دراسات (:::)
د. غازي حسين – فلسطين المحتلة (:::)
تتعرَّض المقدسات والأوقاف الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948 إلى الهدم والمصادرة والتدنيس والتحقير والإهمال وعدم السماح بترميمها أو استخدامها وتحويلها إلى بارات وحظائر للأبقار لتهويدها والقضاء على طابعها العربي الإسلامي. وتلاقي المساجد التدنيس والتحقير من الحكومة الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي، أي من المستويين الرسمي والشعبي.
دأبت إسرائيل منذ عام 1948 على هدم وتدمير المساجد لأنها تمثل جذور التراث والتاريخ والطابع العربي الإسلامي المترسّخ في أعماق الأرض والبشر والشجر والحجر في فلسطين. وتمثل المساجد والكنائس الماضي والحاضر والمستقبل والهوية والانتماء والقيم والأخلاق والعزة والكرامة والحضارة العربية الإسلامية.
بلغ عدد المساجد في المناطق المحتلة عام 1948 (313) وبقي منها (200) مسجد فقط «وهذا يعني أن مئة وثلاثة عشر مسجداً قد هدمت بكاملها في الفترة الواقعة ما بين 48 ـ 1967».
وتابعت إسرائيل بعد الحرب العدوانية التي أشعلتها عام 1967 سياسة هدم المساجد وتهويد أراضي وعقارات الوقف الإسلامي في الأراضي المحتلة عام 1948م وفي الضفة والقطاع.
وتثبت الوقائع أن حكومة باراك قد هدمت مسجد «قرية الحوارث» وسرقت حجارته، وجرى إحراق مسجد البحر في طبريا وتعرض المصلون فيه إلى الإهانة والضرب والتهديد بالبنادق من قبل المئات من القوات الإسرائيلية الخاصة المزودة بالهراوات والكلاب البوليسية والسلاح. وتحوَّل مسجد البصة إلى حظيرة لتربية الأبقار، ولا يزال يلقي اليهود على المقبرة الإسلامية في البصة جثث الكلاب الميتة والنفايات. ويتعرض مسجد اللبابيدي في عكا ومسجد البرج إلى الانتهاك والهدم وعدم السماح بالترميم.
وتشرف على سياسة هدم المساجد ومصادرة أملاك وأراضي الوقف الإسلامي لجان حكومية وقضاة مما دفع بالجماهير العربية إلى عقد مؤتمر في حيفا في الرابع من تموز 1959 للحيلولة دون تهويد الأوقاف الإسلامية. وطالب المؤتمر الذي انعقد في عكا بتاريخ 18 حزيران 1961 بإعادة الأوقاف إلى المسلمين وقرر أنه «1 ـ منذ قيام دولة «إسرائيل» والمسلمون محرومون من إدارة شؤونهم الدينية والمحافظة على مقدساتهم والانتفاع بأوقافهم والإشراف على محاكمهم الشرعية، وكل ما يتعلق بأمور دينهم من تعيين القضاة ومأموري الأوقاف ومديري الأيتام والأئمة والوعاظ والمأذونين والمؤذنين وغيرهم.
ولهذا يقرر المؤتمرون أن سلوك «إسرائيل» هذا ناشئ عن سياسة التمييز والاضطهاد الواقعين على المواطنين العرب وجزءاً لا يتجزأ من سياسة التمييز المفروضة عليهم.
وتؤكد الوقائع والأحداث أن سياسة إسرائيل في تدمير ومسح المقدسات الإسلامية والقرى العربية لم تتوقف، ولا تزال الحكومة الإسرائيلية تستأثر بريع الأوقاف الإسلامية، وتحرم فلسطينيي 1948 منها.
وبلغت القرى العربية المدمرة فيها حتى الآن حوالي (750) قرية وبما فيها من مقدسات ومساجد ومقامات ومقابر. وأقيمت فوقها المستعمرات اليهودية ليسكن فيها المهاجرون من مختلف أصقاع العالم. وحوَّلت العديد من المساجد إلى خمارات ومتاحف وحظائر لتربية الأبقار. وبنت فندق هيلتون في تل أبيب على أنقاض مقبرة إسلامية، وحي سكني كامل على مقبرة قرية سلمة (التي ولدت فيها) هذا بالإضافة إلى مئات المستعمرات والأحياء السكنية والحدائق العامة والساحات ومواقف السيارات التي تقوم على آلاف المقابر الإسلامية بعد انتهاك حرمة الموتى ونبش قبورهم.
وأعطت بعض المساجد للمتدينيين اليهود لتحويلها إلى كنس يهودية حيث تم تحويل مسجد العفولة ومسجد طيرة الكرمل، ومسجد أبو العون ومقام الست سكينة إلى كنس يهودية. ودمرت إسرائيل مقبرة مأمن الله التي تضم رفاة عدد كبير من رجال الصحابة في القدس. وشقت في وسطها شارعاً وأقامت على جزء منها فندق بلازا الكبير والمبنى التجاري السوبر سول. وبنت مدرسة على مقبرة المالحة في القدس وشقت شارعاً في مقبرة الاستقلال بحيفا وآخر في مقبرة سيدنا علي بهرتسليا. وأقامت موقفاً للسيارات على مقبرة إسلامية بالعفولة.
ومن بين هذه المساجد التي تتميز بعراقة تاريخية وهندسة معمارية عربية ـ إسلامية
المسجد العمري في طبرية الذي لا يزال مغلقاً وبحالة سيئة، وكذلك المسجد الكبير في بئر السبع.
وعلق طلب الصانع، العضو في الكنيست وابن منطقة بئر السبع عندما شاهد المسجد الكبير قائلاً: «لماذا كنسهم في العراق وسورية والمغرب وتونس ومصر بالحفظ والصون ومساجدنا خمارات وملاه وحظائر؟(3)»
ويؤكد رئيس بلدية أم الفحم أن إسرائيل دمرت (120) مسجداً في الجليل، والمثلث والساحل والنقب وطمست معالم المقابر والمقامات والتي تشكل مع بقية المقدسات الإسلامية وعقارات وأراضي الوقت 1/ 16 من مساحة فلسطين.
ويشير التقرير السنوي الأخير الصادر عن جمعية «سيكوي» الإسرائيلية إلى أن «(80) مسجداً وكنيسة تحولت إلى خراب نتيجة الإهمال المتعمد من قبل وزارة الشؤون الدينية الإسرائيلية والواقعة في القرى المهجرة والمستوطنات والمدن اليهودية(4)».
ويفيد التقرير المذكور إلى وجود 16 مسجداً في الجليل الغربي والمجدل والكرمل والسهل الساحلي والمناطق المحيطة بالقدس آيلة للسقوط، وخمسة مساجد تقع في الخالصة (كريات شمونة) وصفد وعين كارم وبئر السبع وطبريا تستعمل كمتاحف ومعارض، وأربعة مساجد أخرى تم تحويلها إلى خمارات ومطاعم وأماكن سياحية وتقع في الزيب وقيسارية وعين حوض.
ويشير التقرير بأن «هناك قبوراً ومزارات إسلامية جرى تحويلها إلى أماكن مقدسة لليهود مثل قبر أبي هريرة ومزار النبي روبين الذي تحول إلى قبر رؤبين، والنبي فودا الذي أصبح قبر يهودا، والنبي دانيال الذي أصبح قبر دان، وكذلك النبي يمين الذي صار قبر بنيامين، وقبر سكينة بنت الحسين إلى قبر ليئة وقبر النبي سمعان إلى قبر شمعون بن يعقوب». وتستعمل مسجد قيسارية كخمارة ومسجد السكك في يافا كناد ليلي، والمسجد الأحمر في صفد كصالة أعراس ولعرض الرسوم، ومسجد عسقلان كمطعم ومتحف.
وانطلاقاً من قوانين الأراضي العنصرية التي سنتها إسرائيل أصبحت عقارات وأراضي السكان الفلسطينيين، أصحاب البلاد الشرعيين وسكانها الأصليين «أملاك غائبين». واعتبرت المقدسات الإسلامية من أملاك الغائبين. وخضعت المساجد والمقابر تحت إشراف وزارة الأديان الإسرائيلية.
وحوَّلت جامع الغفار المطل على ميناء يافا إلى موقع سياحي، ومقام علاء الدين في يافا إلى مقهى وبار.
وتحوّل مسجد الظاهر بيبرس في المجدل إلى مطعم إسرائيلي وجامع بئر السبع الرئيسي إلى متحف للآثار، ومقام حسام الدين مهران في عسقلان إلى مكب للقمامة، ومسجد بيت جبريل إلى مخزن للبضائع بعدما هدمت المئذنة. وتحول مسجد النبي داود في القدس الغربية إلى مكان لزيارة اليهود، ومنع المسلمون من الصلاة فيه، ومسجد ظاهر العمر في طبريا إلى مطعم، ومسجد قرية الخالصة إلى محكمة يهودية.
وحوّلت إسرائيل مسجد العباسية في بلدة العباسية (المجاورة لبلدتي سلمة الباسلة) إلى كنيس، والمسجد اليونسي في صفد إلى معرض فني، بينما حوّلت المسجد الأحمر المملوكي فيها إلى مرقص، ومسجد قرية عين الزيتون إلى حظيرة أبقار، والمسجد الكبير في قيسارية الذي يعود إلى العهد الأموي إلى مطعم وحانة لشرب وبيع الخمور(5).
ولا يزال مسجد اللبابيدي في عكا مغلقاً وتمنع فيه الصلاة تماماً كحال مسجد السكسك في يافا.
وترفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة السماح للمسلمين بمهمة ترميم وصيانة المقدسات العربية.
وتابعت إسرائيل سياستها في تدمير المساجد الإسلامية وتهويدها بعد حرب حزيران العدوانية عام 1967 فهدمت مسجد ومقام الحسين في عسقلان وأقامت مكانه مستشفى لليهود وكذلك مسجد سيف المملكة تميم في عسقلان عام 1979 وأزالت معالمه وهدمت مئذنة مسجد حسن بيك في يافا بتاريخ 2/4/1983 وأشعلت فيه الحريق المتعمد بتاريخ 26/6/1988، ومئذنة مسجد سيدنا علي بن عالم، شمال يافا في عام 1988 وهدمت مقام أحمد بن ثور في حي الثوري في القدس الغربية ومسجد بلدة راهط في منطقة بئر السبع بتاريخ 23/8/1987، وهدمت مقبرة الشيخ مؤنس في يافا وبنت على أنقاضها بنايات لجامعة تل أبيب، كما هدمت أيضاً مقبرة صميل في يافا وحولتها إلى ساحة عامة وموقف للسيارات.
وحوّلت مقبرة يازور إلى شارع ومكان لجمع القمامة. وبنت حي كفار شاليم اليهودي على أنقاض مقبرة الشيخ مراد في يافا..
وتهدف إسرائيل من جراء تدمير المساجد والمقابر والآثار الإسلامية طمس معالم الهوية القومية والدينية لفلسطين العربية وإلغاء الوجود التاريخي للعرب فيها وتهويد معالمها الإسلامية والمسيحية وإقامة المستعمرات والأندية والبارات والخمارات والمزابل اليهودية على عظام الآباء والأجداد وعلى آثار الحضارة العربية الإسلامية.
بدأت إسرائيل في تدمير المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها منذ اليوم الأول لتأسيسها مما حمل البطريرك مكسيموس حكيم، بطريرك الروم الكاثوليك لأنطاكيا وسائر المشرق والذي كان مطراناً لطائفة الروم الكاثوليك في حيفا أثناء حرب عام 1948 على القول في حديث له عن الإرهاب الصهيوني وانتهاك إسرائيل للمقدسات العربية أنه «في عام 1948 دمرت عصابات الهاغاناه بعض المساجد والكنائس والمستشفيات والملاجئ في الأراضي التي احتلوها مثل الدامون وسحماتا وأكثر من (215) قرية عربية ما زالت أنقاضها ظاهرة للعيان إلى اليوم(6)».
إن الموقف القومي والديني المطلوب من الحكام العرب والمسلمين هو تأييد ودعم الحق العربي في فلسطين والسيادة العربية عليها وعلى الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، ورفض الاستعمار الاستيطاني والمستعمرات اليهودية، وعدم دعم تفريط السلطة الفلسطينية أو آل سعود وثاني ونهيان والملك الهاشمي بأي حق من الحقوق الوطنية والقومية والدينية للعرب والمسلمين في فلسطين وبيت المقدس وتحرير القدس بخيار المقاومة.
لقد كان من المفروض على ملكي السعودية والأردن، وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ولجنة إنقاذ القدس ومنظمة اليونسكو العمل لإنقاذ المساجد والمقدسات والمقابر التاريخية من التهويد والتدنيس والتحقير والإهمال والانهيار حفاظاً على الهوية الحضارية، والدينية العربية والإسلامية الضاربة جذورها في أعماق الإنسان والأرض والهوية والشجر والحجر في فلسطين العربية.
وعلى العكس من ذلك يتولى ملوك آل سعود وآل هاشم الترويج لما يسمى بحوار الديانات أي بالحوار بين الإسلام واليهودية، بحيث يعملون على ولادة إسلام أمريكي لإرضاء إسرائيل والصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية. وتبقى اليهودية كما وضعها كتبة التوراة والتلمود عدوة لغير اليهود، وبشكل خاص للعروبة والإسلام والمسيحية.
أن معظم الأمراء والملوك والرؤساء العرب نعاج لأمريكا وإسرائيل، ولا يحترمون حقوق وسيادة وكرامة وديانة شعوبهم، فتخيلوا لو جرى تدنيس حجر من مقبرة يهودية في ألمانيا أو المغرب لقامت الدنيا ولم تقعد.
المصادر:
1 ـ مجلة فلسطين المسلمة، العدد 9، أيلول 2000، ص27.
2 ـ المصدر السابق ص25.
3 ـ الجزيرة نت في 11/8/2011م
4 ـ مجلة فلسطين المسلمة ص26.
5 ـ الجزيرة نت في 11/8/2011 .
6 ـ الأهرام في 15/4/1988.