فن وثقافة ….
بقلم : سعيد مقدم – ابو شروق – الاهواز ..
(1)
عند ولادته، لفوه بالشال؛
ضجيج بكائه ملأ صالة الولادة؛
استأذنت مسؤولة النظافة من أمه لتحمله في حضنها لحظة،
وكذلك فعلت زميلاتها…فهدأ.
عند الترخيص، دس رجل فقير مبلغا من المال في شاله،
كان مغمض العينين..لكنه أحس بدفء الشال، والاهتمام، وبخشخشة المبلغ.
أبو شال (2)
كبر وكبر الشال معه،
إن مشى حمله على كتفه، إن جلس طبقه جنبه، وإن نام وسّده المخدة؛
يلعب مع الأطفال في الشارع، وبفضل الشال يرأسهم؛
إن تخاصموا وضربوا بعضهم، سلم من الضرب ومن التعنيف.
كان محقا حتى لو لم يكن الحق بجانبه.
أبو شال (3)
عندما دخل المدرسة، أبى إلا أن يرافقه شاله،
في حصص الاستراحة لا يلعب كثيرا ولا يركض مع التلاميذ،
خوفا من أن يسقط الشال من كتفه.
وخلال هذه الفترة، كان الشال كفيلا بأن لا يتعرض للعقوبات
بسبب إهماله في أداء واجباته،
وكان كفيلا لحصوله على بعض المساعدات من زملائه
وقت الامتحان…وإلا هددهم بالشال.
وكان كفيلا لنجاحه في كل سنة ليرتقي إلى الصفوف
الأعلى حتى أخذ الدبلوم، ثم ومن طريق الجامعة الحرة
استطاع أن يحصل على البكالوريوس.
أبو شال (4)
رشح نفسه لانتخابات البلدية، واشترى شالا جديدا؛
ودأب يحضر جميع المناسبات، أفراحها وأتراحها؛
لم يفته مأتم إلا وجلس في صدر مجلسه، يحرك شاله بين الفينة والأخرى.
في مناسبة ما، دعاه رجال زمرته إلى أن يلقي خطابا،
رفض لعدم استطاعته، ورفع شاله من على كتفه معاتبا:
ألا يكفيهم هذا الشال؟!
وكان محقا … فقد فاز في تلك الانتخابات فوزا ساحقا.
أبو شال (5)
إن قوانين البلد تمشي على مرامه في الدوائر الرسمية،
جميع الإمارات التي تدل على عروبتنا محظورة إلا شاله؛
يعمل له هذا الشال كجواز، وصك عبور يدخل به أينما يشاء.
ولهذا تراه يعتني به دائما، يغسله كل يوم، ويكويه، ويطويه طيّا منظما على كتفه.
أبو شال (6)
قال له صديق: شاع عند الناس أن لك علاقات مشبوهة،
وأنك تستغل منصبك، وتتعاطى الرشاوي…
مد يده على كتفه وتحسس شاله ملفتا النظر إليه وقال:
سحقا..ثم نية مبيتة لتجريد الشال من كرامته!
كيف لهؤلاء لا يعتبرون من سنن الأولين؟!
لأحولنهم إلى بالونات…أو لأمسخنهم إلى قرود.
أبو شال (7)
طلب منه صديق أن يرافقهم في خطبة فتاة،
فاستغل شاله لينقص الصداق إلى مبلغ زهيد،
بالكاد يكفي لشراء سوار واحد وخاتم.
أبو شال (8)
حصل أن تعدى أحدهم على الآخر فضربه وظلمه وهضم حقه،
وعند التظلم، لم يجد المعتدي سوى أن يلجأ إلى (أبو شال).
وسرعان ما حصل على التنازل، وإسكات المعتدى عليه.
أبو شال (9)
عندما اقتربت ساعته،
وصى أن يرفعوا شاله يرفرف فوق قبره ليتميز عن باقي قبور المسلمين؛
كما عاش هو (وبفضل الشال هذا) مميزا بين الناس.
ليقصده القاصي والداني يقرآن على روحه الفاتحة،
وله في هذا مآرب أخرى.
أبو شال (10)
عندما مات، دفنه ابنه دون أن يرفع الشال على القبر،
وترك القبر معرضا للمطر وللشمس، واستغفر لأبيه؛
وتصدق بالمبالغ التي كان أبوه قد أورثها له من كتابة العوذ للنساء الأميات،
ومن الضحك على ذقون البسطاء.
وطمر الهوة التي حُفرت بينه وبين سائر الخلق الذين خلقهم الله من ذكر وأنثى،
وأن أكرمهم عند الله أتقاهم.
وحرث الأرض وعاش بخير اخضرارها
——————-
سعيد مقدم أبو شروق – الأهواز