الثقافة لا تعرف ميري ريغيف – بقلم : شوقية عروق منصور

اراء حرة …
شوقية عروق منصور – فلسطين المحتلة …
نعرف أن كلمة ثقافة فيها المساحات والفضاءات الواسعة التي تحمل روعة وابداع الانسان ، كلمة ثقافة  تختصر ضخامة الفكر والمعرفة  وتحمل مفاتيح البيوت المسقوفة بقرميد اللغات والفكر والتجارب والتراث البشري الإنساني  ، وترسم الخطوط البيضاء والأضواء تحت خطوات الانسان الذي يسعى للتعلم دائماً .
هذا ما عرفناه عن الثقافة عبر علاقاتنا مع قبائل الانصات والقراءات والصفحات ورؤيتنا للفن والفنون بكافة اشكاله وتوجهاته ، وحين نلتهم تفاحات المعرفة ونشترى صناديق التفاح من الأراضي التي تتنفس عشق الوجود ، وزرع بذور الفن والجمال.
لكن اكتشفنا أن كلمة ثقافة عند البعض قد تحمل أيضاً لغة ترويض أسود التاريخ وادخالهم الى قنوات لا تتسع لمرور فئران ، واذا صرخ يوماً وزير الاعلام الألماني زمن هتلر غوبلز  ” اضع يدي على مسدسي عندما أسمع كلمة ثقافة ” لأنه اعتقد أن الثقافة معناها تحريض وفتح مغاليق العقول وتمرد على الواقع ، فإن هناك من يحاول وضع الثقافة في ميزان الغارات الاحتلالية ، ويؤسس لثقل الميزان غضباً مغطى بالتجاهل ومسح ثقافة الآخر ، عن طريق فرض مناهج دراسية لا تمت له بصلة أو تحريفها وتغييرها  ، وتطويق لغة وتاريخ الآخر بأساليب الممنوع ومحاربة ابداعه .
وزيرة الثقافة الإسرائيلية ” ميري ريغيف ” من بين هؤلاء الذين يحاولون تغطية شمس الثقافة الفلسطينية ، فكلما وجدت نفسها أمام وجه من وجوه الثقافة الفلسطينية ، تنزع مسامير كرسيها كوزيرة مسؤولة عن الأجواء الثقافية ، و تدق المسامير في لافتة الاحتجاج بطريقة فجة ، بائسة ، متناسية أن الثقافة الفلسطينية أكبر وأوسع من ابتسامة رضى  أو رفض الوزيرة ، التي تقف بالمرصاد لكل ابداع فلسطيني ، بسبب أن منصبها يحتم عليها  احتواء جميع سكان الدولة ، فهي وزيرة للجميع  ، وأيضاً نحن نعيش زمن الفضاء المفتوح على الجهات الأربعة ، ولم يعد هناك كلمة تختفي أو فرشاة تكسر أو قصيدة تصادر أو قصة تمنع ، فكل شيء سيخرج للعلن .
آخر تصرفات وزيرة الثقافة ” ميري ريغيف ”  تركها  الحفل احتجاجاً على أغنية مطرب الراب العربي ” تامر نفار ” الذي قام بغناء قصيدة الشاعر محمود درويش ” سجل أنا عربي”  وذلك في حفل توزيع الجوائز للأعمال السينمائية لعام 2016 .
كأن الوزيرة تعتقد  بتصرفها هذا تلغي قصيدة الشاعر محمود درويش “سجل أنا عربي ” وتلغي صوت تامر نفار ، وتلغي وقع القصيدة على الأجيال الفلسطينية التي شربتها حتى الثمالة ، وأصبحت جزءاً من تراثه وهويته .
خروج وزيرة الثقافة من القاعة أمام الحضور يؤكد ثقافة الوزيرة التي لم تتحمل أغنية فلسطينية ، بل تعاملت بأسلوب القمع والكبت والرفض غير القادر على احتواء ثقافة الشعب الذي يقوم شعبها بإحتلاله ، بل رغم الاحتلال تريد مصادرة فكره ورأيه وثقافته، وقد حاولت  التخفيف من حدة خروجها من القاعة، بأن قالت : أنها توافق على قصيدة ” سجل أنا عربي ” ولكن نهاية القصيدة  دفعتها للخروج (  لكني إذا ما جعت آكل لحم مغتصبي  .. حذار حذار من جوعي .. ومن غضبي ..)  لأن فيها تحريضاً  ضد اليهود .
لا نعرف من أين أتت الوزيرة أن فيها تحريضاً ضد اليهود ، مع العلم أن هذه الأبيات الشعرية قد تصلح لكل انسان ولكل شعب ، فكل من يجوع  ويغتصب هو على استعداد لكي يأكل لحم من يغتصبه ويقوم بتجويعه .
لقد عرفت الشعوب التي وقعت تحت نير الاستعمار والاحتلال القمع والرفض وتجاهل تراثه وأدبه  وفنه، لكن بعد نيل الاستقلال والتحرر كانت الابداعات تخرج لتسجل تاريخاً حقيقياً لتلك الشعوب ، بينما يكون النسيان لتلك الأصابع الخفاشية التي منعت ومحت ومسحت ، ولم تتذكر الشعوب الوزير والمسؤول الذي منع  وشطب ومسح ، بل تتذكر القصيدة  والرواية والقصة والأغنية والفلم واللوحة والرقصة  .
الوزيرة ” ميري ريغيف ” تتجاهل القصيدة ، وهي غداً ستخرج مثلما خرجت قبلها ” الوزيرة السابقة ” ليمور ليفنات ” التي منعت وضع قصائد محمود درويش في المنهاج الدراسي العبري ، ولنتذكر..  لقد بقي محمود درويش ، ولم يعد أحد يتذكر لفنات وغيرها .
في الوقت الذي خرجت فيه ” ميري ريغيف ” من قاعة الحفل رغم غضب الكثير من المتواجدين ،  كان هناك  في العاصمة الفرنسية باريس ،  في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي ، على الرفوف  جماجم معروضة ، جماجم لرجال من المقاومة الشعبية  الذين قتلوا خلال الاستعمار الفرنسي للجزائر من  الجزائر ، من بين هذه الجماجم  جمجمة للمقاوم ” محمد لمجد بن عبد المالك ” المعروف باسم شريف بوبقلة ، وجمجمة للشيخ بو زيات قائد مقاومة الزعاطشة سنة 1949 . وقد اعترف مدير المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي ، أن هناك مئات الجماجم في علب من الورق المقوى موضوعة في خزانات حديدية  ، والآن يوجد حملة في الجزائر لتحرير هذه الجماجم من المتحف واعادتها للجزائر لدفنها كما يليق بها .
نحن نملك جماجمنا حيث ندفنها في تربة الاعتزاز والفخر  ، لكن نطالب الوزيرة ” ميري ريغيف ”  تحرير جماجم  القصائد والابداعات الأدبية والفنية الفلسطينية وتمريرها في المناهج العبرية لكي يعرف الشعب اليهودي عن ادب وفنون الآخر ، ولا يبقى الآخر في نظرهم على  هيئة سكين يطعن في الخلف .