اراء حرة (:)
بقلم : د . ناجي شراب – فلسطين المحتلة (:)
إلتقيت بالرئيس عرفات مرة واحدة يتيمه، وكان هذا اللقاء فى مدينة خانيونس، فى مديرية الشرطة بحضور الشهيد ابو حميد، وعدد من أعضاء المجلس البلدى ، برئاسة رئيسها يومها الدكتور أسامة الفرا. هذه المرة ألأولى التى أقابل فيها الرئيس وجها لوجه وعن قرب لا يزيد عن مترين ، وطوال اللقاء كنت أتامل هذا الرجل ، ملامحه ، قسمات وجهه، لأنه فى هذا اللقاء لم يتكلم كثيرا ، وكان يستمع، قرأت شخصيته، والتى تعرفت عليها بقراءة وتحليل تصريحاته وخطاباته السياسية قبل ذلك. لكن اللقاء الشخصى مختلف تماما، وجدت نفسى امام شخصية مؤثرة ، لها حضور غريب، يفرض نفسه حتى لو لم يتكلم، قد تكون خصائصه الجسمانية ، فهو ليس ضخما ، وصاحب عضلات قوية ، وكان دائم الترتيب لكوفيته، وكأنه بهذه الحركة يعيد ترتيب أفكاره بالنسبة للقضية الفلسطينية ، وفى هذا اللقاء الذى كان لى لفتة قدمتها يومها بإسم البلدية ، وكانت عبارة عن مسبحة يسر إشتريتها من السعودية ، وقمت وقدمتها هدية له، وأتمنى ان تكون هذا الهدية البسيطة من بين المقتنيات التى جمعت ، وتعرض فى متحفه، وانا لى حق شخصى فيها ، لحظتها صافحته للمرة ألأولى ، ووقعت عيناى على عينية الصغيرتين، الممتلئتين ضياءا ونورا، وزادت قراءتى لهذه الشخصية ، وتفهمها اكثر. ولفت نظرى فى هذا اللقاء السريع بعض الملاحظات السريعة ايضا ، والتى أستحضرها اليوم فى ذكراه، الملاحظة ألولى: اللباس الكاكى الذى لم يغادره ، وهو دليل ليس فقط على التقشفت ولكن دليل على أن هذا الصراع لا يمكن أن يحل إلا بالقوة ، ومفهومه للقوة القوة الشاملة ، ليست العسكرية فقط، بل السلام بالنسبة له ايضا بعنى القوة. والدلالة الثانية لهذا اللباس الصلابة فى الرأى والثبات على المصالح الوطنية الفلسطينية ، فهو فى هذه النقطة كان عنيدا صلبا قويا، والدلالة الأخرى لهذا اللباس وقد تكون مغايرة أيضا عن إيمانه بالقوة العسكرية ، لكنه كان قويا فى قوة قضيته، وهذا ما لحظته من بعض الكلمات القليلة التى نطق بها، واهم الدلالات قربه من ابناء شعبه، فهو ليس رئيسا فقط ، بل قائدا، وجنديا ، وعاملا ، فهو بشخيصته جسد كل الشخصية الفلسطينية ، فكنت تجد الطفولة فيه ، وتجد المرأة ، وتجد المواطن العادى ، وتجد كل مكونات الشخصية الفلسطينية ، ولحظتها عرفت سر قوة هذه الشخصية. أما ألأمر الآخر الذى شدنى له صغر عينيه ، ولمعانهما، وعرفت ان جمال العيون لا يقاس بلونها،أو بكبر حجمها ، وحوريتهما، ولكن بهذا اللمعان الذى يضئ الحاضر ، وينير المستقبل، وأكتشفت من خلالهما رؤيته الشمولية للقضية ، وهذا احد اهم أبرز مكونات قوة القيادة ، ان تكون لديها الرؤية ، واعتقد جازما هذا ما أقلق إسرائيل والولايات المتحدة والخصوم منه، انه صاحب رؤية شاملة ، ويعرف اهدافه ، ويعرف آلياته ووسائله، التى توصل لهذه الأهداف، وهذا ساعده على فهم شمولية الصراع مع إسرائيل، والأمر الثالث الكوفية التى كان يعنى تمسكه بها تمسكه بالشخصية الوطنية الفلسطينية ، وهذا سر إصراره عليها فهى بالنسبة له الشخصية الفلسطينية ، والعلم الوطنى ، وهى تذكير بالقضية الفلسطينية ، وتذكير بحقوق شعبه التاريخية. وإلى جانب هذه أالأمور الثلاث التى قد خرجت منها من هذا اللقاء الوحيد، وجدت فى داخله إنسانا، فهو صاحب رسالة إنسانية ، يملك قلبا عطوفا حانيا قد يبدو قويا بلباسه لكنه ضعيفا امام إنسانيته ، وهذا قد يفسر لنا هذا التوجه السلمى لديه فهو وصل لقناعة ان الدم لن يعيد حقوق، والقوة العسكربة لن تحقق الأهداف الإنسانية لأنها تعنى الموت والقتل وهى نقيض للحياة، ومن هنا كان بحثه وتمسكه بالسلام ، لكن السلام القوى ، وكما كان يقول دائما سلام الشجعان ، الرئيس الراحل عرفات خرجت من اللقاء وانا احمل صورة القائد المكافح ، والفيلسوف صاحب الحكمة والرؤية ، والرجل الثورى ، وصاحب العمة الدينية ، فهو فى داخله إيمان قوى ، وحنين دائم للقدس، وأخيرا هو صاحب رسالة سلام وإنسانية . لذلك أريد اصحاب نظرية القوة والمعادين للسلام التخلص منه. هذه ذكرياتى عن هذا القائد فى ذكراه، لعلنا نسترشد بها ألان.رحمه الله
دكتور ناجى صادق شراب
drnagish@gmail.com