سخرية كالبكاء (:::)
بقلم : عبدالرحيم الماسخ ـ سوهاج – مصر (:::)
1: { حداثة }
مع انتشار المحمول , والإسراف الواضح في استعماله باعتباره وجاهة اجتماعية كالديكور وليس كضرورة مُلِحَّة كالأثاث مثلا , ومع الفراغ الحادث مِن توابع زلزال البطالة المُتنامِي , ابتكر بعض المُتمدينين من أهل القرى الفقراء وسائل وحِيلاً لإثبات ذاتهم أمام الآخر , فهم رغم فقرهم الواضح أغنياء بظنِّهم , فظهرتْ نوادرُهم ولاكتها الألسن , من تلك النوادر : أن فتى لديه محمول قديم اشتراه مُستعمَلا مُتمَثِّلا به النبوغ بعينه والذكاء برهافته والغِنا بنعومته ووو , فهو يخرج من بيته مساء كل يوم , في يده المحمول العتيق , فإذا رأى الآخرين أعمل رنينَ المحمول مُدَّعِيا أن مُهاتِفًا مُهِمّا ينتظر سماع صوته على الطرف الآخر , ثم بتؤدة رفَعَ المحمول إلى أذنه وظلَّ يتحدث مع صديقه الوهمي عظيم الشأن , هذا التصرُّف المُتكرر أغاظ أصدقاءه قبل أعدائه , فبحثوا له عن حيلة تكشف صدقه من كذبه في الاتصالات الليلية الطويلة المشكوك في صحتها أصلا , وذات ليلة خرج صاحبنا من بيته , رن المحمول في يده , رفع المحمول إلى أذنه , بدأ يتكلم بصوته الجهوري , لكن محموله رغم سخونة المكالمة رن في يده مرة أخرى رنينًا مُتواصلا مُعلِنا عن طلب حقيقي للمهاتفة على الجانب الآخر !
2 : { مُخالصَة }
من أعجب ما سمعنا ورأينا إصرار الناس عندنا على الكِبْر فلقد تمثلوا بلا دراية منهم قول المتنبي { وإنيَ من قومٍ كأنّ أنوفَهُمْ بها أنَفٌ أن تسكُنَ اللحمَ والعظما } فقعدوا لبعضهم كلَّ مرصد , وصدُّوا ِزلاّت بعضهم ثم ردُّوها عليهم , فبات الكل على جرُفٍ هارٍ , اختلط الأمر عليهم في ذلك فأصبح جِدُّهُ وهزله سواء , فاحتدمتْ بينهم معارك , وتقطَّعتْ أرحام وجفَّتْ أرزاق,,, من تلك العجائب التي اختلط فيها الهزل بالجد أن رجلا كان يذهب تواضعا ليُسامر أصدقاءه كلَّ ليلة , وذات ليلة اعترضتْ سهرته ظروفٌ طارئة , فلم يذهب لمُسامرة أصدقائه , فانتظروه حتى ملُّوا , وتأخَّر بهم الليل , فذهبوا إلى بيته فوجدوه مُظلما , فعرفوا أنه وآل بيته نائمين , فجمعوا الطوب وحملوا الطين وسدُّوا باب بيته من الخارج تماما وذهبوا . في الصباح فتح صاحبنا الباب فإذا به يجد سدًّا منيعا , فتشاءم وتطيَّر , وهدم البناء وخرج إلى المدينة من لحظته , فعمل تلغرافات لأبناء أصدقائه جميعا : البقاء لله , توفي إلى رحمة الله والدكم المرحوم ………… ومهر التلغرافات باسمه الكريم , وعاد فلزم بيته , وقبل نهاية اليوم عرف أن أبناء أصدقائه قد تركوا أعمالهم وحضروا جميعا على وجه السرعة , فلبس أجمل ثيابه وذهب إليهم , فلم ينتظروا منه سلاما ولا كلاما وإنما بادروه بدهشتهم وإنكارهم لفعله ووو , لكن الرجل قال لهم بهدوء : البادي أظلم !
3: { كذبة }
انتشر الكذب في أيامنا هذه حتى صار مِلح الكلام وفاكهة المسامرات وما إلى ذلك , لكن خطورة الكذب التي لا يكاد يدركها الكثيرون أنه يستر الواقع عن العيون , فلا يرى معظمُنا إلا ما يُحِب أينما وجد , فلا يحتاط للظروف , ولا يعمل لما ينفعه , فلماذا يجِدُّ وهو يرى في الهزل حياة سعيدة هانئة ؟ لماذا يرهق نفسه وهو يعرف أن قضاء الحاجات العظمى لا ينتظر منه إلا إشارة خفيفة من سبابته ؟ , لماذا يصبر وهو يرى الناس من حوله يتقافزون كالبهلوانات ليطال كل منهم حاجته بلا مشقة ؟ إنها ستائر الكذب المُلَوَّنة تشِفُّ عمّا وراءها بطريقتها الملتوية , من أندر ما علما أن كلبًا لدَى جيرانٍ لنا عضَّ رجلا مُقعدا يسير على كرسيّه المُتحرك , فذهب أهل ذلك الرجل به إلى المستشفى ,وقدَّموا بلاغا إلى الشرطة , بعد أيام ذهب أهل الكلب العقور إلى الرجل المُقعد فقالوا له : لم نأت إليكم إلا بعدما قتلنا الكلب الذي عضكم غصبا عنا فماذا تقولون ؟ وكان والد الرجل المقعد حاضرًا فقال لابنه : ما دام الناس قد قتلوا كلبهم ثم حضروا إلينا معتذرين لا بد أن نقبل اعتذارهم , اذهب يا بُني إلى قسم الشرطة صباح غد ٍ وتنازل عن شكواك , فقام أهل الكلب وذهبوا شاكرين , في الصباح أمر الرجل المُقعد ولدَه أن يدفع به الكرسي المتحرك ليذهبا إلى القسم , وفي الطريق وفي نفس المكان الموعود مع الكلب العقور كانت المُفاجأة إذ خرج الكلب إليهما ينبح ويعض , حتى تكاثر عليه المارة !
4: {غيبوبة }
العلاقة الأسرية مُقدَّسة في مُجملها , فصِلَة الأب بابنه والأم بابنها والأخُوَّة بين الأشِقّاء بها من الشفافية ما يُعين على كل مُعاناة الحياة , وبها من التراحُم والتوادِّ ما يُصادق على العون ويُكاتف على تواصل العطاء , فبتلك الصلة تنعقد رابطة ُ الوجود , فلا تعرف الأمم والدول والقبائل والعائلات والأُسَر إلا بتلك الصلة , إنها الرابطة الأصيلة للكون , والمَدد الدائم للحياة والعصمة الأبدية للبقاء , بدونها الكون ذرّاتٌ تتماهى في بعضها وتختلط فلا يُعرف نفيسُها من رَدِيئها , لكن لكل قاعدة استثناء , من تلك الاستثناءات أن صديقا لنا وكان زميل عمل كان قد حدّثنا بحديث ذات يوم لم نأخذه على محمل الجد إذ قال : منذ ما يزيد على عشر سنوات كنتُ قد تزوّجت من فتاة ثم طلقتها بعدما استحالتْ الحياة بيننا , لكن أخشى أن أكون قد طلقتُها وهي في بداية حمل , المهم سارت الأمور سنوات أخرى , وذات يوم بينما كنا منهمكين في عملنا إذا بزميل لنا حضر من الإدارة يسأل عن صاحبنا قائلا : أين فلان ابن ال……….. , ثم قال لقد حملت لكم معي مُفاجأة تنتظركم في خارج المكتب , فإذا بشابَّين فتِيين أمام الباب , ما الحكاية ؟ قال الزميل : هذان الشابان هما ابن زميلنا فلان وابن خالته , إن زوجة زميلنا التي كان قد طلَّقها منذ عشرين عاما من الآن ولم يُتابع أخبارها بعد ذلك ,أنجبت منه هذا الشاب الذي كبر وتعلم ويعمل الآن بائعا في محل قريب يمتلكه أحد أقارب أمه , فبحثنا عن زميلنا ونحن بين مصدق ومكذب وأحضرناه , فأشرنا إلى الشابين وسألناه : مَن ابنك من هذين ؟ فبكى , فتركناه يحتضنهما معا , ولم يعرف فيهما ابنه إلا بعدما همس ذلك الفتى في أذنه : أنا مسرور بلقائك يا أبي !
للضحك صلة :