منوعات ….
بقلم : مجتهد اليماني – عدن …..
شيطان في صورة نبات، اوقع الأنسان اليمني في فتنته وزاحم الاغذية البريئة في معدته.. وجري مجري ابليس في دمه وولج ولوج اللص الي خزائنه .. يطارده صباحا في رؤوس الجبال.. ويؤرقه ليلا في متاهات الخيال .. متنقلا به بين السرور والحزن وبيت العقل والجنون يفني الانسان اليمني نصف عمره، في صور ملونه مفتعله ، تستهلك فيها رجولة الرجال ، وعزائم الابطال ، بتأثير القات تلك الشجرة الملعونة التي تعمل عمل الطاغية المستبد، ويتحكم في حياة الشعب ومصيره ومصالحه.
وإذا كان الفرديون يقولون أن الطاقة الجنسية هي التفسير الحق لكل سلوك إنساني، والماركسيون قالو أن الاقتصاد هو السر الكامن وراء التاريخ والحضارات ، فإننا نحن اليمنين نستطيع أن نقول أن شجرة (القات) هي الحاكم والمتحكم في حياة الشعب العربي في اليمن، والمتحكم حتي في الاقتصاد وفي الطاقة والدوافع الجنسية.
القات والبن
يقال أن القات وفد الي اليمن من بلاد الحبشة، وتروي في اكتشافه اقاصيص تشبه مايروي في اكتشاف البن.
وقد وضع احد الكتاب الأمريكين كتابا ذكر فيه قصة شجرة البن وانتقالها من جزية العرب الي تركيا فأروبا وأمريكا، وكاد أن يجعل منهت شجرة العبقرية الخالدة ، فهو يعزو الي سحر القهوة كثيرا من روائع الأدب العالمي من شكسبير حتي العصور المتأخرة، أما شجرة القات فأنها آثرت العزلة ولم تستطيع أن تكون شجرة العبقرية بل حلت اللعنة، إذ اصبحت مسؤولة أو كالمسؤولة عن مصير شعب بأثره!
ممنوع شرب الماء
ولا يطيب للمولعين بمضغ القات أن يمضغوه الا إذا الهبو أحشاءهم بالظمأ وهم يفعلون ذلك بشتي الوسائل ويخضعون حياتهم اليومية لهذه الحاجة الكبري، يعيشون في حمية من الصباح حتي بعد الظهر، فيتحامون أكل الفواكه وشرب الماء والسوائل وجميع الأغذية التي قد تخفف من الشعور بالعطش فيحرمون أنفسهم جانبا كبيرا من الأغذية النافعه، وهم في الوقت نفسه يتناولون في وجبة الصباح والغداء مايثير حاجتهم الي الماء بقطع النظر عن قيمته الغذائية وملائنته للحالة الصحية لأي فرد (كالبسباس) والفلافل وسائر الحريفات، كما أنهم لا بد أن يسيروا سيرا عنيفا الي مسافات بعيدة أو يصعدوا الي الجبال أو يقلبوا بطونهم وظهورهم عارية في صخور الحمامات الساخنة كل ذلك لابد منه لآثارة العطش ومضاعفة اللذة والنشوة عند الساعات السحرية لمضغ القات.
هل هو مخدر
هناك فكرة شائعة عن القات أنه مخدر، وقد يقول بهذه الفكرة بعض الأطباء، ولكن هذا الرأي لا يزال في حاجة الي سند علمي، وليس من السهل علي الشخص الجديد علي مضغ القات أن يحس بنشوته عند أول يوم لمضغه، فلابد من التكرار حتي يتولد الاعتياد عليه ومن ثم يحس بأثره السحري، وليس صحيحا أن القات يورث الكسل بل مضغه يخلق نشاط مقرونا بالارتياح الشديد وارتفاع مستوي الأحاسيس والعواطف المختلفة، ومن الممكن لجميع المشتغلين بأي عمل يدوي أو فكري أو اداري أن يمارسون عملهم مع مضغ القات أو بعده بنشاط أكثر ولكنهم تعودوا أن يجعلوا من ساعات القات عطلة يومية أبدية تستمر من بعد تناول الغداء حتي المساء لا يقضونها عادة الا في جلسات عاطلة فارغة للمنادمة المجردة من كل هدف، وهذا هو أكبر خطر يأتي به القات، فهو يلتهم نصف عمر الشعب بدون عمل ولا أنتاج ولا تفكير ولا شعور بمسؤوليات الحياة، ونشوة القات تستمر عدة ساعات لا يعقبها فتور أة ارتخاء جسماني، بل تعقبها عند الكثير من الناس حالة نفسية مكتئبة، وغالبا ما يقضي ماضغ القات ساعات طويلة من الارق والقلق والهواجس والاوهام.
القات أو لا
ولا يهتم الفرد اليمني بغذائه ولا بكسائه ولا بأي حاجة من حاجات خياته كما يهتم بالقات، ويسعي للحصول عليه منذ الصباح وقد يشغله هذا السعي عن توفير الغذاء لتفسه ولاسرته كلها وليس من النادر ان يستهلك الانغماس في مضغ القات ثروات العائلات الغنية
المنتزهات والمسارح في المنازل
ولعل أعجب شيء يقال في هذا الشأن أن شجرة القات تملي ارادتها طراز الأبنية في المدن والقري ، وتكيف الهمارات السكنية حسب مقتضيات النشوة السحرية أثناء مضغ القات، أن غرف مضغ القات هي السينما وهي المتنزهات وهي المسارح وهي ميادين الرياضة وهي مقهي الندامي وهي منتدي الادباء واللاعبين وهي قاعة المحاضرات ومكتبة المطالعات، أنها حظ اليمين من كل وسائل التسلية التي تتمتع بها شعوب الارؤض، لذلك فأن الذي يفكر في بناء عمارته يجعل نصب عينيه اختيار الصورة التي تبني بها هذه الغرفة، ويطلق عليها أسم ( المفرج) أي مكان الفرجة، وهذا المفرج يجب أن يرتفع فوق عدة أدوار حتي يستطيع أن يطل علي فضاء فسيح سيميه اليمنيون( السفح) ويجب أن تكون قاعدة النوافذ قريبة من مستوي أرض الغرفة ليتمكن الجالس بالارض من أن يتمتع بمنظر الفضاء فتسبح به نشوة القات وتطير به كل مطار.
وهناك طراز آخر للمفرج وهو أن يكون في الدور الارضي ولكنه يتعاض عن مناظر الفضاء الواسع ببركة الماء عاليا أثناء جلسات القات وتحيط به أشجار الحديقة المنزلية وأزاهيرها، ويجب أن يكون باب المفرج واسعا جدا بحيث يلغي ركنا كاملا من اركان الغرفة ويحولها الي جدار زجاجي شفاف، ولكن هذا الطراز من المفارج ليس متشا بين عامة الشعب وفي مدنه المختلفة بل لا يكاد يوجد الا في صنعاء وضواحيها.
القات في السياسة
اما أثر القات في السياسة فنستطيع أن نذكر له مثلا واحد كافيا.. فمنذ أكثر من ثلاثين سنة. صدر قانون في عدن يحرم مضغ القات فاضطر المولعون بع في المدينة الي ان يهربوا كل يوم الي منطقة خارجها يقال لها (دار سعد) وهناك يجلس المهاجرون الي القات جلساتهم النشوي بعيدا جدا عن مقر أعمالهم وسكنهم ونشاطهم.
وقد ضاق الجمهور في عدن بهذا القانون الذي شردهم وقام البعض بتشريح انفسهم في الانتخابات علي اساس انهم يتبنون المطالبة بعودة القات الي عدن وألغاء قانون تحريمه ولكن هذا القانون، سواء ألغي ام لم يلغي فإن هناك القوانين السماوية التي لا سلطان للناس عليها، فأين يكون المهرب إذا حال القانون السماوي دون المتعة الكاملة بساعات القات وهو الذي يحول دون أي نلط حتي النشاط الخفيف الذي يقتضيه آدلء الصلاة.
وقد وجد اليمنيون مأربهم في المذهب الزيدي الذي يسود المناطق الجبلية العليا والذي يجيز بعض ائمته الجمع بين صلاتي الظهر والعصر فيقدمونها قبل جبسة القات، والمغرب والعشاء فيؤخرونها الي أي ساعة شاؤون وهكذا يتحايل اليمنيون علي قانون السماء كما تحايلوا علي قانون الارض اذعانا لسلطان الشجرة الشيطانية العاتية