التسوية التفاوضية خيار حتمى للفلسطينيين والإسرائيليين!

سياسة واخبار (:::)
ناجي شراب – فلسطين المحتلة (:::)
قد يكون مفيدا أن نوضح دلالات المفاهيم والمفردات التى تستخدم فى توصيف حالة الصراع العربى الإسرائيلى ، ومن هذه المفردات المهم الوقوف عندها مفهوم المفاوضات والتسوية التفاوضية ،المفاوضات وسيلة وآداة كسائر الأدوات التى قد تلجأ إليها الدول لتحقيق اهدافها السياسية ، هى إدارة وتوظيف لعناصر القوة المتاحة والممكنة لكل طرف لفرض سياساته وأهدافه على الطرف الآخر، لذلك تتضمن قدرا كبيرا من السلوك القسرى وألإلزامى، وتتضمن سعى الطرف القوى لفرض مزيد من التنازلات على الطرف الضعيف، وهذا التوصيف ينطبق على المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، هى مفاوضات قوة ، ولذلك فشلت المفاوضات كآداة لحل الصراع او إدارته فى الوصول إلى إتفاق. وهو ما يعنى ان المفاوضات ليس بالضرورة ان تؤدى لتوقيع إتفاق. وليس لها علاقة بالإعتراف بين المتخاصمين والمتنازعين او المتحاربين،اما التسوية التفاوضية فهى خيار وإستراتيجية عليا، وإذا ما توفرت تنجح المفاوضات فى الهدف منها، التسوية التفاوضية تتعلق بالمدركات والقناعات السياسية للآطراف المتصارعة المتحاربة أن الخيارات العسكرية و، وخيار القوة لن يفضى إلى الوصول إلى تسوية تفاوضية لنزاع وصراع فشلت الحرب او القوة المسلحة فى حسمه. وهذه القناعات هى المحدد والشرط المسبق لنجاح اى مفاوضات والتوقيع على إتفاق تسوية تفاوضية ،جوهرها التوازن والتكافؤ فى الحقوق بعيدا عن فرض واقع تفاوضى يحمل فى جذوره مقومات وبذور الصراع. وهذا ما يفسر لنا على مستوى العلاقات الدولية وإستنادا لنظرية القوة،ان أى إتفاق ليس مقدسا، وقد يخضع للتغير فى موازين القوة ، ويذهب البعض فى تشاؤمه للقول ان أى إتفاق مبنى على القوة لا يساوى المداد الذى كتب به. وهذا ما يفسر لنا فشل كل الإتفاقات التى وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل والتى تضمنت إعترافا من المنظمة بإسرائيل كدولة ، لكن إسرائيل لم تتحرر من مفاهيم القوة التى ترى انها الوسيلة الوحيدة لبقائها وأمنها، وهذا الفشل هو الذى يقف وراء تجدد الصراع فى صور كثير أبرزها ثلاثة حروب على غزة ، وتوغلات وإعتقالات يومية للآراضى الفلسطينية ،وإنتهاك للسلطة الفلسطينية ووجودها والتعامل معها وكأنها شرطى حدود. هذه المفاهيم والتصورات تقف ورائها أيدولوجية يمينية متشددة حكمت الحكومات الإسرائيلية ، وتحكم الحكومة الحالية بتركيبتها اليمينية المتشددة المتغطرسة التى تحمل بذور التهديد لإسرائيل قبل الفلسطينيين. ومناسبة هذا الحديث تجدد التساؤلات عن إمكانية التفاوض مع مثل هذه حكومة فى إسرائيل، والإجابة قاطعة وواضحة ان المفاوضات كآداة للوصول إلى تسوية تفاوضية لم تعد قائمة ، ولا بد من البحث عن الخيارات الأخرى ، لكن مع التاكيد فى الوقت ذاته ان الآدوات الأخرى هدفها فى النهاية هو الوصول إلى تسوية تفاوضية تقوم على مبدا التوازن فى الحقوق، ومبدا كما ان إسرائيل دولة فلا بد من قيام فلسطين كدولة ، هذا هو أساس اى تسوية تفاوضية مع إسرائيل دولة مقابل دولة . وهذه القاعدة التفاوضية هى أساس مبدأ السلام مقابل السلام ، التحرر من الأمن مقابل االسلام و ألأرض مقابل السلام. هذه القاعدة لا تقف عند الحدود السيادية للدولة ، بل قد تقود لمفهوم الدولة الوظيفية ، والدولة الإقتصادية بل وحتى مفهوم الدولة المجتمعية الإنسانية ، وهو فى النهاية ما قد يرسى  لتسوية تفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا تقف عند حدود التسوية السياسة ،بل قد تتعمق فى علاقات وصور من التعاون والتكامل بين الطرفين معه يمكن إعادة بناء منظومة من القيم تقوم على التعايش والتسامح والقبول المشترك، تنتفى معها قيم الصراع والعدائية والكراهية وعدم القبول، تسوية تاخذ فى الإعتبار خصوصية الحالة الفلسطينية الإسرائيلية ، والقدرية الجغرافية ، وحتى البشرية المتداخلة ، والتى رأينا منها صورا كثيرة فى بداية التسوية التفاوضية التى لم تكتمل من لقاءات متبادلة ، وعمال يشتغلون فى داخل إسرائيل، ولقاءات رجال اعمال وأكاديميين وطلاب ، وغير ذلك من صور التعايش، والتى اعتقد جازما ان منها الكثير حتى فى العلاقات الجامعية فى الخارج مثلا، والتفاعل بين النخب الأكاديمية وكم من القدرات البشرية الفلسطينية تتلمذ على يد اساتذة يهود فى الجامعات الأجنبية ، والتفاعل او يسمي بالعلاج  الصحى . وقد يقول قائل اننى ادعو إلى التطبيع بين الطرفين . ومن ناحيتى نعم ولكن فى إطار التسوية التفاوضية العادلة ،اى ان يكون الهدف من كل هذه الصور هو الوصول إلى هذه التسوية ، والتى لن تقتصر تداعياتها ألإيجابية على الطرفين الفلسطينى وألإسرائيلى ، بل قد تمتد إلى المستوى ألإقليمى ، ومن شأن ذلك ان تتغير مفهوم الدولة القانونية السيادية ، لتحل محلها مفهوم الدولة الإنسانية الواحدة التى تسعى إليها هذه التسوية التفاوضية. وإذا ما تحقق ذلك فسيكون ذلك بداية لنظام جديد من التفاعل الذى يخدم المواطن فى كل مكان، وتنتفى معه كل إحتمالات الصراع، وستنتزع كل مبررات التشدد والتطرف، وقد يكون ذلك احد اهم الطرق لإحتواء موجة الإرهاب التى قد تنتشر لتشكل التهديد الحقيقي ليس فقط لإسرائيل بل لكل دول المنطقة . هذه مجرد رؤية شخصية لمفهوم التسوية التفاوضية ، وآليات حل الصراع العربى الإسرئيلى بعيدا عن مفاهيم القوة والعصب اليدولوجى ألأعمى الذى لا يرى إلا نفسه.وفى المقالة القادمة سأتناول بيئة ومحددات هذه التسوية التفاوضية.
دكتور ناجى شراب
drnagish@gmail.com