رهانات على مستقبل أوروبا!

سياسة واخبار …
بقلم : بكر السباتين ….
اليمين الفرنسي يفوز بالانتخابات المحلية.. فهل تطرق (مارلين لوبان) أبواب الرئاسة!
اليمين الأوروبي يزحف باتجاه القيادة لترتيب البيت على قاعدة الرفض للآخر ودمغه بالإرهاب من منطلق التمييز العرقي.. وهذا يعني ارتهان الأعراق الأخرى المجنسة أوروبياً لمستقبل ضبابي مرهون بسطوة العنصرية اليمينية التي لا شك ستشكل البيئة الأنسب لاشتعال ظاهرة الإرهاب مقابل إرهاب الدولة..
وينبغي أن ندرك بأن اليمين المتطرف هو مصطلح سياسي يطلق على التيارات والأحزاب السياسية لوصف موقعها ضمن محيطها السياسي ويطلق المراقبون السياسيون هذا المصطلح على الكتل الأحزاب السياسية التي لا يمكن اعتبارها من ضمن جماعات اليمين السياسية التقليدية التي تدعو إلى حماية التقاليد والأعراف داخل المجتمع ويكمن الاختلاف الوحيد بين جماعات اليمين التقليدية أو المعتدلة وبين المتطرفة أن الأخيرة تدعو إلى التدخل ألقسري واستخدام العنف واستعمال السلاح لفرض التقاليد والقيم ولذلك عادة ما ترفض تلك التيارات هذا النعت لأنها تزعم أنها تمثل الاتجاه العام وتنقل صوت الأغلبية.
إن ظاهرة تقدم اليمين المتطرف إلى منطقة القرار في الدول الأوروبية يثير القلق على مستوى القارة العجوز.. ولعل ما جرى مؤخراً في فرنسا يؤكد هذه المخاوف، بفوز اليمين الفرنسي في الانتخابات المحلية التي شهدتها فرنسا يوم الأحد السادس من ديسمبر ٢٠١٥ ، حيث أشار موقع ” 20 مينيت” الفرنسي، أن حزب (مارين لوبان) قد استولى على حوالي 28? من الأصوات، متقدما على الجمهوري الذي حقق (27%) والحزب الاشتراكي الحاكم الذي وصلت نسبة أصواته إلى (23.5%)، وفقا لأحدث الجداول التي لا تزال غير مكتملة من وزارة الداخلية الفرنسية، ففي هذا السياق وصفت صحيفة “أويست فرانس” نجاح الزعيمة اليمينية (مارين لو بان) قائلة: ” نتيجة نجاحها تاريخية وتعدت كل التوقعات”
حيث أثار فوز حزب الجبهة الوطنية ل(مارلين لو بان)، على بقية الأحزاب الكثير من الجدل، ونال اهتمام الصحف الفرنسية، وخاصة لفوزه على الحزب الإشتراكى الحاكم برئاسة الرئيس الفرنسى (فرنسوا هولاند).
وخاصة الشعور بالصدمة التي عبرت عنه افتتاحيات بعض الصحف الفرنسية في اليوم التالي من نتائج الانتخابات الصادمة، على نحو ما فعلته صحيفة (لو فيجارو) الفرنسية التي وضعت صورة (مارين لو بان)، مرفقة بعنوان “الصدمة”، وكذلك صحيفة (ليمانيتيه) التي اختارت نفس العنوان، بينما تساءلت صحيفة (لو باريزيان) على صفحتها الأولى: “الجبهة الوطنية على أبواب السلطة؟ “.
لقد استغل اليمين الفرنسي ممثلا بحزب الجبهة الوطنية، ردة الفعل الشعبية إزاء الكارثة الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا مؤخراً؛ ما أدى إلى توجيه صفعة قاسية لسياسة الانفتاح القائمة في البلاد، والتي يتهمها اليمين المتطرف بأنها أغرقت البلاد بالمهاجرين، على خلفية الأزمات الشرق أوسطية المحتضنة للجماعات الإرهابية “الإسلامية” مثل داعش، وخاصة أن وقوف الأخيرة وراء الحوادث الإرهابية في فرنسا قد سوق الخطاب اليميني العنصري بين فئات الشعب الفرنسي، متجاهلا حقوق المسلمين الذين يشكلون إضافة إلى الأعراق الملونة الأخرى ما نسبته العشرة بالمائة.. وجلهم كانوا قد قدموا من المغرب العربي في عهد شارل ديغول بعد جلاء الاستعمار الفرنسي من هناك.. وهم يشكلون جزءاً حيويا في عجلة التنمية الفرنسية المستدامة؛ ما سيشكل عقبة كأداء في طريق حزب الجبهة الوطنية الطامح إلى الرئاسة، وقد وضع نصب عينيه التضييق على الإسلام كمصدر للإرهاب، وطرد المهاجرين الجدد وغلق الحدود في وجه ظاهرة اللجوء السياسي والمنع الحقيقي للهجرة غير الشرعية وفق سياسة أوروبية موحدة على المستويين الأمني والقانوني.
هذا السلوك اليميني من شأنه تأجيج الأقليات العرقية ومنهم العرب من ذوي الأصول المغربية الذين يشكلون نسبة لا يستهان بها في مدن الجنوب الفرنسي. الأمر الذي سيضع فرنسا في أزمة خانقة مع الذات، يتصارع فيها الخطاب اليميني العنصري مع مبادئ الدولة الديمقراطية القائمة على القبول بالآخر، واحترام حقوق الإنسان، ورفع شعار “فرنسا بكل أعراقها وطوائفها للجميع إزاء مقاومة الإرهاب”، بذلك سيسحب البساط من تحت اليمين الفرنسي لصالح دولة فرنسية مستقرة داخليا، وذات علاقات متوازنة مع دول العالم وخاصة الإسلامي الذي يشكل بالنسبة للاقتصاد الفرنسي سوقا استراتيجيا لا غنى عنه.. هذا كله مرهون بالموجة الجماهيرية الفرنسية التي أفقدها الإرهاب بوصلتها، لتضع اليمين العنصري أمام احتمالات فوزه بالرئاسة الفرنسية، وغلق النوافذ الفرنسية في عالم منفتح الأبواب.. وهذا بدوره سيشجع الدول الأوروبية للاقتداء بفرنسا.. وهنا ستكون الطامة الكبرى.. حينما تكبل القارة العجوز نفسها بالقيود..