واشنطن ولندن وباريس .. وتحريف ‘‘الميركانتيلية’’ في الشرق الأوسط

التصنيف : دراسات (:::)
محمدعياش – فلسطين المحتلة (:::)
في سياق التحولات التي سادت القارة العجوز , أوروبا الممتدة من القرن الخامس عشر إلى منتصف القرن الثامن عشر , حيث اعتمدت على عدة مبادئ أبرزها , اعتبار الذهب والفضة أساس القوة لأي بلد , ورفع الصادرات وتقليص الواردات بهدف تحقيق فائض في الميزان التجاري , وحماية الإنتاج عن طريق فرض قيود على الواردات , وإنشاء شركات تجارية ضخمة قصد التحكم في التجارة الدولية . تجد نفسها مضطرة لاختصار هذه المبادئ باللجوء للطرق الأسرع للحصول على ما تريد ولو كان هذا الطريق هو الاعتداء على بلدان العالم وسرقة ثرواتهم وخيراتهم .

ومن هذه التحولات , الاقتصادية  والانتقال التدريجي من الفلاحة إلى التجارة والخدمات , والاجتماعية نتيجة تراجع الطبقة ‘‘ الفيودالية ’’ , والنمو التدريجي للبرجوازية , وفكرية بانتشار الحركات الإنسية , وأخيرا ً السياسية التي أفضت لوضع أسس الدولة الحديثة في أوروبا والبحث عن مصادر الطاقة داخل القارة وخارجها لضمان استمراريتها وهنا بيت القصيد .. بهذا التفكير الساكسوني السادي قدمت أوروبا نفسها على أنها الأمة التي تستحق الحياة والبقاء , وتجلى ذلك بالبحث عن المناطق التي فيها غنىً بالثروات الباطنية وغير الباطنية , حيث لم تسلم ثلاثة أرباع الكرة الأرضية من الاحتلال الأوروبي . فتقريبا ً وعند ذكر التاريخ الأسود للاحتلال الأوروبي نقف أمام حقائق كثيرة , ودول كان لها باع كبير في هذا الصدد مثل , البرتغال , إيطاليا , ألمانيا , هولندا , إسبانية .. إلى أن انحصرت مؤخرا ً وثبتت على بريطانية التي لا تزال تحتل ( جزر فوكلاند ) الأرجنتينية رغم اعتراف الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية بسيادة الأرجنتين باعتبارها الوريث الوحيد للاحتلال الاسباني , وفرنسا التي لا تزال تعتبر الشمال الإفريقي إرث حقيقي , وامتداد  لإمبراطوريتها المزعومة , وواشنطن التي تتحكم بالعالم من خلال احتلالها لمجلس الأمن , والجمعية العامة للأمم المتحدة , والمحاكم الدولية منعا ً لمحاسبة ربيبتها ( إسرائيل ) وحمايتها ودعمها المطلق من أي محاولة لعزلها أو مجرد إدانتها وشجبها .

يتطلب منا عرض أجزاء من التاريخ , حتى نستطيع أن نقدم فكرة ثابتة عن الذين حرفوا المبادئ الأصلية للميركانتيلية , وأخذها للطريق الأسرع للنمو الاقتصادي وممارسة اللصوصية الكولونيالية العالمية مستغلة ً التأخر الذي أصاب بقية العالم والذي يسمونه : ‘‘دول العالم الثالث’’ وإيجاد الذراع والحجج والأكاذيب لإقناع العالم الثالث بضرورة مساعدته للوقوف على طريق الحضارة , بعد نهب الثروات وإغراقهم بالديون والسيطرة والتحكم على صناع القرار , وزاد على ذلك التدخلات بين الفينة والفينة لحماية المصالح وهذا ما شهدناه في مالي والتدخل العسكري الفرنسي  المباشر عام 2012 .

تحشد واشنطن تحالفا ً دوليا ً بقيادتها لمحاربة ما يسمى , الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ) على خلفية الممارسات الإرهابية التي تقوم بها في العراق والشام , وما تحمله هذه الجماعات من أفكار غريبة عجيبة .. وحتى اللحظة تم الإعلان على انضمام أكثر من 40 دولة لهذا التحالف وكما هو معروف تماما ً أن هذا التحالف بقيادة العواصم الثلاث !! هذه الدول أمنت وهيأت الرأي العام لدى مواطنيها وبقية العالم عن طريق وسائل الإعلام المسيطرة لتخوض حربا ً غير متكافئة !! لأن تنظيما ً جديدا ً مثل ( داعش ) والذي يقدر عدد مقاتليه حوالي واحد وثلاثين ألف مقاتل , ويمتلك من العتاد بنسبة متواضعة جدا ً قياسا ً وقدرات تلك الدول العريقة بأسلحتها وجاهزيتها , والواقع هو ما فرض هذه النظرية , لأن بعض الضربات الجوية التي باشرتها واشنطن وبمساعدة القوات الكردية ( البيشمركة ) تمكنت الأخيرة من استعادة الكثير من المناطق التي احتلتها ( داعش ) والسؤال لماذا هذا الحشد الدولي إذن ؟

العملية وببساطة شديدة إعادة رسم المنطقة , بما يتحقق والرغبات الصهيونية وتوصيات رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة بعدم تمكين إيران من التوصل إلى القنبلة الذرية وشرحه لذلك الإنجاز الإيراني ووضعه خطا ً أحمر على المشروع , واستباقا ً من أجل إيقاف الاتفاقيات الاقتصادية الناجحة والمهمة التي تقودها روسيا ومنعها من زيادة نفوذها وإعادة هيبتها إلى سابق عهدها لتبقى هذه العواصم وبفكرها الكلاسيكي القديم ( الشفاط ) الأول للموارد الهائلة التي تنعم فيها منطقة الشرق الأوسط , وجعلها سوقا ً كبيرا ً لجميع منتجاتها , وإغراق المنطقة بالخلافات المذهبية والطائفية وتسعيرها إلى أبعد حدود , ففي حقيقة الأمر المذهب الميركانتيلي مذهب رأسمالي بامتياز وتحقيقه على مبادئه كما أسلفنا يحتاج إلى سنوات طويلة , لكن تم اختصاره كما شرحنا بوجود العقلية الاحتلالية التي توفر لهم الرفاه الاقتصادي بصناعة الأعداء .. وصناعة الأسلحة المتطورة تحسبا ً لأي طارئ .

كاتب وباحث فلسطيني
Ayash322@hotmail.com