اليمن : ضحية الاعلام

 

 

التصنيف : اراء حرة (:::)
نبيل الهتاري – اليمن (:::)
على غرار الكثير من الدول العربية، تعيش اليمن في الوقت الراهن حالة من الانفلات الأمني عله لم يشهد لها مثيل في تاريخ اليمن منذ خروج الاحتلال العثماني حتى الآن رغم وجود كيان الدولة ومؤسساتها الهالكة والمتهالكة التي غدت مسرحاً واسعاً لثعالب السياسة وأصحاب النفوذ وحاملين السلاح. ونتيجة لهذا فالبلاد تسبح في دوامة عنيفة من النزاعات والصراعات السياسية والطائفية المنهجية، وغدت الإشاعة الإعلامية لها اليد العليا في التحكم بعقول العامة من الشعب وكسب ولاءهم المذهبي والسياسي على حد سواء.
تمتلك الدولة عدداً من الصحف اليومية والقنوات التلفزيونية والمجلات وكذلك كل حزب أو تكوين سياسي أو ديني له منابره الإعلامية الخاصة، بالإضافة إلى تجار الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصالات الأخرى. كل هذا الكم الهائل من وسائل نشر المعلومة بإمكانه أن يصنع صرحاً إعلامياً كبيراً يقنع العالم أن كل يمني ليس من تنظيم القاعدة مثلاً، ولكن في ظل الصراع الدامي بين الأحزاب السياسية والمذاهب الدينية تحولت كل هذه الوسائل إلى منابر لمهاجمة خصوم الداخل وتشوية سمعة المعارضين وكونت بوقاً ضخماً يصرّْ آذان العامة من المواطنين ويوجههم توجيهاً عنصرياً ويعمل على نشر الخلافات والترويج لثقافة العداء والفرقة فيما بينهم.
ونظراً لأن اليمن تمر بمرحلة عدم استقرار فكل تكتل سياسي يحاول لَمّْ أكبر عدد من المؤيدين والأنصار مستخدماً في سبيل ذلك كافة الوسائل الإعلامية ولكن ليس هذا هو العيب، وإنما العيب هو محاولة إقناع الناس بطرق غير اخلاقية كتشوية الآخر وإلباسه ثوب إبليس اللعين، وبشكل رئيسي نشر الإشاعات الكاذبة والترويج لها واشعال النار فيها بغرض تكوين صورة مشوهة للآخر وإن كانت لا تمس للواقع بصلة.
نعم قد يكون هناك حزب أفضل من حزب، وجماعة تتميز على أخرى ولكن أبلَسَة الناس في سبيل توسيع النفوذ الشعبي والسيطرة على الرأي العام أمر يولد حالة من الكره الأعمى للآخر بين أبناء البلد الواحد واعتبار من كان صديقاً حميماً بالأمس عدواً ومتآمراً وعميلاً اليوم.
فمثلاً حزب المؤتمر الشعبي العام المتمثل في النظام السابق وأعوانه لا يكلون ولا يملون في نشر التهم والأراجيف وتشوية صورة كل من أراد القيام بخطوة إيجابية ويحاول تهدئة الوضع العام للبلد، متجاوزين بذلك كل المعايير الصحافية والإعلامية والأخلاقية التي من الواجب توافرها في رجل الإعلام النزيه الملتزم بقوانين عمله وأخلاقيات مهنته. فالحكومة الحالية على سبيل المثال إذا ما اتخذت أي إجراء عقابي تجاه من يقومون بتخريب محطات توليد الطاقة الكهربائية نرى قنوات وصحف النظام السابق تنزل الويل والثبور على حكومة الوفاق وتتهمها بقتل المواطنين والاعتداء على حقوق الإنسان، وكأن هذا المخرب أو ذاك من حقوقه أن يتسبب في إبقاء شعب بأكمله في الظلام.
ونظراً للتزايد الحاد في منسوب الصحافة الإلكترونية فوسائل التواصل الاجتماعي  بدلاً من استغلالها في زيادة الوعي لدى المواطنين بضرورة الوقوف يداً واحدة وجنباً إلى جنب في سبيل تحسين الوضع المزرى للبلد غدت تشكل معاول هدم وساحات قتال بين الفرقاء السياسيين وكافة أبناء الوطن الواحد مدمرة بذلك عنصراً  أساسياً من عناصر الدولة ألا وهو الشعب. فالشعب – وغالبيته من العامة – أصبح عدواً لبعضه نتيجة لما يتم شحنه يومياً من الأخبار المبالغ فيها أو الشائعات التي تنتشر بين هؤلاء العوام كانتشار النار في الهشيم وفقاً لأيدولوجيات الأحزاب السياسية التي تتبنى أغلبيتها مبدأ الإشاعة بشكل كبير حتى تظهر بمظهر المحب للشعب أو بغرض تقبيح الآخر.
باختصار، الإعلام اليمني يعيش اليوم أشد مراحل انحطاطه وبسبب سياسته الفاشلة أصبح عدواً لليمن واليمنيين، وتحولت بسببه اليمن إلى خرابة ينعق فيها بوم المتمصلحين وأرض خصبة لشتلات الكذب والإشاعات.

باحث من اليمن