مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو – بقلم : تميم منصور

دراسات …
تميم منصور – فلسطين المحتلة ..
لم توقظ ذكرى المئة لأخطر اتفاقية عرفها العصر الحديث ، وهي اتفاقية سايكس بيكو العرب من حالة اللا وعي الغارقون فيها ، والمؤلم ان تحل هذه الذكرى لنجد العرب أكثر تخلفاً وتفككاً في المجالات السياسية والاجتماعية والحضارية ، مما ارادته الدول التي وقفت وراء هذه الاتفاقية ، خاصة بريطانيا ، لقد تم اصلاح الكثير من الغبن الذي سببه اتفاق الصلح في فرساي عام 1919 ، لكن الغبن الذي نتج عن اتفاقية سايكس بيكو بحق العرب لا زال قائماً ، الجديد في حلول هذه الذكرى ، أن لغة غالبية الأنظمة العربية السياسية لم تعد تكتب في لندن ، فقد انتقلت حروفها ومفرداتها الى واشنطن ، وتقرأ في اروقة وقاعات جامعة الدول العربية ، وفي اكثر من عاصمة عربية واحدة .
تحل هذه الذكرى لتجد مخططات بريطانيا على حالها ، فالنواطير والغفراء الذين أوكلتهم للمحافظة على مصالحها في الشرق الأوسط ، لا زالوا على حالهم ، مهمتهم تنتقل من جيل الى جيل ، ففي السعودية انتقلت من مؤسس مملكة الاجلاف الغلاظ عبد العزيز آل سعود الى أبنائه ، وهم أكثر منه فساداً واخلاصاً ووفاءاً لحماية المصالح الامبريالية والصهيونية ، وفي مصر خرجت ارض الكنانة عن سكة السياسة البريطانية الامريكية حوالي عقدين من الزمن ، زمن الحكم الناصري ، ولكن سرعان ما عادت للسير في التلم الذي شقته بريطانيا والى جانبها امريكا بقيادة السادات ومبارك،وقد  تبعهما عبد الفتاح السيسي باتمام وتكملة مشوار الطاعة ، في الاستمرار والتعصب لمبدأ الاقليمية العربية والمحافظة على المصالح الامبريالية والصهيونية ،لأن السيسي تحدث في آخر تصريحاته ، بأنه يفتخر بمجاورة اسرائيل ، وهي من وجهة نظره جار ملتزم بالعهود والمواثيق .
أما الأنظمة التي فصلتها بريطانيا في الخليج العربي ، فإن هذه الانظمة من أكثر ما عرفه العالم من فساد وانحلال وانتهازية ، ما يوحد كلمتهم هو الفساد والزندقة والفسق والطاعة لإرادة واشنطن وبريطانيا ، لقد تاهوا بين رمال الصحراء وبين شركات البورصة وملاهي اوروبا ومهرجانات سباق الابل والكلاب والماعز والحمير .
انهم بالنسبة للغرب خاصة امريكا وبريطانيا كلاب حراسة ، عندما تم توجيه نباحهم باتجاه ايران ، تضاعف هذا النباح ، وعندما تناولوا طعوم معاداة ايران ومحور المقاومة واليمن ، ازداد سعارهم ، ان خطورة سايكس بيكو وملحقاته من وعد بلفور ، الى سان ريمو وفرساي ، ومؤتمر القاهرة عام 1921 ، ليس بالتقسيم والتجزئة فقط ، فقد زرع في كل بقعة جغرافية اقامها بذور الفتن الطائفية والاثنية والقبلية .
هذه لمحة بسيطة عن خارطة الشرق الأوسط بعد مرور مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو ، أما ظروف عقد هذه الاتفاقية وبنودها البارزة فلا بد من عرضها من باب ” فذكر ان نفعت الذكرى ” بالنسبة للظروف الذي وقعت فيها بتاريخها المحدد 16/5/1916 ، فقد تم التوقيع في خضم الحرب العالمية الأولى ، التي دارت بين دول المحور والحلفاء ، وكانت الدولة العثمانية من دول المحور .
ان دخول الدولة العثمانية الحرب الى جانب المانيا ، زاد من قلق بريطانيا ، لما لهذه الدولة من موقع استراتيجي ، ومما زاد من قلق بريطانيا خشيتها من قيام ثورة للمسلمين في الهند ، خاصة بعد ان اعلن السلطان العثماني الجهاد ضد ما اسماهم الكفار ، هذه الحالة دفعت بريطانيا للعمل على ايجاد حالة من التوازن الديني بين المسلمين ، فلم تجد بريطانيا أفضل من الشريف حسين امير مكة لتولي هذه المهمة ، لأنه يدعى أنه من سلالة الرسول ” صلعم ” .
اعتقدت بريطانيا بأنها اذا كسبت دعم الشريف حسين، فانها تخفف من وقع اعلان الجهاد من قبل السلطات الذي كان يعتبر نفسه خليفة المسلمين ، فالصراع بعدها سوف يحتدم بين الخلافة والسلالة ،بدأت المفاوضات السرية بين بريطانيا وبين الشريف حسين ، وعندما علمت فرنسا بهذه المفاوضات ، خافت على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط ، لأنها كانت تطمع بالسيطرة على سوريا ، بما فيها لواء الاسكندرونه ، وعلى لبنان .
استجابت بريطانيا لمطالب فرنسا وبالاتفاق مع روسيا القيصرية ، بعد الموافقة تم اللقاء بين وزير خارجية بريطانيا ” مارك سايكس ” مع وزير خارجية فرنسا ” جورج بيكو ” في مدينة سان بطرس بيرغ في روسيا ، وقد شارك في هذا اللقاء ايضاً وزير خارجية روسيا – سازروف – وقد اتفقوا على النقاط التالية :
1- تأخذ روسيا منطقة ارمينيا التركية وشمال كردستان حتى البحر الأسود ، وهي منطقة تبلغ مساحتها حوالي 60 الف ميل مربع ، غنية بالفضة والنحاس والملح .
2- تحصل فرنسا على منطقة كيلكيا وأضنة والمنطقة الساحلية لسوريا ولبنان ، الواقعة غربي دمشق وحمص وحماة وحلب .
3- تأخذ بريطانيا سهل العراق الأسفل والكويت ومنطقة خليج عكا وحيفا في فلسطين ,
4- تقوم بين منطقتي الحكم الفرنسية والانجليزية دولة أو دولاً عربية أو تقسم الى منطقتي نفوذ فرنسية ، وتدعى المنطقة ” أ ” وتضم دمشق وحمص وحلب والموصل ، والجنوبية منطقة نفوذ انجليزية وتدعى المنطقة ” ب ” وتمتد من عمان والعقبة غرباً حتى ايران والخليج الفارسي شرقاً
5- تعلن الاسكندرونه ميناءً حراً .
6- تنشأ ادارة دولية في فلسطين يتم تحديد شكلها بعد التشاور مع كافة الحلفاء ، في حين تسيطر بريطانيا على مينائي عكا وحيفا .
لقد تم تعديل هذه الاتفاقية ثلاث مرات ، الأولى عندما قامت بريطانيا بإعطاء الحركة الصهيونية وعد بلفور في فلسطين وجزء من شرق الأردن ، وفي المرة الثانية تم تعديلها عام 1920 حينما تم التوقيع على اتفاقية سان ريمو بين بريطانيا وفرنسا ، ففي هذه الاتفاقية أصبح كل من العراق وشرق الاردن وفلسطين تحت الوصاية البريطانية – الانتداب – وخضعت كل من سوريا ولبنان للانتداب الفرنسي ، بما فيها لواء الاسكندرونه ، واعترف بالشريف حسين  ملكاً على الحجاز ، وفي سنة 1921 قامت بريطانيا بتعيين فيصل بن الشريف حسين ملكاً صورياً على العراق ، وتم تعيين شقيقه عبد الله أميراً صورياً على شرق الاردن .
لقد غيرت اتفاقية سايكس بيكو وما تلاها من اتفاقيات ومؤتمرات خارطة الشرق الأوسط ، فقد كان الشرق الأوسط العربي قبل ان تعرف هذه الاتفاقية ، عبارة عن وحدة جغرافية وسياسية واحدة ، فلم تكن هناك حدود او اشارات دخول بين سوريا ولبنان مع الاردن والعراق وفلسطين ، لكن بسبب هذه الاتفاقية انشأت كيانات سياسية لم تكن من قبل ، جميعها كانت مرتبطة مع بريطانيا وفرنسا ، ولا تزال هذه الكيانات قائمة حتى اليوم .
اليوم لم تكتف الامبريالية والصهيونية بهذه التجزئة والتقسيم ، فهي تسعى منذ خمس سنوات لتقسيم ما قسمته  سابقاً وخلق واقامة  كيانات جديدة على اسس طائفية واثنية ضيقة ، اكراد تركمان ، ايزيديين ، علويين ، دروز ، شيعة ، سنة ، آراميون .. الخ
المؤامرة التي تهدد العرب الآن  دولاً وشعوباً لا تقل في خطورتها عن المؤامرة والتقسيمات السابقة ، لأن الجغرافية العربية لم تعد هي المهددة وحدها . هناك استهداف للعقل والوعي القومي العربي .