السيسي يمد طوق النجاة لإسرائيل

اراء حرة (:::)
تميم منصور – فلسطين المحتلة (::)
استبشرنا خيراً عندما علمنا بأن مؤتمر ضباط اتصال المكاتب الاقليمية لمقاطعة اسرائيل انعقد في دورته أل 39 في جامعة الدول العربية خلال الفترة ما بين 18- 20 من شهر آب الماضي ، وبعد نقاش طويل أتخذ توصيات من بينها ادراج مجموعة من الشركات الدولية التي تتعامل مع اسرائيل على قائمة لائحة المقاطعة والحظر .
مع أن الشركات التي أدرجت على قائمة المقاطعة ليست شركات ذات قيمة اقتصادية هامة ، الا أن الفلسطينيين اعتبروا هذه الخطوة تسير على الطريق الصحيح ، وأن المقاطعة لا تزال ورقة من أوراق الضغط المستحقة ضد اسرائيل ، لعلها تساهم بالتأثير عليها سياسياً ، وتمشياً مع المثل الذي يقول ” اذا اردت معاقبة يهودي اضربه في جيبه “.
أكدت هذه الخطوة بعض الشيء بأنه لا يزال هناك شمعة مضيئة في نهاية نفق القضية الفلسطينية المظلم ، وانه لا تزال تتحرك في عروق الجسد العربي بعض من عصارة الاجماع الوطني وبقايا من الغيرة والاهتمام بفلسطين وشعبها .
ولكن مثلما كان اجتماع اللجنة المذكورة مفاجئاً من وجهة نظر الكثير من المراقبين ، لأن أحداً لم يعد يسمع بشيء أسمه مقاطعة اسرائيل وخاصة في الشرق الأوسط ، وأن هذه الجامعة المشغولة في المحافظة على تماسك الحلف المكلف بتدمير اليمن ، ومشغولة أيضاً بدعم الارهابين في سوريا والعراق وليبيا ، يتسلل الى أجندتها المهترئة موضوع المقاطعة والحظر.
ان ما يميز التقلبات السياسية اليوم خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية مسلسل التراجعات والاخفاقات  و المفآجات ، وما يتعلق بجوهر القضية ، آخر هذه الاخفاقات تصريح الرئيس الفلسطيني الذي أعلن عن دعمه المطلق لما قامت به مصر من غمر الحدود بين قطاع غزة ومصر بمياه البحر ، هذا من شأنه أن يعمق الانقسام لأنه يعني دعم الحصار ، وأيضاً معاقبة جزءاً من شعبه عقاباً يتمثل بالتأكيد على قسوة الأخوة .
أما آخر موديل وآخر طبعة من المفاجآت الخاصة بالقضية الفلسطينية ، يتعلق بما أعلن عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، فقد اعتقد الفلسطينيون أن الاعتداءات الأخيرة المتواصلة على المسجد الأقصى واعلان حكومة الاحتلال عن نيتها توسيع بؤرها الاستيطانية ، واصرارها على تشديد الخناق على ما يقارب المليوني فلسطيني في قطاع غزة ، هذا وغيره ربما يوقظ ضمائر رؤساء أنظمة التعاون والتطبيع العربي مع اسرائيل ، ويعيدون النظر في حساباتهم ،من داخل هذا المناخ الرمادي الذي يحيط بفلسطين وقضيتها ومصير شعبها .
أبى الرئيس المصري السيسي الذي سلب مقدرات ثورة الثلاثين من يونيو من الشباب الذين ضحوا بأرواحهم كي يزيلوا دياجير الظلمات والتخلف الذي حاول جماعة الاخوان فرضه على مصر في غفلة من الزمن ، فمنذ انفراده بالثورة وهو يتخبط بأعماله وتصريحاته التي تعبر عن جهله لكل ما يعرفه السياسي من معنى ، آخر هذه التصريحان الصاعقة جاءت دون تفكير أو تقدير ، وهي عبارة عن هدية بل مكافأة لإسرائيل ليس بمناسبة أعيادها المتلاحقة فقط ، بل مكافأة مجانية لها على سياستها الرافضة للتراجع عن ممارستها العدوانية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني ،وان دلت هذه التصريحات على شيء ، فإنها تدل على أن هذا الأبله لا يفكر الا بنفسه ويومه ، وبأنه لا يعرف شيء عن طبيعة العلاقات والصراع العربي الاسرائيلي ، ولا يعرف شيئاً عن الخطر الصهيوني وعن حق الشعب الفلسطيني بالعودة والبقاء واقامة دولته المستقلة ، وتؤكد بأنه مصري فرعوني في كل تقديره وممارساته ، وان اسرائيل بالنسبة له كما وصفها دولة مجاورة آمنة يجب التعاون معها ، السيسي يجهل قيمة أي اجماع وطني قومي عروبي ، ويجهل أيضاً أية قيمة لأية اجماع ديني ، اسلامي أو مسيحي ، الهدية التي قدمها هذا الضحل للشعب الفلسطيني فهي المزيد من قوارب وأطواق النجاة لإسرائيل ، للتخفيف من محاصرتها دولياً ، لأنها أصبحت الدولة الوحيدة في العالم التي ترفض السلام ، والدولة الوحيدة التي لا تزال تصادر حرية شعباً آخر وتمنعه من نيل حقه في الحرية والاستقلال .
اسرائيل تمارس أبشع الجرائم اليومية ، فهي لا تتردد في قتل الاطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين ، فهي لا تختلف عن الارهابيين في سوريا الذين يقتلون أطفال ونساء وشيوخ سوريا ، أما مباشرة أو عن طريق الغرق ، هي الدولة الوحيدة التي أصدرت قوانين تجيز لأجهزتها الأمنية استخدام القناصة  بنادق خاصة تطلق رصاصاً قاتلاً باتجاه الاطفال الذين تتهمهم بإلقاء الحجارة .
السيسي قرر اهداء قتلة عائلة الدوابشة بمطالبته من بقية الانظمة العربية الاعتراف بإسرائيل دون تردد او حتى وضع شروطاً كما فعل ملك السعودية في يوم من الأيام ، يريد من العرب أن  يحتضنوا اسرائيل ” على الناشف ” رغم ان ايادي رئيس حكومتها ووزرائها ملطخة بدماء الفلسطينيين ، لقد طالب فجأة وبدون سابق انذار الى توسيع ما أسماه دائرة السلام مع اسرائيل ، تشمل دولاً عربية أخرى – ولك أي سلام أيها الجاهل –  ؟؟؟ هل تعتبر أي اتفاقية للسلام مع اسرائيل دون ايجاد حل للقضية الفلسطينية سلاماً .العرب هم من يستجدي اسرائيل اليوم لاقامة علاقات معها
اسرائيل لم تصدق أن هذا الصوت يصدر من القاهرة عاصمة العرب والمسلمين ، المدينة التي طهرها عبد الناصر من دنس اسرة الفساد والاقطاع والامتيازات والهيمنة الاجنبية ، وأعاد اليها الريادة  لقيادة مراكب العروبة الحديثة والقومية الصالحة ، ولم تصدق أن مطالب السيسي تمثل مواقف جحافل الشباب الذين خلعوا مبارك يوم 25 يناير وخلعوا مرسي في الثلاثين من يونيو ، أنه صوت السيسي الذي كان عسكرياً مجهولاً ولا زال غريباً عن عروبة مصر والوطنيين فيها.
لقد خذل كل التقدميين والناصريين في اليوم الثالث من أيام عيد الأضحى ، ما كاد يصل الى مسامع اسرائيل حتى سارع المتحدث الاعلامي باسم رئيس الحكومة  نتنياهو أوفير جنتلمان الى الأخذ بحبل النجاة الجديد الذي قدمه السيسي مجاناً لإسرائيل كي تلتقط انفاسها ، وأعلن أن حكومة نتنياهو تُعبر عن تقديرها للسيسي لأن هذه الحكومة تعيش في ورطة وفي حالة من العزلة السياسية مع غالبية دول العالم ، خاصة بعد رفضها الاتفاق النووي مع ايران ، وبسبب سياستها الرافضة لكل قرارات الامم المتحدة ـ وادانتها من قبل الكثير من المؤسسات المدافعة عن حقوق الانسان .
لا أحد يعرف ما هي الأسباب التي دفعت السيسي التعبير عن هذا الموقف ؟ هل نكاية بالمقاومة خاصة المقاومة اللبنانية والفلسطينية ؟ أو هل لإرضاء امريكا لأنها كانت متحفظة من زيارته الأخيرة لموسكو ، وعقده صفقة لشراء الأسلحة الروسية ، لا نعرف ربما يطمع السيسي بالمزيد من الدعم الاسرائيلي له في محاربته للارهابيين خاصة المتواجدين في صحراء سيناء ، لكن اسرائيل تخدعه لأنها غير معنية بمحاربة هؤلاء ، مثلها مثل امريكا ، لأن هؤلاء الارهابيين كانوا وما زالوا ورقة مقايضة بأيدي الاسرائيليين والامريكان كما هو الأمر في سوريا والعراق وليبيا .
اسرائيل تعرف بأن تعاونها المطلق مع السيسي سوف يدفع هؤلاء الارهابيين على محاربتها ، وسوف يمنعون السياح الاسرائيليين من ارتياد شواطيء البحر الاحمر من ايلات الى شرم الشيخ .
عندما طالب السيسي من بقية الانظمة العربية أن توسع دائرة السلام كما أسماها مع اسرائيل ، لم يحدد اسماء هذه الدول لكننا نطمأنه بأن جميع الدول العربية التي يقصدها ترتبط بعلاقات قوية مع اسرائيل ، كل بطريقتها الخاصة ، باستثناء النظام الممانع في سوريا ، الذي لا زال يدعم المقاومة ، وربما النظام الجزائري ، أما بقية الأنظمة من بحرها الى خليجها فهي عبارة عن امتداد أمني واقتصادي لإسرائيل ، لأن الأمن القومي لهذه الأنظمة مرتبط بالأمن القومي الاسرائيلي والامريكي .