هِيَّ دي مصر.. يا “هَبْلَة”

اراء حرة (:)
بقلم: محمد هجرس – مصر (:)
لم يكن المخترع الصغير مصطفى الصاوي، ابن الدقهلية، وطالب الصف الثاني الثانوي، إلا حالة صارخة، لمأساة “كيف تأكل القطة أبناءها” في برِّ المحروسة، عكس بقية دول العالم.
مصطفى، الذي أهملته بلده مصر، نموذج صارخ على أنه “لا كرامة لنبيّ في وطنه”، فاستقطبته الشقيقة “الإمارات” ومنحته جنسيتها وشارك باسمها في المعرض الثامن للمخترعين في الشرق الأوسط، وحصد الميدالية الذهبية مع مرتبة الشرف، نظير اختراعه الكبير “السد الذكي” الذي يوفر إنتاجا أكبر للطاقة الكهربائية من خلال دمج ثلاث طاقات متجددة، وتعاقدت معه شركات إماراتية لتبني وتنفيذ اختراعه على الفور.
مصطفى الذي شكا الإهمال لن يكون الأخير، في ظل نزيف كفاءات لا يُصدّق، في بلدٍ يبدو أنه ـ بحكم سياسة “الطناش” والإهمال وربما التجاهل المتعمد ـ يفضل تربية “العجول” على استثمار “العقول”، في مرحلة هي الأخطر في تاريخ وطن يسعى لحشد كل أبنائه والاستفادة منهم بالشكل الجيد.
ولأننا ـ بصراحة ـ لا نزال في مستنقع “الاستهبال”، لا أعرف كيف يكون الإهمال في وزارات بأكملها، ومؤسسات تتعمّد الأخذ بالمثل “الغريب سرّه باتع” مع أن القاعدة النفعية تقول إن “جحا أولى بلحم ثوره”، ولأنه بات واضحاً أن لا “جحا” هناك، وأن “الثور” فعلاً هو يستمر في البقاء في مناخ كهذا، وربما هذا سر بحث الكثيرين ممن أنفقت عليهم الدولة وأهلهم عن فرصة عمل ولو “مرمطون” في أي مطبخ خارج مصر.
هل يصدق أحد، أن شخصية كبيرة، وخلوقة برتبة رفيعة، تحمل الدكتوراه في الإرهاب، ومتخصصة في هذا المجال ويعلم دهاليز وسراديب هذا المستنقع الذي تعاني منه مصر الآن، خاصة في سيناء، خارج حسابات أي مسؤول، يهمّه مصلحة البلد، ويظل “مركونا” في وظيفة إدارية، ولولا بريق أمل لديه في إمكان الإصلاح، لترك البلد استجابة لإغراءات كبيرة من دول عربية، ستكون بالتأكيد أفضل بالنسبة له، مادياً ومعنوياً، ولكن وطنيته تجعله يرفض كل العروض، وينتظر أن يستمع له أحد.
عندما أسمع تحليلاته للعديد من الأوضاع السياسية والأمنية، وحلوله للمشاكل التي نعايشها.. أتعجب من هذا التفريط المذهل في كفاءات وقدرات هائلة، صحيح أنه يفضل الصمت والانزواء، ويرفض كل محاولات الأضواء، ولكن من حقه أن يتساءل السؤال الموجع: لماذا يظل هو “مركوناً” فيما غيره من “المحاسيب” وعديمي الخبرة والتواصل، يقفزون للأمام لمجرد أن “دمه تقيل” على بعض النافذين والمسؤولين..!
في لقاء قصير معه، ورغم كل أزماته، إلا أنه يبدو أكثر تفاؤلاً، أكد لي إنه لن ييأس، وسيظل ينفخ في “القربة”، حتى لو كانت “مخرومة”.. كان يضحك بمرارة وهو يربت على كتفي بابتسامة عريضة ويقول :”هذا وطني.. وهذه رسالتي، وعلينا جميعاً أن نتحمل”..
وبينما كان صوت أم كلثوم يأتي من بعيد :”إنما للصبر حدود” ضحك أكثر وقال لي :”انت عارف حكمة جحا”.. وقبل أن أجيب أضاف في تورية مقصودة : “إما أن يموت الملك.. أو يموت الحمار”.!
ـــــــــ
كاتب وصحفي مصري