأنه يحبها جداً ، أحسست بدمعة تحاول أن تهرب من عيني ، كنت قضمت من قطعتي وخشيت عزة نفسه لو قدمتها له ، لكن الله الهمني فكرة ، اتفقت دون علمه مع باقي المجموعة بأن نشتري علبة من الحلوى وكان ثمنها في ذلك الوقت لا يتعد العشرة قروش ،  ” واتفقنا بأن نلعب عليها لعبة ” السيجا ” المشهورة في ذلك الوقت حيث كنا نجلس أرضاً ونحرك الزلط الرفيع فوق المربعات الترابية ، ومن يفوز يفوز بها ، اتفقنا على اتباع تقسيمة في اللعب بحيث يلعب ” علي ” مع الفائز على باقي المجموعة ، وأن يترك هذا الفائز نفسه للهزيمة أمامه ، وفاز ” علي ” بعلبة الحلوى وذهب بها لأخيه الصغير وهو يكاد يطير من الفرح ، في اليوم الثاني قابلنا عندما أتى إلى المدرسة أصر أن يُقبلنا وقال وفي عينيه دمعة تترقرق ، أعلم أنكم قصدتم أن أفوز أنا بعلبة الحلوى وقبلتها لأنكم أصدقائي وأحبابي ، حقيقة ضعفت أمامها وأن أتخيل الفرحة في عيني أخي الصغير ، لقد أدخلت كلماته فرحة إلى قلوبنا أكبر من فرحة الطفل الصغير بالعلبة . قصة نسيتها مع الزمن لكن كثيراً ما يعود الحدث القديم مجدداً أمام مجرد خبر ، أعادتها الآن هذه الاقتراحات  أو التفاهات التي أسمعها الآن سواء من بعض المسئولين أو بعض الإعلاميين  التي أعادت إلى ذهني بقوة المقولة التي استشهد بها دائماً ” علمني التفاهة يابا ، تصدرأمام التفاهة يا ولدي ” ، ينادون بالاستغناء عن حلاوة المولد النبوي ، بحجة شح السكر ، وهذه قصة أخرى أود الكتابة عنها لكن فقط الآن أسأل كيف ؟!!!! ، مساحات شاسعة تزرع من السكر والبنجر في مصر وعدة مصانع لتصنيع السكر ، إذاً من أين تأتي الأزمة ؟!!!! . أشياء الحديث عنها يبند على أنه من التفاهات مثل الحديث عن إلغاء حلوى المولد ، هذه عادات موروثة كالأهرامات ، هي فرحة الأطفال بهذه المناسبة بل الكبار أيضاً ، عادات كشجرة رأس السنة الميلادية أو الكريسماس ، عندما كنت بمصر كنت اشتري حلوى المولد لأطفالي وكانوا يحبونها جداً وحقيقة حتى الآن لو صادف وكنت بمصر في هذه المناسبة أشتري الكثير منها وأحضرها معي ويتلقفونها وهن الآن أُمهات ، واحسرتاه ، هل حلوى المولد هي التي ستهوي بالاقتصاد إلى الحضيض ، حلوى المولد أصبحت رمزاً يرافق الرمز الديني الجميل لهذه المناسبة ، أليس من الأفضل أن توقفوا ملايين الدولارات التي تنفق على استيراد مستحضرات التجميل وغذاء الحيوانات !!!! ، كل عام ويأتي المولد النبوي وفرحة الحلوى بخير على الجميع ويارب اكفنا تفاهة التفهاء !!