حزب الله .. عملية محكمَة بامتياز

سياسةواخبار (:::)
د. فايز رشيد – فلسطين المحتلة (:::)
لا تستطيع إلا الإنحناء أمام العمل البطولي .. الذي يعبّر عمّا  يعتمل بداخلنا للفعل المقاوم …الفعل الذي يفهمه العدو .. المتغطرس , العنجهي .. العنصري المجرم . هو ينطلق في ممارساته  من أن أمتنا عاجزة .. قاصرة .. قادر على إخضاعها بالقوة! يعتقد أن هذا فقط ما يفهمه العرب! الأعداء ليسوا أقوياء  ولا سوبرمانيين! انتصاراتهم تأتي على ضعفنا ! انتصاراتهم تأتي لأن حكوماتنا عاجزةعن إعداد الخطط لمواجهتهم والتعامل بالمثل مع صلفهم! انحازت حكوماتنا إلى ما تعتقده سلاما مع الكيان! إما هي لا تقرأ عدونا الذي يؤكد بالمعنى العملي (وليس التصريحات السياسية البراقة) احتقاره للسلام .. احتقاره لأمتنا ولشعوبنا , أو أنها تريد الخلاص من تحد مفروض عليها… أذكر جملة معبرة نطقها قدّيس النضال التحرري  في أمريكا اللاتينية خوسيه مارتيه: “من الخطأ أن تفتعل معركة .. لكن من العار أن تهرب من معركة فـُرضت عليك”. دولة الكيان  هي التي فرضت وتفرض علينا المعارك ..إن باغتصابها لفلسطين العربية أو بعدوانها المتكرر على شعبنا وأمتنا..الكيان يريد استسلام  العرب .. الأعداء يريدوننا إمّعات مطيعات لتحقيق أحلامهم ومخططاتهم ! عدونا لا يعرف سوى لغة القوة , وإجباره على الرضوخ لحقوق شعبنا وامتنا. عدو لا يعترف ولا ينتهج سوى شريعة الغاب ولغة الإجرام ..فأي سلام عادل سيستجيب له؟.
توقيت ونوعية  وطريقة وتخطيط  رد حزب الله : هو تعبير عن مضمون إرادة  شعبنا وأمتنا .. الرد يعيد شيئا من الإعتبار لتاريخنا وتراثنا وعزتنا وكبريائنا.. وقبل كل شيىء كرامتنا المهدورة  عل أبواب قاعات التسول والتوسل .. من كل هذه المعاني ينطلق رد حزب الله الذي جاء سريعا .. ففهم الحزب لجملة ” سيكون ردنا في الوقت المناسب ” ليس تهربا من مسؤلية ولا إسقاطا لعجز .. إنه الإصرار على حق الرد بطريقة أكثر إيلاما للعدو  وبطريقة لا تعتمد رد الفعل السريع ,وإنما الرد الهاديء  تخطيطا والموجع وقعا .نحيي الأبطال الذين اتخذوا القرار وقاموا بتنفيذ العملية.لعل من أبرز من يفهمون حقيقة المشروع الصهيوني في منطقتنا العربية هو الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله.. فالسامع لخطاباته والمشاهد للقاءاته يلحظ بوضوح مدى تعمقه ومتابعته لما يدور في الداخل الإسرائيلي , وعلى هذا الأساس رسم وحزبه استراتيجية الصراع مع العدوكخيار لا مفر ولا مهرب منه.
استراتيجية الامين العام وحزبه لا تنطلق من اعتقاد ديني ,فحسب بل هي مجبولة بمعرفة عميقة للعدو على قاعدة قديمة أثبتت صحتها ودقتها وهي  قاعدة هنيبعل :إعرف عدوك.. فبدون معرفة العدو لن تستطيع الإنتصار عليه . كذلك : مقاومة حزب الله دينامية متحركة بالمعنى الواسع للتعبير, خططها قائمة وفقا لحركة العدو وقواته على الأرض ,ومبنية على متابعة استخباراتية دقيقة له. كل ذلك وإضافة إلى الإرادة والإصرار والتدريب الجيد وامتلاك السلاح .. كفيل بنجاح مطلق عملية مقاومة, ومن كل هذه العناصر جاءت مفاجأة العملية للعدو ونجاحها الباهر.
إن أحد أهم “قواعد الأمن” الإسرائيلية تتلخص في: منع أية دولة أو قوة عربية من امتلاك وضع تشكل  فيه تهديدا استراتيجيا لإسرائيل حاليا ومستقبلا, وفي سبيل ذلك فإن العدو يعمل على ضرب وتدمير هذه القوة ,وأيضا يعمل على تطويعها عبر وسائل وسبل شتى . من هذه الخلفية جاءت الضربات العسكرية والسياسية المتتالية لقوى الثورة الفلسطينية في محاولة دفعها إلى الحد من طموحاتها( كتحرير كل فلسطين)والوصول بها وبشعبها إلى وضع الاعتقاد بـ “لاجدوى النضال المسلح” , هذا يتساير مع مبادرات سياسية من خلال الطرح الأمريكي – الغربي والدولي لها ,وهو ما حصل لدى قيادات بعض الفصائل الفلسطينية والقيادة المتحكمة في م.ت.ف : حل الدولتين, اعتماد المفاضات فقط نهجا استراتيجيا وخيارا وحيدا للوصول إلى بعض الحقوق الوطنية.ترافق ذلك وما يزال مع حملة إعلامية لتحويل تعبير “المقاومة” إلى “إرهاب”.
الكيان حاول ويحاول تطويع حزب الله , وصولا به إلى الانقياد لما تريده من احتكامه لقواعدها الأمنية. على هذا الأساس جرى اغتيال القائد الشهيد عماد مغنية والمسؤول  الشهيد حسن اللقيس , كما جرت الضربة الأخيرة لثلة من المسؤولين في حزب الله في عملية القنيطرة والتي هدف العدو منها أيضا: توجيه رسالة إلى  كل من إيران والحزب مفادها:تحذير ضمني للحزب وحليفتيه  من ممارسة أية مقاومة ضد إسرائيل من سوريا.رد الحزب على اغتيال الشهيدين مغنية واللقيس لم يكن بارزا وواضحا وملموسا , الأمر الذي زاد من اعتقاد الكيان     بإمكانية إخضاع الحزب لقواعد اللعبة بين الطرفين في سوريا كما في الجنوب اللبناني , فالهدنة القائمة بين الجانبين ترضي إسرائيل .. ولا تقنعها بشكل استراتيجي ,معتمدة  في تأجيج الوضع في الساحة اللبنانية لتصاعد الكثير من القوى والأحزاب اللبنانية بـ نزع سلاح حزب الله. من كل هذه المعاني جاءت العملية الصهيونية والرد عليها من قبل الحزب .
أيضا أراد الحزب من رده توجيه رسائل عديدة إلى إسرائيل : لم يفتقد قدرته الردعية رغم انخراطه في معارك سورية , وأنه ما يزال قادرا على الإمساك بـ “توازن الرعب” , وأن زمن العربدة الإسرائيلية دون رد مضى إلى غير رجعة, وأن تماسك أطراف جبهة المقاومة ما يزال قويا . جملة القول أن رد الحزب كان محكما بامتياز.