تهب الرياح من كل اتجاه : هكذا افكر انا – بقلم : ادوارد جرجس

اراء حرة …
بقلم : إدوارد فيلبس جرجس – نيويورك …
مجرد فكرة أو ربما محض سؤال ، لو كتبت عن راقصة وبالوصف القصصي أَفَضت عن تقاسيم فتنتها ، ياترى كم من القراء سيسيل لعابهم ويلتهمون الكلمات ويعيدون اجترارها! ، ولو وضعتها على الفيس بوك ، كم من الاستحسانات تحصد وكم من التعليقات الغرائزية ستجني ! ، هذه هي المأساة المثيرة لكل الأحزان ، أصبحنا نستحسن ونصفق ونعلن إعجابنا ونطلب المزيد للرخيص من الكلمات . رحلت قامة للإبداع وانتظرت أن أقرأ في جميع الصحف عنها وأجد الفيس بوك يمتلأ ويفيض بنعي الأديب والشاعر المبدع ” فاروق شوشة ” ، لكن الأكثرية وليس البعض فضلوا استمرارية الغوص في التفاهات عن كلمات يودعون بها ” فاروق شوشه ” صاحب ” لغتنا الجميلة ” . رحل الأديب والشاعر صاحب الإلقاء الرائع وهو يترنم بالشعر ، أتذكره في المرة الوحيدة التي تقابلت معه في جريدة الأهرام وسألته لماذا لا يأتي إلى أمريكا وأجاب بملامح جميلة وابتسامة لا تفارق شفتيه ، هل تستطيع أن تخرج سمكة من الماء وتطلب منها الاستمرار في الحياة ، وقتها عرفت كم يتشبث هذا الرجل بأرض الوطن التي ألهمته أجمل الأشعار . كم أشعر بدموع القلم عندما ترحل القامات الأدبية أو تمر ذكرى أحدهم ولا تجد من يعير الأمر التفاتاً وأكاد أسمع صوته يردد ، هذا ما جناه الجهل علىَّ ، نعم الجهل بكل منطوقه ونحن نفرط في تراثنا الأدبي والثقافي ونرى اللغة وهي تتبخر من الأفواه فينطق اللسان بها بطريقة أشعر بالعيب فيها ، حتى الذين لم يغادروا بلادهم يرون الفخر وهم يطعمون جملهم بكلمات من لغات أخرى وهم يظنون أن هذه الجمل المختلطة اختلاط الماء بمادة زيتيه فلا يطيق أحدهما أن يذوب في الآخر هي التي تعلن عن الرقي والمستوى الاجتماعي المرتفع ونسوا أن ينظروا إلى أقدامهم ليدركوا أنهم يقفون فوق أكوام القمامة ، ليس من العيب أن نتحدث بكل لغات العالم ، لكن هذا لا يدفعنا إلى تشويه لغتنا الجميلة ، رحم الله الأديب والشاعر فاروق شوشة الذي أسس برنامجاً في الإذاعة سمي ب ” لغتنا الجميلة ” منذ حوالي نصف القرن ، كنت دائب الاستماع إليه وكم تعلمت منه النطق لمخارج الحروف بطريقة تظهر رونق اللغة ، الشاعر والأديب فاروق شوشه كلماته لها نكهة خاصة ، هذه النكهة اكتسبها منذ بداية تعلمه في الكتاب وحفظه للقرآن بل وتجويده وعلى امتداد أكثر من نصف قرن وهو يوظف قدراته الإبداعية وثقافته اللغوية والتراثية لتوسيع رقعة الاهتمام باللغة العربية من جيل إلى جيل وهذا ما رشحه لعدة مناصب فهو عين كأمين عام لمجمع الخالدين بالقاهرة ، ورئيس الإذاعة المصرية ، ورئيس اتحاد الكتاب الأسبق ،  وعضو العديد من لجان المجلس الأعلى للثقافة ليصبح رئيساً لمجلس أمناء ” جائزة محمد بن راشد للغة العربية ” . الحديث عن الأديب والشاعر فاروق شوشة ومؤلفاته يطول ويطول ولا نوفيه حقه ، اختتم  كلماتي بمقطع من قصيدته ” بغداد يا بغداد ”
كيف الرقاد وأنت الخوف والخطر
وليل بغداد ليل ما له قمر
ها أنت في الأسر : جلاد ومطرقة
تهوي عليك وذئب بات ينتظر
وذابحوك كثير ؟ كلهم ظمأ
إلى دماك ؟ كأن قد مسهم سعر
أين المقر ؟ وهولاكو الجديد أتى
يهيئون له أرضاً فينتشر
edwardgirges@yhoo.com