سياسة واخبار ….
تميم منصور – فلسطين المحتلة …
قليلة هي الدول في العالم التي انفجرت بها ثورتان شعبيتان خلال ثلاث سنوات ، وكان وقودها آلاف الضحايا ، كان هدف الثورتان واحد ، التحرر من الفساد والتبعية والفقر والجهل الذي سببه مبارك.
نعم ثورتان متتابعتان ، لكن مصر لم تتغير في داخلها وفي مبناها السياسي والاجتماعي ، لم يتغير موقفها وثقلها السياسي ومكانتها ، لقد ازدادت شيخوختها رغم حداثة ثوراتها ، فضاؤها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ازداد ضيقاً وظلمة ، ولا تزال في حالة تراجع ، لقد أصبحت قيمة الجنيه المصري لا تبتعد كثيراً عن وضع وحال الليرة اللبنانية والسورية والدينار العراقي .
ان حجم مصر ووزنها النوعي في الميزان الشرق أوسطي والدولي ، يوازي أصغر مشيخة من مشيخات الخليج ، وهذا جعل أم الدنيا تفقد هيبتها ، أما على صعيد القارة الأفريقية ، فقد غيبها مبارك ، وأصبح ينطبق عليها قول الشاعر :
لقد هزلت حتى بانت منها كلاها
وسامها كل مفلس
جاء السيسي بمزاجيته وطمسها أكثر ، فلم تعد القبلة الوطنية والعسكرية والسياسية التي يؤمها رؤساء الدول ويلجأ اليها الاحرار .
بفضل الثورة الأولى التي وقعت في 25 من يناير 2011 أدخل الثوار مصر في غرفة الإنعاش الثوري المكثف ، كي تعود لها عافيتها ، لأن مبارك وزمرته امتصوا دمائها ، لكن المعالجين الدخلاء لم يحسنوا تشخيص عللها ، مما زاد من سقمها ، اختار المعالجون عقاقير انتهى مفعولها منذ مئات السنين ، جُبلت في مختبرات وانفاق مظلمة ، حاولوا اشفائها بالفكر الديني الغيبي الذي لا يلائم العصر ويعادي روح تقدم الدولة والمرأة ، حاولوا ربط حاضر مصر ومستقبل شعبها بالفكر الديني الذي حلم به الاخوان المسلمون منذ عشرات السنين ، محور هذا الفكر يدور حول أمور غريبة عن التطور والتقدم ، كما أنه يلقي بظلاله على مصادرة حرية أجيال الشباب الطالعة ، كفروا بالحضارة والتطور التكنولوجي ، بدلاً من الأخذ بهذا التطور لإخراج مصر من دور التشرنق .
حاولوا ضرب الجامعات وتقسيمها واثارة الضغائن بين طلابها ، كما حاصروا كافة الادباء والمفكرين والفنانين ، الفكر الذي قاموا بتبنيه هو الفكر الوهابي الذي يحاصر عقل الانسان ويشل حركته وطموحه ، لقد كشفوا انفسهم بسرعة ، فأزاحهم الشعب بثورة شعبية كبيرة ، قامت بعد سنتين تقريباً من الثورة الأولى ، وهذه تعتبر معجزة بالنسبة للشعوب المكافحة ، لكن الثورة وقيادتها الجديدة وقعت في نفس الخطأ الذي ارتكبته الثورة الأولى ، في المرة الأولى جنى ثمار الثورة جماعة الاخوان تحت غطاء الديمقراطية ، وفي الثورة الثانية قطف ثمارها وسيطر عليها الجيش بقيادة وزير دفاعه السيسي الذي كان دخيلاً على السياسة وفنونها .
هلل الجميع لهذا التحول ومن ضمنهم قوى تقدمية واكاديمية وتيارات ناصرية ، لأنهم اعتقدوا بأن مصر ستكون أمام عهد جديد ، لكن هذا الرهان لم يكن في مكانه ، بل كان مخيباً للامال ، لأن السيسي ومن حوله لا يتمتعون برؤية مستقبلية وارداة قوية ، تغيرية تساهم في إدارة شؤون البلاد .
من يرصد المجتمع المصري يلمس أن الفساد ما زال على حاله ، المحسوبيات والرشاوى والفوضى على عهدها ، لم تتغير حياة المواطن البسيط الذي كان يتوقع تغييراً في حياته ، وأيضاً لم تعد لمصر قوتها وحزمها المعهودين ، اذ استمرت في التبعية للاملاءات الامريكية ، والمهين أن السيسي حولها الى أداة استغلها اعتى نظام عُرف حتى الآن وهو النظام السعودي ، هناك من حلم بأن السيسي – وأنا من بينهم – سوف يقود محور قوى المقاومة والقوى التقدمية ، واذا بمصر في صف القوى الامبريالية والرجعية والصهيونية ضد محور المقاومة .
ان السيسي الذي اعتبر السادات شهيداً ومبارك قائداً عظيماً ورثهما في توسيع أبواب التطبيع مع إسرائيل ، خاصة مع رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو ، كما عمل على الاستمرار بوضع مصر في خانة الوسيط العادي العاجز في التعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، بدلاً من أن تكون مصر في خانة الشريك الداعم للشعب الفلسطيني ، ان كون مصر في خانة الوسيط المزاجي الفاشل ، تعني أن السيسي اختار لمصر أن تبقى معزولة وبعيدة عن أي اجماع عربي قومي لدعم نضال الشعب الفلسطيني ، يجب على كل فلسطيني أن يدرك بأن مصر الحالية بقيادة السيسي ليست طرفاً داعماً للقضية الفلسطينية ، بل طرفاً متعاوناً مع إسرائيل ، تؤمن أن المقاومة تزعزع الاستقرار في المنطقة .
مصر تنسق مع إسرائيل بصورة كاملة التفاصيل ، أمنياً ومخابراتياً ، تتعاون معها ضد المقاومة في غزة ولبنان ، تتعاون معها في فرض الحصار على حوالي مليوني فلسطيني في قطاع غزة ، لا يهمها الممارسات القمعية التي يقوم بها الاحتلال ، لا يهمها قطع المياه عن عشرات المدن والقرى الفلسطينية وانتهاك حرمة الأقصى وتوسيع الاستيطان ، ولا يهمها استمرار إسرائيل باحتلال الأراضي السورية واللبنانية ، السيسي وحكومته في واد مع أمريكا وإسرائيل والشعب الفلسطيني بعنائه وقيادته المتخاذلة في واد ، أن اية دولة من دول أمريكا اللاتينية المتحررة تقدم للشعب الفلسطيني أكثر مما تقدمه مصر ، ولو كان السيسي يتعامل مع فلسطين وقضيتها العادلة على مستوى ما تتعرض له من مخاطر لما ارسل وزير خارجيته سامح شكري لزيارة نتنياهو في عرين احتلاله القدس ، فشكري معروف بعلاقاته المميزة مع ” السي أي أيه ” ومع العائلة المالكة في السعودية وهذا يجعله غير أمين على طفل فلسطيني ، لقد عمل شكري زمن مبارك سفيراً لمصر في واشنطن سنوات طويلة .
اعترفت الصحف الإسرائيلية أن زيارة شكري لمدينة القدس جعل إسرائيل تتنفس الصعداء لأنها تعاني من مضايقات دولية كثيرة ، فالكثير من قادتها وضباطها ملاحقون قضائياً في أكثر من دولة في العالم ، كما اعترفت هذه الصحف أن زيارة شكري هي جزء من سياسة التخبط واسقاط الواجب الذي يمارسه السيسي اتجاه فلسطين ، لقد صفعه نتنياهو عندما رفض عرضه بضم حزب المعسكر الصهيوني لحكومته بإيعاز من طوني بلير الذي يعمل مستشاراً سياسياً للسيسي ، كما أن كافة المعلومات تشير الى أن شكري لم يطرح أي مشروع للسلام خلال زيارته للقدس ، بل اجتر ما يردده الإسرائيليون يومياً بوجوب عودة المفاوضات مع الفلسطينيين .
ذكرت صحيفة ” هآرتس ” يوم الاثنين الماضي ، أن زيارة شكري تجاوزت في عمقها واهميتها التنسيق والتعاون الأمني ، فهي تهدف الى التعبير عن التعاون والتحالف الاستراتيجي بين مصر وإسرائيل والسعودية ضد محور المقاومة ، واعترفت الصحيفة المذكورة بأن مصر طلبت من إسرائيل لمساعدتها في فتح حوار مع اثيوبيا بخصوص سد النهضة ، كما طلبت مصر من إسرائيل دعمها في مطالبها التي سوف تعرضها في مؤتمر وزراء خارجية دول حوض النيل الذي سيعقد في نهاية الأسبوع في أوغندا ، كما طالب من رئيس الاحتلال التدخل لدى واشنطن لمنعها من سحب قواتها المرابطة في سيناء .
هناك موضوع آخر عرضه شكري أمام نتنياهو له علاقة بالمصالحة بين إسرائيل و تركيا ، وعلم نتنياهو من ضيفه ، بأن مصر ترحب بتحالف التركي الإسرائيلي الجديد ، لكنه طالب من اسرائيل دعم مصر بالتقليل من التحالف بين تركيا وحركة حماس .
لقد ظهرت نتائج شكري سريعاً وكشفت عن وجود تحالف استراتيجي بين مصر وإسرائيل ، لأن الأخيرة اعترفت وبشكل رسمي بأن طائراتها بدون طيار قد اغارات على مواقع بموافقة مصرية للمعارضة المصرية داخل سيناء .
هذه المواقف المصرية المخجلة ، المتخاذلة ، كشفت عن معدن حكومة السيسي المتواطئة ، ونحن ننتظر رد الشعب المصري .