فرنسا و( إسرائيل ) أزمة ( أورانج ) زوبعة في فنجان !

دراسات (:::)
محمدعياش – كاتب وإعلامي (:::)
انزعجت ( إسرائيل ) من تصريحات مدير عام شركة ” أورانج ” للاتصالات , والتي أعلن نيته سحب استثمارات الشركة من( إسرائيل ), والتي تتمثل في شركة ‘‘ بارتنر للاتصالات ’’ التي تمتلك حقوق استخدام العلامة التجارية في شركة  أورانج منذ عام 2001 , ودعت فرنسا إلى اتخاذ موقف واضح من مدير الشركة ستيفان ريشار , فاتحة الباب على مصرعيه في حال لم تستجب .
خلفية سحب استثمارات الشركة من الكيان , جاءت عند  رغبة ريشار الذي أبدى استعداده لإنهاء التعاقد , متمنيا ً الإنهاء الفوري ؛ لكن الأمر يرتبط بمخاطر اقتصادية , ويعتبر من  الداعمين لمقاطعة الكيان الصهيوني , وله مشاركات عدة بهذا الخصوص , فكثيرا ً ما يتعرض لحملات إعلامية كثيرة من الإعلام الصهيوني وعلى رأسها طبعا ً معاداته للسامية ! وتجلى ذلك بتسليم السفير الإسرائيلي لدى باريس ( يوسي جال ) الخميس 4/6/2015 خطابات لوزارتي الخارجية والاقتصاد الفرنسيتين , وقصر الإليزيه .
إن السفير الصهيوني جال , تلقى تعليمات من الخارجية الإسرائيلية , لحث المسؤولين في باريس على إصدار موقف واضح وصارم من تصريحات مدير الشركة , في ضوء حقيقة أن الحكومة الفرنسية تمتلك 25% من أسهم الشركة العالمية , لذلك تعتبر الحكومة الصهيونية أن عدم إصدار موقف رسمي يعني أن الحكومة الفرنسية انضمت لدعوات المقاطعة التي تقودها منظمات دولية , وعلى رأسها الحركة العالمية
( BDSلمقاطعة إسرائيل )
( إسرائيل ) تعيش هاجس الكارثة التي تشكلها دعوات المقاطعة الدولية , وتقول إن تلك الدعوات تأتي في إطار حرب شرسة هدفها , سلب الشرعية عنها في المجتمع الدولي , وتصفها في كثير من الأحيان بأنها تندرج ضمن معاداة السامية , فيما يذهب محللون إسرائيليون إلى وصفها بأنها , تهديد وجودي وخطر , لا يقل عن الذي تشكله صواريخ حزب الله وحماس والبرنامج النووي الإيراني  .
وأكثر ما أثار حفيظة الكيان , الصمت الذي مارسته الحكومة الفرنسية , والذي يشكل برأيها بالأمر الخطير , الذي ربما مع الوقت يشكل غطاء من الشرعية , ويفتح الباب على الغارب من حملات المقاطعة , لذلك وفي حالة استباقية سارعت ( إسرائيل ) بالضغط على الجالية والمنظمات اليهودية في فرنسا , بهدف خلق ضغوط على مدير الشركة للتراجع عن التصريحات ؛ وإلا فإن ( إسرائيل ) تعرف كيف تدير الأزمة لصالحها ولو كلفها ذلك الضغط على الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ذاته لتقديم الاعتذار بشكل رسمي ! .
والتحرك بدأ من داخل الكيان , حيث نظم 400 عامل وموظف في شركة بارتنر تظاهرة احتجاجية ضد تصريحات ريشار , وغطوا شعار الشركة بالعلم الإسرائيلي , وقال مسؤولون إسرائيليون : أنه في حال أراد مدير عام الشركة تنفيذ تهديداته , فإن عليه أن يدفع مئات الملايين من الدولارات كتعويضات بموجب الشروط القانونية , في حين جاء الرد العملي على لسان وزيرة الثقافة والرياضة في الحكومة الصهيونية , ميري ريجيف بدعوتها الرئيس هولاند , إلى إقالة مدير الشركة , أو أن يتقدم باعتذار فوري على ما اعتبرته تشكل ‘‘ معاداة للسامية ’’ لافتة إلى أن الحكومة الفرنسية ملزمة بمواجهة مثل هذه النزعات , ومطالبة الجالية اليهودية في فرنسا والعالم بمقاطعة شركة أورانج , في حال لم يتراجع مديرها عن تصريحاته ؛ وتؤكد ريجيف :‘‘ آن الأوان لأن يفهم الجميع أن لدينا القوة اللازمة لمواجهة العنصرية ومعاداة السامية التي تمارس بحقنا , ولا ينبغي على المواطنين الإسرائيليين أن يجعلوا من بارتنر ضحية , لأنها شركة إسرائيلية توفر فرص عمل لآلاف المواطنين الإسرائيليين ’’ .
استغل زعيم المعارضة في الكنيست الإسرائيلي , يتسحاق هيرتسوغ هذه الأزمة وهاجم حكومة نتنياهو , وقال : ” إنها من تزود الداعين للمقاطعة بالذخيرة , وأن هذه الدعوات تمثل معاداة للسامية ولكن بثوب جديد , وعلى ( إسرائيل ) مواجهة هذه المعركة بكل قوة وحزم , لكن لا يمكن  تغافل دور الحكومة الإسرائيلية في استشراء مثل هذه الدعوات , وأن نتنياهو الذي يقف على رأس هذه الحكومة ,يزيد من فرص دعوات المقاطعة , ويغذي الشعور بالكراهية , تجاه الكيان , من خلال سياسته  التي تتميز بالبلادة واللامبالاة ’’.
إن زعيم كتلة المعارضة في الكنيست هيرتسوغ , يؤكد أن نتنياهو يكتفي بالتصريحات دون تفعيل الأدوات والآليات والكيانات الاستراتيجية التي يمكنها مواجهة مثل هذه الدعوات وأنه لا يمتلك سياسات جادة لمواجهة الحرب الجديدة التي تشنها المنظمات الدولية الداعمة للفلسطينيين , ويلجأ للتباكي ضاربا ً عرض الحائط بأسس الزعامة والقيادة .. وأزمة مع دولة كفرنسا يمكن لها أن تنعكس على الداخل الصهيوني . وزيرة ( العدل ) في حكومة الاحتلال , إيليت شاكيد , عبرت عن غضبها وشنت هجوما ً لاذعا ً على المكتب القانوني الذي يتولى الدفاع عن الحكومة الصهيونية في المحافل الدولية , قائلة :” إن رجال القانون الإسرائيليين غارقون في الخلافات الداخلية والنزاعات على المناصب , في وقت يسعى فيه أعداء إسرائيل إلى محوها من الخارطة العالمية .
مثل هذه الخلافات مع الكيان الصهيوني في العالم كثيرة وكثيرة جدا ً؛ وسرعان ما تنتهي ؛ لعدم وجود الاستراتيجية العربية في استغلال مثل هذه الأزمات , وبالتالي لو وجد ستيفان ريشار دعم مالي وقانوني من الدول العربية ومنظمات تتعاطف مع القضية العادلة للعرب , والتي تقف موقف الضد مع الكيان الصهيوني , لعانت ( إسرائيل ) الكثير من المشاكل بهذا الخصوص , ولكن التمنيات لا يمكن أن تكون جزء من الاستراتيجيات , وبالتالي تنتهي الأزمة وتتقزم لمستوى الزوبعة في فنجان .