تهب الرياح من كل اتجاه : هكذا افكر انا – بقلم : أدوار جرجس

اراء حرة …
إدوارد فيلبس جرجس- نيويورك ….
” مجرد قصة ” . أراها كل يوم تقريباً في الصباح والمساء منذ أن انتقلت إلى منزلي في نيويورك ، خاصة في الأيام الدافئة ، أرقبها من خلف نافذة غرفتي أو عندما احتسي قهوة الصباح الذي يطيب لي دائماً  أن تكون أمام المنزل ، تذكرني بمركبة فرعونية وهي تقود كرسيها المتحرك وتقبض  بيدها الأخرى على رباط طويل ينتهي إلى كلب من النوع الضخم ، سيدة أمريكية في نهاية عقدها الخامس تقريباً ، ضخمة ضخامة إجبارية ، ليس هذا الوصف من باب التهكم لكن لارتباط بينه وبين أحداث القصة ، عندما تقترب تدير وجهها ناحيتي وتلقي بالتحية وعلى وجهها ابتسامة الملائكة ، علمت من جارة لي أنها تسكن وحيدة مع كلبها المتأسد ، أسمعتني هذه الجارة أطرافاً من قصتها لكن الفضول دفعني لأن أسمع منها شخصياً ،  تجرأت ذات يوم وناديتها بصوت عال : ما رأيك في بعض القهوة ، ببساطة متناهية أدارت كرسيها وأجابت بنفس الابتسامة الملائكية : بشرط أن تكون من القهوة التي تحتسيها ” تقصد القهوة العربية ” ، كلما مررت من أمام نافذة مطبخك أُشم هذه الرائحة الرائعة ، لم أستطع أن أدعوها إلى الداخل للعائق المتمثل في عدة درجات لا يستطيع الكرسي المتحرك صعودها ، أحضرت الموقد الكحولي الذي اعتدت أن أعد فوقه قهوتي ، راقبتني وأنا أُعد فنجان القهوة كساحر يمارس طقوسه السحرية ، فاجأتني ببساطة لم أكن أتخيلها عندما قالت وهي ترتشف القهوة بتلذذ واضح وكأنها قرأت ما بداخلي : كنت أحبه حباً فاق الأساطير ، أقصد زوجي ، عشنا كأصدقاء قبل الزواج لمدة تزيد عن الثلاث سنوات ، ثم تزوجنا لشهر واحد ذهب بعدها للحرب العراقية ، كنا نؤجل موضوع الإنجاب حتى نتمتع بعشقنا ونحن نطير من مكان إلى مكان كالفراشات ، قررنا أن يكون لنا أبن أو أبنة عندما يعود ، عاد ، لكنه لم يعد فوق قدميه ، عاد جثة هامدة ، أردت أن أغافلهم وأرفع غطاء الصندوق الخشبي وأرقد إلى جانبه لتكون نهايتنا معاً ، مُنعت والأيدي تقبض علىَّ بجبروت القلوب الميتة ، قالوها لي وكأنهم يصرون على جبروتهم بأن يغمدوا خناجرهم المسمومة في قلبي ، لن تعرفيه ، لم يعد هو ، الأفضل أن تحتفظي بصورته قبل أن يذهب ، لم تكن بي شدة المقاومة لأسمعهم ما كان يجول في خاطري نحو الذي تسبب في هذه الحرب العقيمة  ، كل ما أتذكره لحظة انهياري وسقوطي وأنا بين أيديهم ، عندما استيقظت قيل لي أنها كانت نومة كبيرة ، كان آخر عهدي بخطوات أقدامي تلك اللحظة ، اختل ميزان جسدي بعد ان اختلت موازين الهرمونات وأنا قعيدة فأصبحت كما ترى . غالبت عواطفي لكي أتمكن أن أقول لها أن الحياة لا تزال جميلة ، تجرأت وسألتها ، من تظنين السبب في فقدك لزوجك ، قالت والابتسامة الملائكية لا تزال فوق وجهها ، أنا الآن لا أفكر من هو المخطيء ، فقط ، أعيش على ذكراه ، تابعت وهي تدير كرسيها للعودة ” الشعوب كلها مغلوبة على أمرها ” . قلت في داخلي نعم قد تكون الشعوب كلها مغلوبة على أمرها لكن شعوبنا مطحونة وليست مغلوبة . الغريب أنها لم تسألني عن اسمي إلا في المرة التالية بالرغم من ملامحي الشرقية الواضحة .
edwardgirges@yahoo.com