التصنيف : سياسة واخبار (:::)
د. ناجي شراب – غزه- فلسطين المحتلة (:::)
بدلا من ان تقود القضية الفلسطينية غزة والضفة الغربية الى التوحد ، وألإندماج ، تقود غزة والضفة الغربية القضية الفلسطينية الى ألأنقسام والتفكك ، والذوبان فى جسدين أو كيانين صغيرين غير قادرين على البقاء وألأستمرارية ألا بالإعتماد والتبعية على غيرهما من كيانات مجاورة اقتصاديا وسياسيا ومعيشيا ، وفى هذا السياق تختزل القضية الفسطينية ، وتنصهر وتذوب كمن يضعها فى محلول للأنصهار يفكك أجزائها الرئيسة الكبرى الى وحدات صغيرة يصعب معها إعادتها ثانية ، لأن الجسد الكبير لم يعد قائما أو قادرا على أستيعابها . هذا هو الحال الفلسطينى السائد . وهذه المرة عملية الصهر والتذويب تتم بآليات فلسطينية ، مباشرة تقوم على تعميق آليات ألإنقسام ، ولم يعد مجديا معه كل المحاولات من اجل المصالحة وإنهاء ألأنقسام إذا كان الطرفان الرئيسان لا يريدان إنهاء هذا ألإنقسام البغيض. وننطلق من هذه الرؤية من عدة مسلمات أساسية : أولها إذا كانت التسوية السياسية مستحيلة للصراع العربى ألأسرائيلى ، وإذا كان قيام الدولة الفلسطينية تعترضه معوقات كبيرة تتمثل فى ألكتل الأستيطانية الكبيرة فى الضفة الغربية ومع إصدار قانون القومية اليهودية الذى يصادر أى أمل فى قيام حل الدولتين.، فالبديل لذلك هو تعميق وتشجيع فكرة الكيانية المستقلة فلسطينيا . وثانيا ، أن هناك تراجعا عربيا واضحا بالنسبة للقضية الفلسطينية ، ولم تعد قضية أولوية قومية ، أو انها عنصر رئيس من عناصر الأمن القومى العربى ، وذلك مع التحولات فى موازين القوى ألإقليمية ، وظهور بوادر جديده لمفهوم الخطر الخارجى مع تزايد دور القوى ألأقليمية المجاورة كأيران ، ومع أنشغال الدول العربية بقضاياها الداخلية التي تستحوذ على قدراتها وتعرضها لحالة من التشرذم السياسى الجديد ، واساس هذا التشرذم الإنقسام الفلسطينى. ، وعليه فيتحمل الفلسطينيون مسؤولياتهم المباشرة فى ادارة قضيتهم ، وليتحملوا مسؤولية خياراتهم . وإذا كانوا يريدون ألإنقسام فهذا خيارهم . وثالثا أن المجتمع الدولى والولايات المتحدة لم يعد قادرا على فرض تسوية نهائية أو حتى قيام الدولة الفلسطينية الفعلية والحقيقية ، على الرغم من ألأعترافات المتزايدة من قبل برلمانات الدول الأوربية بهذه الدولة لكنه وعلى أهميته يبقى رمزيا، ويحتاج إلى إستراتيجية لفرضه على أرض الواقع بإنهاء الإحتلال ، وألإنقسام لن ينهى الإحتلال بل يعمقه ، والكل يتحمل مسؤولية إستمرار الإحتلال.، ولذلك البديل لذلك كيانات سياسية منفصله لا ترقى الى مستوى الدولة وألأعتراف الرسمى ،. ورابعا وهذا الخيار خيار ألأنقسام السياسى وتحويله الى إنقسام بنيوى متجذر فى كل من غزة والضفة الغربية يتوافق مع مصلحة أسرائيل فى عدم قيام الدولة الفلسطينية المتكامله سكانيا وجغرافيا وأقتصاديا ، فالتحدى الذى يواجه أسرائيل اليوم هو التحدى السكانى الفلسطينى ، وأفضل الخيارات لإحتواء تداعياته على مستقبل أسرئيل هو فى تجزأته وتفريغه من عناصر قوته ، وهذا لا يتحقق الا بالفصل ألأقليمى المكانى الذى تتحكم فيه أسرائيل ، وهذا أفضل الضمانات التى يمكن ان تعتمد عليها إسرائيل مستقبلا ، كيانان منفصلان متناقضان متباعدان يمكن أحتوائهما أمنيا وعسكريا وأقتصاديا ، هذا هو البديل لقيام الدولة الفلسطينية ، وإمتدادا لهذه المصلحة ألأسرائيلية تضع إسرائيل هذا الوضع الفلسطينى أمام خيارات عربية حتمية ، وخصوصا بالنسبة لعلاقة غزة بمصر ، وعلاقة الضفة الغربية بالأردن ، ومن ثم امكانية البحث عن صيغ جديده للعلاقة بينهما ، وليس بالضرورة أن تكون فى شكل إندماج، أو مسؤولية مباشرة . ومما يؤكد على صحة هذه الرؤية ما صدر من وثائق ويكيليكس التى تؤكد مصلحة أسرائيل فى إستمرار خيار ألإنقسام . وخامسا وهنا تكمن المفارقة السياسية الفلسطينية أن الفلسطينيين ورغم ادراكهم بكل هذه المخاطر وتداعياتها على مستقبل القضية الفلسطينية يعملون فى اتجاه تعميق هذا الخيار ، من خلال تعميق جذور التناقض فى الرؤيتين السياسيتين لحركتى حماس وفتح ، وفى أطار هذه الرؤية بدأت معالم ومظاهر سيطرة المتشددين فى كلا الحركتين على إستمرار هذا ألأنقسام ، تحت ذرائع ومبررات غير واقعية ، وفيها قدر كبير من الخداع والوهم. ومن شأن هذا الوهم السياسى ان يذيب خيار المقاومة وخيار المفاوضات ، فخيار المقاومة لن يكون مجديا من غزة التى يترسخ فيها كيان حكم ذاتى محدود قد يرضي أهداف حركة حماس البعيده لأن خيار المقاومة فى هذه الحالة سيتحول الى مواجهة عسكرية واحتلال وتدمير للبنية التحتية ، وقد يجد مبررا دوليا ، وأما خيار المفاوضات فسينتهى بقيام الكيان السياسى الموازى فى الضفة الغربية حتى لو أخذ أسم دولة فلسطينية ، لكنها ستكون دولة بمقياس إسرائيلى ، وهى لا تعدو ان تكون اشبه بلعبة الميكى ماوس ، دولة قزمية ،صغيرة تابعة أقتصاديا وسياسيا ، وتفتقر لمقومات البقاء وألأستمرارية ، وفى سبيل البقاء لا بد من البحث سواء فى غزة أو الضفة على سبل البقاء ، ، لعل وعسى فى القريب البعيد يتحولان الى واقعين سياسيين يقبلان بالوجود ألإسرائيلى كما تريد اسرائيل. وأخيرا ماذا يريد الفلسطينيون الضفة الغربية وغزة أم القضية والدولة الفلسطينية؟
دكتور ناجى صادق شراب |
drnagish@gmail.com