اراء حرة (:::)
بقلم: د. أشرف طلبه الفرا – فلسطين المحتلة (:::)
لا شك أن مرتكزات وثوابت السياسية الخارجية الأمريكية تقوم على حماية أمن ومصالح إسرائيل، ودعم الاستيطان من منطلقات عقائدية، والضغط على النظام الإقليمي لرسم خارطة سياسية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط تكون إسرائيل دولة مركز فيها. كما أن الولايات المتحدة ترى في عدم إتمام اتفاق المصالحة بين حركتي حماس وفتح مصلحة لها ولحليفتها إسرائيل؛ حيث أنه من شأن توقف السير في الاتفاق أن يزيد من تأزم العلاقات بين فتح وحماس، ومن ثم زيادة ضعف وانقسام الفلسطينيين جغرافياً وسياسياً واستراتيجيا، ولا تريد الولايات المتحدة أن تحصل حماس على شرعية قانونية ودولية عبر انخراطها في أية حكومة فلسطينية أو المجلس الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير؛ لأن مطالب حماس مهما انخفضت فإنها سترفع من سقف وقوة وتماسك المطالب الفلسطينية في مواجهة إسرائيل والمجتمع الدولي.
إلا أنه في الوقت الذي ترفض فيه الولايات المتحدة الاعتراف بحركة حماس فإنها لا تنكر كونها فاعلا فلسطينيا وإقليميا مؤثرا، وقد علمتنا تجربة السنوات الماضية، أن ما كان يعتقد أنه ثوابت وخطوط حمراء في العلاقات الفلسطينية الأمريكية والفلسطينية الإسرائيلية لم يعد كذلك بعد حين. وقد حدث هذا في السابق بوجود حوار بين واشنطن والإخوان المسلمين في غير عاصمة وبقعة، ومن الطبيعي أيضاً أن يحدث هذا الحوار مع حركة حماس، وذلك من خلال اللقاءات غير الرسمية التي أجرته وتجريها واشنطن مع بعض قادة الحركة عن طريق عدد من السياسيين الأمريكيين السابقين.
ولعل الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر إلى قطاع غزة لا تقتصر فقط كما هو شائع بإجراء مباحثات مع حركة لإحياء وساطة بين الحركة وفتح لإتمام المصالحة الفلسطينية، والتي لا تهم الادارة الامريكية كثيراً. بل تحاول واشنطن أن تمارس نوعا من سياسية الاتزان في التعامل مع الحركة بهدف احتوائها أو على أقل تقدير دفعها لان تكون أكثر مرونة وقبولا بالتسوية السياسية بعدما فشلت سياسة الحصار والضغوطات الامريكية المفروضة على الحركة، ويتركز هذا في الأساس حول وقف المقاومة المسلحة واطلاق الصواريخ اتجاه اسرائيل ووقف بناء الانفاق والعمل على وجود هدنة طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل، ناهيك عن معرفة مصير الجنود الاسرائيليين المختفين منذ الحرب الاسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة, ويكون هذا مقابل اعادة اعمار قطاع غزة، وتحسين ظروفه الاقتصادية، وقد يتطور الأمر الى فتح اتصالات بشكل أو بأخر بين حركة حماس والمجتمع الدولي وفقاً لشروط معينة بين الطرفين.
وهذا يتطلب من حركة حماس قدراً من التكيف مع شروط اللعبة السياسية الجديدة، فمن له قواعد ونفوذ على الأرض، سيحرص على إدامتها وتفعيلها وقطف ثمارها، وسيجد الآخرون أنفسهم مجبرين على التعامل مع القوى القائمة على الأرض. وبالتالي لابد أن تعي الحركة متطلبات المرحلة الراهنة، وهنا لا أقصد الدخول في تنازلات هنا أو هناك، ولكن العمل على معرفة ما هو مطلوب تنفيذه في هذه المرحلة الحرجة، وأن تدرك الحركة تماماً أن لهذه المرحلة قواعد وقوانين خاصة بها، تضبط علاقاتها، وتحدد ملامحها، وعلى الحركة أن تعيها أولاً، وأن تفهم مضامينها وأساليبها، لتتمكن من التأثير فيها دون أن تتأثر خصوصيتها كما تدعي، وتتمكن من إدارتها بما يقتضيه الحال ويتطلبه الواقع الذي يفرض على حماس التحرك السريع نحو تنفيذ حقيقي للمصالحة والاتفاق على برنامج سياسي واضح مع مختلف القوى والفصائل الفلسطينية حتي تتمكن مواجهة ما هو مطلوب منها, وإلا فإن البقاء بعيداً عن أضواء السياسة، والانزواء ضمن دائرة العمل الاجتماعي المحض هو أجدى وأنفع حتى تتهيأ الظروف المناسبة لصالح حركة حماس.