سياسة واخبار …
بقلم : بكر السباتين …
الكيان الإسرائيلي يتمدد في افريقيا ويتوغل تنموياً في الدول المحيطة بالحلم الإسرائيلي المتمثل بمشروع “إسرائيل الكبرى” الذي يراود عقول قادة هذا الكيان المحتل منذ مؤتمر بال الصهيوني بسويسرا عام 1891؛ وذلك لكسر شوكة الدول العربية التي تنتمي إلى تلك البقعة ما بين نهري الفرات والنيل جيوسياًسياً والمتمثلة بسوريا والعراق ومصر والسودان والأردن ولبنان، لتفتيتها وتحويلها إلى كيانات طائفية في إطار لوحة فسيفسائية متنافرة الكتل والتكوينات الشكلية واللونية؛ من أجل السيطرة عليها.. بينما الإرهاب والفوضى ينهكان الوطن العربي ويشرذمانه وفق المنظور الصهيوني لخلق فراغ تنموي أمني، لينسجم الأمر مع ما تذهب إليه الفيزياء إلى أن الفراغ يستدعي القوة المجاورة للامتلاء، وخلق التوازن الطبيعي، لذك سيستقبل الكيان العربي الذي بات مفرغاً من أسباب النمو الشامل ، لذلك النهر الصهيوني الجامح المعربد الذي يجر معه كنوز سليمان الموهومة فيما يبطن في أعماقه أحلام هرتزل التوسعية، على حساب العروبة التي بنيت أساساً على فكرة القومية واللغة العربية والدين الإسلامي السمح المتعايش مع بقية الأديان السماوية، فكيف تفتح كنوز سليمان والمفاتيح ما لبثت بيد الحليف الجديد المتمثل بالكيان الإسرائيلي! وقد تغلغل في الجسم العربي وراح يتمدد بأريحية ليلوث العقل العربي ويصيبه بإعاقة دائمة! هذا التغلغل المقبول لدى دول الاعتدال العربي كخطوة استباقية (غير ذكية في المنظور العربي المعتدل) لتمنع “العدو” الإيراني البديل من الاندفاع الطبيعي نحو الفراغ الوجودي العربي؛ الناجم عن فقدان البوصلة الأخلاقية الروحية والثقافية السياسية، وتغلغل مفاهيم النفعية والطائفية البغيضة في العقل العربي المضطرب. وهذا بدوره سيفسر حالة التغلغل الاستثماري والاستخباراتي الإسرائيلي في عموم القارة الإفريقية التي توجت أخيراً بزيارة نتنياهو المثمرة إلى دول منابع النيل، من أجل تنمية تلك الدول الافريقية تكنلوجياً وتزويدها بالخبرات العسكرية وبالتالي التحول بالكيان الاسرائيلي المحاصر اقتصادياً من قبل الشعوب الأوربية إلى مركز استشاري لعموم الدول الافريقية، ومنافسة الصين في ذلك الأمر الذي انعكس إيجابياً على الطموحات الإسرائيلية بالسيطرة الفعلية على تجارة الماس بعد أن سحب البساط من تحت أقدام المستثمرين العرب، ودعم مشروع سد النهضة الأثيوبي الذي سيضرب المصالح المصرية في الصميم من باب المحاصصة في مياه النيل، فيما سيحول تلك الدول الإفريقية إلى سوق مفتوح للمنتجات الإسرائيلية وبالتالي تعويض الخسائر الناجمة عن المقاطعة الأوربية الشعبية، ناهيك عن التعامل بذات الرؤية الخبيثة مع إقليم كردستان العراق، في الوقت الذي تلجأ فيه الدول العربية إلى الكيان الإسرائيلي لترتيب الإقليم في إطار الشرق الأوسط الجديد وفق سياسة الأمر الواقع بدمج ذلك الكيان في الاقتصاد العربي من خلال التطبيع التنموي الشامل معه ما نجم عنه جملة من المشاريع الصهيوعربية العملاقة كبيع الغاز المصري إلى ذلك الكيان بأقل الأسعار، والتخطيط لمشروع قناة البحرين بين أطراف اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة المتمثلة بكل من الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية والكيان الإسرائيلي المحتل، ومن ثم استحداث قوانين شرعت لهذا التغلغل كقانون الاستثمار الأردني الأخير الذي أقره البرلمان الأردني في مقايضة مكشوفة بين حصول الحكومة الأردنية على التصويت لصالح هذا القانون مقابل الموافقة الرسمية (كما يبدو) على منح النواب تقاعداً مجزياً (3000 دأ) مدى الحياة. وشكل ذلك الدافع الاستراتيجي لتهيئة إقليم ما بين النهرين لاستقبال النهر الصهيوني ليتحول إلى واقع جيوسياسي دون الإدراك بأنه بذلك سيتبوأ مكانته القيادية للسيطرة على التيار وفق رؤيته التوسعية ومصالحه العليا.. بينما العرب متمسكين بالمعادلة المشوهة القاضية بوجود حليف إقليمي قوي يخلق التوازن الاستراتيجي مع إيران التي تحولت إلى عدو بديل للعرب، مستذكرين في هذا السياق ما صرح به ملك البحرين مؤخراً في “أن الكيان الإسرائيلي يمثل الضامن الحقيقي للأمن العربي” وذلك خلافاً لمنطق الأشياء الذي يقول بأن العدو هو الذي يحتل فلسطين التاريخية ويعربد في المنطقة دون رادع، وهو المحرض على الإرهاب الذي ابتكرته الدوائر الاستخبارية الأمريكية تحت عدة عناوين لعل أهمها حماية الكيان الإسرائيلي الذي جاء ضمن مخرجات الحربين العالميتي الأولى والثانية ليدق كإسفين في قلب الوطن العربي الذي كما يبدو لن تقوم له قائمة في سياق هذا المشهد المتنافر منطقياً، والإرهاب ينخر عظامه.. وتدمر العراق الذي بناه الراحل صدام حسن، وتتكالب الأمم بمصالحها على وحدة سوريا لتفريغها ديمغرافياً وترحيل كفاءاتها المشهودة إلى القارة الأوربية العجوز فينعم الكيان الإسرائيلي بالدعة والأمان في أقليم عربيّ الشكل وتعدديّ الجوهر كما هو مرسوم له.
إنه وضع يثير الدهشة والقلقل ويستحق التوقف عنده طويلاً؛ لاستخلاص العبر. إذ ينبغي على الشرفاء في الوطن العربي إدراك هذه الرؤية ومواجهتها بكل الوسائل المتاحة للعودة ببقية العقل العربي المهجور إلى مربع الطاقة الإيجابية، المتمثلة بالعناصر التي توحد الأمة العربية ومن ثم تنمية الشخصية العربية المستقلة القادرة على تحقيق التنمية الشاملة وتحقيق العدالة الاجتماعية ومواجهة العدو الصهيوني والبحث عن حلول سلمية بين منظومة الدول الإسلامية بتجاوز الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة التي أيقظتها المخابرات الصهيوأمريكية بعد سقوط مشروع صدام حسين النهضوي المتفرد رغم هفواته الكثيرة.