دراسات (:)
د. غازي حسين – فلسطين المحتلة (:)
كانت بلدان منطقة الشرق الأوسط بعد حرب السويس العدوانية التي بدأتها «إسرائيل» بالاشتراك مع بريطانيا وفرنسا على الشقيقة مصر وبشكل خاص سورية ومصر والعراق تنعم بالسلام والهدوء والاستقرار والتنمية والتطور وبناء نهضة اقتصادية وعلمية وصحية إلى أنْ جاءت حرب الخامس من حزيران عام 1967 تلبية لطلب المملكة السعودية للتخفيف من الضغط العسكري المصري عنها في اليمن وتحقيقاً للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، وبالتحديد في باب المندب ومضيق تيران والبحر الأحمر وقناة السويس، ومنع تحقيق الوحدة العربية والقضاء على الأنظمة الوطنية والقومية.
وكان سلطان بن عبد العزيز قد تعهد لبريطانيا عام 1935 في وثيقة بخط يده «بإعطاء فلسطين للمساكين اليهود لقاء حماية العرش السعودي من شعبه العربي».
وكشف جون فيلبي، الجاسوس البريطاني في مذكراته «أن تشرشل قال لحاييم وايزمن زعيم المنظمة الصهيونية العالمية» أريد أن أرى ابن سعود سيداً على الشرق الأوسط، وكبير كبراء هذا الشرق على أن يتفق معكم أولاً، ومن ثم عليكم أن تأخذوا ما تريدون أخذه.
تعود العلاقات بين آل سعود وبريطانيا إلى زمن أقدم من ذلك بكثير، وذلك عندما طلب بن سعود في رسالة بعث بها إلى بيرسي كوكس، المقيم البريطاني في الخليج بتاريخ 13 حزيران 1913، أشار فيها إلى معاهدة الصداقة التي تعود إلى جده فيصل بن تركي ومضى عليها خمسة وخمسون عاماً وتبقَّى منها خمسة وخمسون عاماً، وأعرب فيها ابن سعود أنه يرغب في إقامة العلاقة ذاتها، وأن تكون علاقته ببريطانيا كتلك التي كانت بين أجداده وبريطانيا.
وأرسل ابن سعود رسالة إلى بريطانيا في كانون الأول 1914 بعد أن أعلنت الإمبراطورية العثمانية الجهاد على بريطانيا، وكانت بريطانيا بأمس الحاجة إلى العرب، أكد فيها أن البريطانيين أفضل الناس ونأمل كل خير منكم. وطالب بالحماية البريطانية وعقد معاهدة بهذا الخصوص مع بريطانيا. ووافقت بريطانيا على طلبه.
وجاء في رسالته المؤرخة في الأول من كانون الثاني 1915 رداً على رسائل بيرس كوكس ما يلي: «حمدت الله على سلامتكم وسررت بنجاحكم، وكذلك سررت عندما قرأت ما كتبتموه حول نجاحكم في القرنة بالعراق، وليس لدينا شك بأنكم أعدل الناس، وأكثرهم تقديراً لحقوقنا وحقوق الناس المحترمين، والآن وقد تسلمنا أمركم، وإننا مقتنعون بأن مصلحتنا وشرفنا يتوقفان على إطاعة أوامركم».
وحث ابن سعود شيوخ العرب وأمرائهم بالوقوف مع بريطانيا ضد الدولة العثمانية، وتقدم بطلب مساعدات عسكرية ومالية عاجلة من بريطانيا لقتال قبيلة العجمان القوية، وانتهت المفاوضات التي استمرت مدة عام بين ابن سعود والسير بيرسي كوكس عن بريطانيا، وبموجبها بدأ تفكيك الخلافة الإسلامية. واعترف البريطانيون بنجد والإحساء مُلكاً لابن سعود، وعدم دخول الأخير في علاقة مع أي قوة خارجية، وبعدم التنازل أو التخلي عن أي أرض دون الموافقة البريطانية، وبإتباع نصائح بريطانيا وعدم الإضرار بمصالحها وعدم الاعتداء على إمارات شرق الجزيرة العربية المرتبطة أيضاً باتفاقيات الحماية مع بريطانيا.
وصمتت السعودية عندما غزت إسرائيل عام 1982 لبنان واحتلت بيروت لتركيع منظمة التحرير الفلسطينية، وتقدم الأمير فهد بطلب رسمي بناءً على توجيهات الملك فيصل إلى الرئيس الأمريكي جونسون بفتح جبهة على مصر في قطاع غزة أو في سورية لإشغال الرئيس جمال عبد الناصر فيها أو لإسقاطه، مما قاد إلى إشعال حرب حزيران عام 1967. وطرح في قمة فاس عام 1982 مشروعه الذي وافقت عليه القمة. وأصبح يعرف باسم «مشروع السلام العربي» واعترف ضمناً في بنده الخامس بإسرائيل، وتخلى عن الخيار العسكري في الصراع العربي ــــ الصهيوني، وتالياً تنازل عن تحرير القدس وبقية الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة.
وتبنى ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بعد تفجيرات 11 أيلول عام 2001 في نيويورك مبادرة لتصفية قضية فلسطين طرحها عليه الصحفي الأمريكي اليهودي توماس فريدمان، لإسكات وإرضاء اليهودية العالمية التي شنت حرباً شعواء على السعودية وطالبت بتفتيتها بفصل المنطقة الشرقية الغنية بالنفط عنها بسبب اتهام إدارة مجرم الحرب بوش 16 سعودياً من 19 بتفجير البرجين في الولايات المتحدة.
وأدخل عليها الأمير عبد الله تعديلات طفيفة. وطرحتها المملكة السعودية على قمة بيروت العربية عام 2002.
وأدخلت عليها القمة تعديلات لفظية لم تغيِّر شيئاً من جوهرها الذي يتضمن تصفية حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وإنهاء الصراع العربي ـ الصهيوني وتصفية قضية فلسطين، وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال تفتيت البلدان العربية والإسلامية وإعادة تركيبها بإقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد.
وأصبحت تعرف بمبادرة السلام العربية، وانطلقت الطائرات والدبابات والسفن الحربية الأمريكية لتدمير العراق في آذار 2003 من الأراضي والمياه السعودية والقطرية والإماراتية والكويتية، وتُسخّر هذه الدول الجامعة العربية لإنهاء الصراع العربي الصهيوني.
وصرح الجنرال فارنون والترز نائب المدير العام للمخابرات المركزية أن السعودية تموّل العمليات القذرة للمخابرات الأمريكية التي يرفض الكونغرس الأمريكي تمويلها. وضرب الجنرال الأمريكي مثلاً على ذلك دفع المملكة السعودية (300) مليون دولار للإطاحة بنظام الحكم التقدمي الذي كان يقوده نورييجا في نيكاراغوا.
ووقفت السعودية علناً ضد المقاومة اللبنانية في حرب تموز عام 2006 وحمّلت حزب الله كذباً وبهتاناً مسؤولية إشعال العدو الإسرائيلي للحرب وكان أولمرت رئيس وزراء العدو الإسرائيلي قد أعلن إبان الحرب أن بعض الدول العربية كانت تطلب منه تدمير المقاومة اللبنانية وحزب الله، وهي المملكة السعودية ورئيس نظام كمب ديفيد في القاهرة، الطاغية المخلوع حسني مبارك.
وتطورت العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وأصبحت إسرائيل إحدى الدول التي تتعامل معها المملكة السعودية، وقطر والإمارات العربية والأردن لمواجهة المقاومة الفلسطينية واللبنانية وتدمير سورية لتصفية قضية فلسطين، وتعمل على بث الفتنة بين السنة والشيعة لتفتيت البلدان العربية والإسلامية وترسيخ الهيمنة الأمريكية والصهيونية على المنطقة، وإنجاح المخططات الأمريكية لتخليد الوجود الإسرائيلي في فلسطين والقضاء على الوحدة العربية.
وتعتبر السعودية نفسها بدولارات النفط المسمومة زعيمة البلدان العربية والإسلامية، وتقود ما ابتكرته إدارة الرئيس الأمريكي بوش قطار «الاعتدال العربي». ولعبت دوراً هاماً في عرقلة تحقيق الوحدة العربية وتغيير الأنظمة الوطنية والقومية ودعم المجموعات التكفيرية ومنها الوهابية والقاعدة والنصرة والمجموعات الأخرى التي تنشر الخراب والدمار والذبح وإضعاف الجيوش العربية الكبيرة في سورية ومصر والعراق، وبلورة إسلام أمريكي، وتأسيس مؤسسات دائمة للحوار بين الإسلام واليهودية، وتغيير الإسلام الأصيل بما يتلاءم مع مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ومعاداة إيران، وقيادة محور سني من السعودية وقطر وتركيا وحماس لتهويد فلسطين، وذلك لحماية العرش السعودي والمحافظة عليه وعلى القواعد الأمريكية فيه والهيمنة عليه وعلى نفطه وأمواله وأسواقه وجيشه ومخابراته.
وتعمل المملكة السعودية على تأجيج الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية وإرسال المجموعات التكفيرية المسلحة لتدمير سورية والعراق، واستبدال العدو الإسرائيلي بعدو مزعوم وهو إيران، ولإنشاء جبهة سنية تديرها لخدمة مصالحها والمصالح الأمريكية والإسرائيلية من دول الخليج والأردن وجماعة 14 آذار في لبنان. وتتعاون مع إسرائيل للقضاء على المقاومة الفلسطينية المسلحة وتدمير الجيش العربي السوري والدولة السورية وكسر إرادتها الوطنية. وتتقدم الدولتان أي السعودية وإسرائيل على طريق التنسيق والشراكة الأمنية والعسكرية لإنهاء أي خطر على إسرائيل يمكن أن تشكله القوات العسكرية السورية والمصرية والعراقية لعقود قادمة، وضغطتا على إدارة الرئيس أوباما للقيام بحرب أمريكية على سورية، واستعدَّت السعودية لدفع فاتورة الحرب مهما طلبت الولايات المتحدة الأمريكية.
وباركت مساعي تركيا وقطر بين حماس وإسرائيل للتوصل إلى هدنة لعقد من الزمن أو أكثر بحيث تلتزم حماس بمنع العمليات العسكرية، مقابل فك الحصار عن غزة وفتح المعابر. وتقوم السعودية بتمويل ميناء في غزة تنفذه شركات تركية لاستكمال بناء حلف طائفي لمواجهة حركات المقاومة والتيارات الوطنية والقومية واليسارية والإسلام المقاوم، وقيادة حماس جاهزة لأن تكون جزءاً لا يتجزأ من هذا المحور السني الذي سيقود إلى تفجير المنطقة وتدمير منجزاتها وسلب ثرواتها وسفك دماء شعوبها، حفاظاً على مملكة آل سعود من شعبها وأمتها.
ويسعى الحلف السعودي ـ القطري ـ الإسرائيلي حالياً إلى تدمير سورية والعراق ومصر وتغيير موقع هذه الدول من الموقع الوطني إلى الموقع الصهيو أمريكي لإنهاء الصراع وقيادة السعودية لجامعة الدول العربية التي ساهمت بحمل الناتو على تدمير ليبيا، وأمريكا على تدمير العراق وإرسال المجموعات التكفيرية لتدمير سورية.
هذا جزء يسير (قليل) من التاريخ المكشوف لتآمر السعودية على فلسطين وسورية ولبنان ومصر والعراق وليبيا خدمة للمصالح الأمريكية والصهيونية، حيث أدى بيع آل سعود فلسطين لليهود إلى إقامة مملكتهم وحمايتها من شعبها.
ووجهت السعودية وقطر وتركيا ما يسمى بالجهاد إلى سورية والعراق لقتل العرب من مسلمين ومسيحيين وزيادة سفك الدم السوري وتدمير منجزات الدولة السورية ومحاولة تغيير إرادتها وسيادتها الوطنية لتتمكن السعودية من قيادة النظام العربي وجامعة الدول العربية لبيع فلسطين لليهود وتهويد مدينة الإسراء والمعراج، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى لقاء اقامة المملكة و حمايتها.