منوعات ….
بقلم : د. ناجي شراب – فلسطين المحتلة ….
يوصف النظام السياسى ألأمريكى بأنه نظام مفتوح، أو بعبارة أخرى كما يقال من الكوخ إلى البيت الأبيض دلاللة على إمكانية الوصول إلى البيت الأبيض ، وأن يصبح أى مواطن أمريكى رئيسا للولايات المتحدة، هذا التوصيف فيه قدر من التبسيط ، لكنه يحمل أيضا قدرا من الحقيقة بدليل وصول مرشحين عاديين للبيت ألأبيض. النظام السياسى ألأمريكى وهذا ما يميزه الدور الذى يلعبه المال فى الإنتخابات ألأمريكية ، والصوت الذى تتحكم فيه قوى الضغط أو اللوبيات وخصوصا اللوبى الصهيونى، ولا يمكن إغفال ايضا ميكانيزمات النظام السياسى ألأمريكى ، وآلية الوصول للرئاسة.دستوريا لا تحسم ألأصوات او ألإنتخابات العامة الفائز فى الإنتخابات ، فالنتيجة النهائية تقررها وتحسمها نهائيا ما يسمى بالكلية الإنتخابية ، وحصول أحد المرشحين على اقل تقدير نصف عدد أصواتها ، والتى هى مجموع نصيب كل ولاية فى مجلسى الكونجرس الأمريكى ، وعددها الإجمالى حوالى 634، كل ولاية فى الشيوخ لها صوتان ايا كان حجمها وعدد سكانها ،أما فى النواب فكل ولاية لها ما يناسب عدد سكانها ، وهو ما يعطى وزنا للولايات الكبيرة ، وهى الولايات التى دائما عيون المرشحين للرئاسة تتطلع لها ، وهو ما يعطى ايضا وزنا وتأثيرا للجاليات التى تتمركز فيها كالجالية اليهودية ، وهو ما يعطى للمال فى هذه الولايات دورا أكبر. وما يحدد مصيراى مرشح أيضا التركيبة الحزبية الثنائية المسيطرة ، ويتراوح منصب الرئاسة بين الحزبين الديموقراطى والجمهورى ، وجرت القاعدة السياسية ان لايحكم أيا من الحزبين أكثر من ولايتين متتاليتين، وغالبا بنفس الرئيس إلا فى حالات إستثنائية . ففى النهاية هى إنتخابات حزبية ،تتحول لإنتخابات شخصانية تتحكم فيها شخصية المرشح ، وحضوره وكارزميته. فى كل هذه التركيبة يلعب المال دورا مهما وحاسما فى الإنتخابات سواء على مستوى الرئاسة أو الكونجرس.وتنفق فيها مئات الملايين من الدولارات ، ومصدرها مؤيدوا كل حزب، وحيث ان الإقتصاد ألأمريكى تتحكم فيه الشركات الكبرى والتى يعنيها من يكون الرئيس الأمريكى ، وما هى سياساته الإقتصادية والضريبية ، فتتحكم هذه الشركات بالمال ، ومن ثم تؤثر مباشرة فى فرص نجاح اى مرشح، ولذلك يقال دائما المال لبن السياسة ألأمريكية . والمرشحونا وإن كانوا من الأثرياء ، لكنهم لا يستطيعون الإنفاق على هذه الإنتخابات، وأحد الصعوبات الكبيرة التى تميز هذه الإنتخابات ، وتجعل للمال دورا مهما، انها تجرى على مرحلتين،ألأولى على مستوى التنافس الحزبى ، وحيث ان الولايات المتحدة دولة قارية ممتده ، وتتكون من خمسين ولاية متباعدة ما بين الشمال والجنوب والغرب والشرق، فيحتاح المرشح فى هذه المرحلة أن يجوب هذه الولايات ليحصل على أعلى نسبة تصويت على مستوى حزبه تؤهله لنيل ترشيح الحزب، وهى مرحلة تأخذ أشهر عدة ، واما المرحلة الثانية وهى ألأصعب المنافسة بين المرشحين عن الحزبين على مستوى الولايات كلها ، وتحتاج إلى جهد ومال وصوت تصل ذروته فى اليوم النهائى للإنتخابات فى نوفمبر القادم. هذه العملية تحتاج إلى مال وفير لتغطية الحملة الإنتخالبية التى يشارك فيها العديد من المنظمين والمخططيين، والإعلاميين. وعلى الرغم من أهمية المال فى كل الإنتخابات ألأمريكية هناك رأى يرى عكس ذلك، ويقلل من دور المال مسترشدا بالتنافس بين مرشحى الحزب الجمهورى جيب بوش الذى جمعت لجان التضامن السياسى له حوالى مائة مليون دولارر ، وجاء فى أسفل قائمة مرشحى الحزب، فى حين رونالد ترامب وهو ملياردير أمريكى ويستطيع ان ينفق على هذه الإنتخابات، لكنه لم ينفق إلا القليل، وهو ألأن ألأقرب أن يكون مرشح الحزب الجمهورى ألأقوى.ومما يزيد من دور المال طبيعة ألنظام ألإنتخابى الأمريكى ن فالنظام الإنتخابى فى أمريكا نظام مفتوح بمعنى كل يوم هناك إنتخابات فمعظم المناصب على المستوى الفيدرالى والولايات تأتى عبر الإنتخابات ـ الرئاسة و الكونجرس بمجلسيه، وعلى مستوى الولايات حاكم الولايات والسلطات التشريعية فى الولايات، وهناك العديد من المناصب القضائية تأتى أيضا عبر الإنتخابات. هذا النظم يجعل للمال دورا محوريا. وقد يعتقد البعض خطا ان المال هو الذى يشترى الصوت الإنتخابى ،كما هو الحال فى دولنا الصوت يشترى بحفنة من المال او ما يسمى بالكوبونة ، هذا غير قائم فى الولايات المتحدة ، فالمال يخضع للرقابة ، وهناك حدود على الإنفاق، حتى تتحق المساوا بين المرشحين، لكن للمال أبعادا اخرى مهمة فى السياسة ألأمريكية ، وخصوصا على مستوى الكونجرس ، وهو المنوط به إصدار القوانين والتشريعات التى تحدد الضرائب، والتعاقدات الحكومية ، والإنفاق، وهذه القوانين هى التى تعنى أصحاب المال فى الولايات المتحدة ، وهى التى تحدد لمن يذهب الصوت للمرشح الجمهورى او الديموقراطى. والمال وظيفته بعيدة عن شراء الصوت ،الذى تحكمه عوامل كثيرة مثل الإنتماء الحزبى، والدين، واللوبيات ، والعرق ، والإنتماء الإثنى ، وشخصية المرشح وبرنامجه السياسى، فقد ينفق مرشحا اموالا كثيرة ويفشل، فالمرشح أشبه بالمنتج الجيد والمنتج السئ، فليس اى مرشح يمكنه ان يكمل المشوار الإنتخابى لوكان منتجا سيئا، وحتى لو انفق اموالا كثيرة. والمثال الذى يطرح هنا ما أنفقته ميج ويتمان على الوصول لمنصب حاكم ولاية كاليفورنيا ، أنفقت حوالى 140 مليون دولار. ولم تنجح. ولكن المال يبقى له دوره الحاسم فى الفوز فى المناصب السياسية وخصوصا الرئاسة والكونجرس؟ وتلعب هنا ألأسر الغنية ، وألأثريا دورا حاسما بما تقدمه من تبرعات للمرشحين، ولا شك أن هؤلاء المتبرعين يتدخلون فى التشريعات المنظمة للضرائب والإنفاق ، ولو بكلمة واحدة تضمن إستثماراتهم ونفوذهم،وهذا ما يعطى للسلطة التشريعية على مستوى الولايات المتحدة ومستوى الولايات أهمية خاصة فى أى إنتخابات أكثر من الإنتخابات الرئاسية ، وهذا ما يفسر لنا لماذا القضايا الداخلية هى التى تحسم نتائج الإنتخابات، وهذا قد ينطبق على الإنتخابات الحالية التى تطغى فيها القضايا الداخلية على البرامج الإنتخابية. ويبقى المال ومن يملك المال فى الولايات المتحدة من يحسم نتائج الإنتخابات على كل مستوياتها الفيدرالية والولايات. وهنا يلعب المال اليهودى وهو الأكثر وألأقوى والصوت اليهودى المتمركز فى الولايات الكبيرة دورا حاسما فى الوصول للرئاسة والكونجرس، وليس مستغربا هذا التبارى بين المرشحين لتأييد إسرائيل، ويبقى المال العربى غائبا، وصوت الجاليات العربية وألإسلامية مشتتا.
دكتور ناجى صادق شراب.
drnagish@gmail.com