المضحكات (10)

40} ولاية }
فن وثقافة (:::)
بقلم : عبد الرحيم الماسخ – مصر (:::)
عندما كنا طلبة في المرحلة الثانوية , ومع دخولنا طور المراهقة تغيرت نظرتنا للحياة , ونحن نرى ونسمع ما لم نكن نرى ونسمع من قبل , فأهملنا دروسنا , وكذبنا على الوالدين أحيانا , فكنا نطلب مزيدا من المال ولا نفعل به إلا مزيدا من تضييع الوقت وتشتيت الجهد , وانجرفنا في تيار لعب الكرة , والسهر على المقاهي , وما زال آباؤنا واهمين براءتنا الصرف وأننا ملائكة تمشي على الأرض , لذلك هم يبذلون كل غال في سبيل توفير سبل الحياة الكريمة لنا مع حرمانهم هم من ضرورات وجودهم من ملبس ومأكل ومسكن وعلاج ………… إلخ , وحدث ذات يوم أن أخطأ أحدنا في حق أحد معلميه , ووصل الأمر إلى المدير فأمر بفصل ذلك الطالب لحين حضور ولي أمره , تحيّر ذلك الطالب في أمره , كيف يخبر أباه بما فعل ؟ وهل يرضى أبوه بخطئه في حق معلمه ؟ لا ,لا يمكنه إخبار والده بما فعل , لكن زملاءه يخوِّفونه من عاقبة كتمان ذلك الأمر عن والده , ففي النهاية إذا تأخر حضور والده إلى المدرسة سيضطر المدير إلى فصله هو نهائيا , فتقع الكارثة , أخيرا اهتدى ذلك الطالب إلى استئجار أحد سائقي سيارات الكارو البُسَطاء لاستعماله في تلك المهمة الصعبة , واصطحبه بعدما نقده أجره إلى المدرسة مُدَّعِيا أنه خاله حتى لا ينكشف أمره , فرحب به المدير وأكرمه بعدما قال له : يا سيادة المدير هذا ابن أختي تركه المرحوم والده صغيرا ورحل فربَّيناه قدر ما استطعنا , فقال له المدير : لكنه أخطأ في حق مُعلِّمه خطأ فاحشا يُوجب عليه الاعتذار, واستدعى المدير المعلم على الفور , فقال المعلم : مادام خال الطالب قد حضر فأنا مسامح في حقي , لكن الرجل الذي يدَّعي أنه خال الطالب نظر إلى الطالب وصاح به : أحرجتنا يا …………. ولطمه على وجهه لطمة طيّرتْ عينيه شعاعا , فما كان من الطالب إلا أن أمسك به من جلبابه وهو يصيح به : أنت أجيرٌ عندي وتلطمني ؟ والله الذي لا إله إلا هو لن أتركك حتى ترد لي ما نقدتك من أجر وزيادة عليه ثمن ادعائك أنك خالي !!
*****
41 { عارضة }
في أوقات العمل فترات من الشدة وفترات أخرى من الرخاء , ومع تعوُّد العامل على الرخاء أو الشدة لا يقبل التحوُّل المفاجئ وإنما يحتاج إلى التدرُّج بين الفترتين , حتى يستقر حاله على ما يُراد به فيستطيع القيام بما يُطلب منه , وللعاملين مذاهب شتى في ذلك فمنهم من يعشق العمل ولا يمل ما به من رُوتين وجدة في آن واحد , ومنهم من يصلح للعمل الجاد دون التكيُّف السريع مع الأوامر والنواهي الروتينية ومنهم من يملك القدرة على الهروب من الجد إلى الهزل باختلاق الأعذار كالمرض وغيره , كنت رئيسا للعمل الزراعي على مستوى القرية , وزارني مدير الإدارة فوجد أحد العاملين لدي منقطعا عن العمل فغيَّبه ووجَّه ليَ اللوم لعدم إخطاره بغياب ذلك العامل من قبل , وعندما تم إعلان العامل بميعاد التحقيق في سبب ذلك الانقطاع قدّم إليَّ عارضة عن يوم الغياب وبناء على تعليمات مدير الإدارة رفضتُ اعتماد تلك العارضة , فما كان من العامل إلا أن أخبرني لاحقا أن مدير الإدارة ذاته قد وافق له على احتساب يوم انقطاعه عارضة بسبب ظروفه الخاصة بشرط أن أوقِّع أنا بالموافقة على تلك العارضة , فقلت للعامل منعا للإحراج سأوقِّع على العارضة أمام مدير الإدارة فوافق العامل , فاصطحبته إلى الإدارة وقبل صعودنا للمدير قال لي العامل بكل ثقة : المدير يقول لك وقِّع على هذه العارضة فلماذا تصر على التوقيع عليها أمامه ؟ إنه سيُحرجك بذلك فوقِّع ْعلى العارضة واذهبْ إلى حال سبيلك , وأنا أصِرُّ على التوقيع أمام مدير الإدارة , فنسير ثم نتوقف ونتجادل ثم نسيروهو يحاول إيهامي بموافقة مدير الإدارة على احتساب يوم انقطاعه عارضة وأني أنا الذي يعطل منحه هذه العارضة , حتى وجدنا أنفسنا أمام مدير الإدارة , فقلت له : أأنت وافقت لهذا العامل على اعتماد يوم انقطاعه عن العمل إجازة عارضة وأرسلته إليَّ لأوقع له بالموافقة؟ فانفجر المدير من الغيظ في الحال وصاح بالعامل : تنقطع عن العمل ثم تكذب عليَّ هذه الكذبة , والعامل يحاول تبرير موقفه متعثِّرَ الكلام يقول : يا سيادة ال أصل ال ……….. يا سيدي أصل ال ………. والمدير يحلف ألا يقبل منه عارضة عن انقطاعه أبدا ولا بد من مُجازاته على انقطاعه وعلى كذبته ولا بد من ………… ثم طرده من مكتبه , وأنا لا أكاد أصدق ما أرى وأسمع !
*****
42 { تجعُّد }
موسم زراعة القطن في مصر مليء بالمتاعب لأن نبات القطن حساس بطبيعته وله عوائل حشرية وفيروسية كثيرة وفي النهاية هو محصول استراتيجي يُعَوَّل عليه في بناء اقتصاد الدولة , لكل ذلك كان اهتمام جهاز الزراعة ينصبُّ تماما على محاولة إنجاح هذه الزراعة , فبعد العناية التامة بالبادرات من زراعة مبكرة ورية مُحاياة في الميعاد وخَفّ على نباتين إلى عمل الطعم السام للدودة القارضة والحفار تبدأ أعمال المقاومة اليدوية لدودة ورقة القطن تلك الأعمال التي يُستعان فيها بطلبة المدارس , في أحد المواسم كان يجاورني في المنطقة مهندس مُسِنٌّ كسول لا يستطيع الحضور في الميعاد , وإذ يحضر يجلس في مقر العمل في انتظارأن نرسل له يومية المكافحة للتوقيع عليها , وذات يوم زارتنا اللجنة العليا للمكافحة فقامت بتغييب ذلك المهندس في اليومية لأنها لم تجده في منطقة إشرافه, ثم دعانا أحد المزارعين لشرب كوب من الشاي في بيته القريب, وبعد جلوسنا عند ذلك المزارع إذا بزميلنا الكسول قد حضر فلم يُلق علينا السلام وجلس زائغ البصر ثم سألنا : من منكم الذي غيَّبني ؟ رد عليه رئيس اللجنة : أنا , فقال له : أنت من ؟ أجابه : أنا رئيس اللجنة , فقال له : أنت لا تفهم شيئا فأنا عندي مساحة أخرى مصابة بشدة حتى أن القطن فيها أصبح عاريا تماما من الورق فكيف أتركها وآتي إلى هنا لأجلس معكم أشرب الشاي بجانب القطن الصحيح , ارتبك الجميع فور سماعهم ذلك الكلام وهبُّوا وقوفا وأسرعوا إلى المنطقة التي تكلّم عنها زميلنا ووصف قطنها أنه قد هلك , ولم يقفوا إلا علي حافتها فوجدوها غاية في الصحة والجمال , فسألوا صاحبنا : أين الإصابة ؟ قال : أنتم حديثو تعيين لا تفهمون في الإصابة المُبكِّرة ,هذا القطن مصاب بتجعُّد الورق وسرعان ما يتيبَّس , ووو وأنا صاحب عيال ولا أستطيع إتمام عملية المكافحة المطلوبة وبكى أمامنا , فذهبت اللجنة إلى مدير الإدارة وأمرته بنقل ذلك المهندس الكسول إلى منطقة خالية من زراعة القطن !
*******
43  { حبة ترمس }
في القرى النائية المحرومة من التعليم مازال ينتشر الخوف من المجهول , فالناس تخمِن مسبقا ما سيحدث لمن سيسافر بحثا عن الرزق أو الأمن , إلى أن يصاب الجميع باليأس والقعود عن كل فضيلة عملا بالمثل القائل {ما تعرف خير مما تجهل }, لكن للتجنيد الإلزامي المعروف بالجهادية مخاوف كثيرة كانت إلى وقت قريب تقترب من الأهوال والأساطير , فلا يُذكر التجنيد إلا ويُذكر معه الموت عطشا أو حرقا أو غرقا ……….. إلخ , ربما كان ذلك الخوف قد تراكم لدى البُسطاء من الناس بسبب الحروب الكثيرة التي ألقت بظلالها على مصر حقبة من الزمن , إذ كان المُجنّدون من مصر أيام السيطرة العثمانية يُساقون إلى الموت في القرم والأناضول وألبانيا, كذالك كانوا طعاما للحرب العالمية الثانية أيام الانتداب البريطاني على مصر ثم جاءت الحروب العربية الإسرائيلية فكان القرويون البسطاء دائمي البحث عن وسائل ناجحة للنجاة من الهلاك المُسمَّى بالتجنيد , من ذلك أن أحدهم طرق بابه الخفراءُ ذات يوم يخبرونه أنه أصبح مطلوبا في الجهادية , فأسرع إلى ساطور فأحضره ووضع يدهه على حجَر وبترَها بترا من المعصم وكان له ما كان من الألم حتى الموت , لكن أحدهم اهتدى في النهاية إلى ابتكار سهل ينجي صاحبه من الجهادية ولا يعرضه للقتل , فقد أحضر ذلك الرجل حبًّة من الترمس ثقبها وعلّق بها خيطا رفيعا من الحرير المتين بعدما قاس طوله بطول من الفك إلى وسط الصدر , وأثناء فرزه لمعرفة مدى صلاحيته للتجنيد وفي غفلة من الحرس ثبّت ذلك الرجل رأس الخيط بين أسنانه السفلى وابتلع الحبة فوقفتْ في المريء وسط صدره فظهرتْ في الأشعة الضوئية مظلمًة مستديرًة كالدرَن , فأفقدته صلاحيته للتجنيد , وتم طرده من منطقة التجنيد بسرعة خوفا من نقل العدوى للأصحاء من رفاقه !