العرب..والتعددية القطبية الدولية الناشئة

 
التصنيف : اراء حرة (:::)
نايف عبوش – العراق (:::)
الهيمنة الامريكية الراهنة على مجلس الأمن الدولي،وتفردها بفرض ارادتها على مقدراته، باتت موضع انتقاد شديد من قبل الكثير من الاطراف الدولية،حيث أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية في نظر العديد من دول، وشعوب العالم، قوة عظمى متفردة، مستأثرة بمنافع الهيمنة، وتسعى لتحقيق مصالحها الخاصة دون الالتفات إلى مصالح الآخرين، ومن ثم اضحى الكثير من دول العالم غير راض عن وضع التفرد القائم على الاحادية القطبية، حتى ان الكثير من حلفاء الأمس باتوا اليوم يتطلعون نحو اقامة علاقات جديدة مع مراكز قوى أخرى، بسبب السياسة الأمريكية المحكومة بمصالحها الحيوية فقط، ومنهم بشكل خاص بلدان الخليج العربي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، حيث تجلى ذلك التطلع برفضها قبول عضوية مجلس الأمن،التي كانت قد فازت بها في 18 تشرين الاول من العام الماضي،وانفتاحها على بلدان شرق وجنوب شرق اسيا ،في تذمر واضح من سياسات المقاييس المزدوجة الامريكية في منطقة الشرق الأوسط،ولاسيما بعد ان ادارت ظهرها لحلفائها التقليديين من العرب، ومغادرتها صيغة سياسة التخادم مع النظام الإيراني، وشروعها بسياسة المشاركة معه بشكل مباشر في التعامل مع الاشكاليات الاقليمية.
وفي اطار تبلور مثل هذا الحس العام بالحاجة الى تجاوز حالة الهيمنة القطبية الاحادية ، فانه ينبغي وبقدر تعلق الامر بالعرب، ان تسعى كل دولة عربية بشكل منفرد، او ثنائي، او اقليمي، للشروع بإقامة علاقات تعاون جديدة متنوعة، ومتوازنة مع الاقطاب الناشئة،او تلك التي هي قيد التكوين، والبزوغ،بقصد قلقلة سطوة التفرد الاحادي في العلاقات الدولية،على امل التخلص من شرنقة هيمنة التفرد الامريكي،والتحرر من قيودها، بشكل يجعل علاقات العرب مع الاقطاب الناشئة الاخرى عامل دعم لنظام توازن دولي متعدد الاطراف بما فيه الولايات المتحدة الامريكية، بما هي القوة الاعظم في عالم اليوم،حيث الامن القومي العربي يتطلب تنويع العلاقات مع دول العالم،والأقطاب الدولية منها، على قاعدة الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة،وعدم التدخل في القرار الوطني، او التأثير فيه،ولاسيما بعدما لمس العرب أن السياسة الأميركية بتداعيات احتلالها العراق،وما تلاها من تداعيات أحداث ما بات يعرف بالربيع العربي المتلاحقة، قد خلطت أوراقها في الشرق الأوسط،حيث تجلى تخبطها بشكل واضح في موقفها المتردد من الاحداث في سورية ، وتواطئها مع جهات محلية لتفكيك وحدة اقطار الربيع العربي، في حين انها ادارت ظهرها لأقطار الخليج العربي،وهرولت صوب ايران، حيث عقدت صفقة شاملة معها،في اطار ما يبدو انه استراتيجية جديدة متوافقة مع اهداف مشروع ايران التوسعي، بكل ما يعكسه من اخطار جدية تهدد اقطار الخليج العربي وشعبه،ناهيك عن استمرارها بتأمين الدعم الصريح للكيان الصهيوني، ودعم تفوقه العسكري ،والاقتصادي، والفني، على العرب والتزامها المطلق بضمان امنه،والسكوت على ممارساته القمعية،وغض الطرف عن سياسته التهويدية بالتوسع في بناء المستوطنات، لتغيير المعالم الجغرافية، والديموغرافية، للأراضي الفلسطينية المحتلة،حيث لا يبدو ان الادارة الامريكية في وارد المغامرة بمصالحها في التخلي عن خدمة الكيان الصهيوني، ناهيك عن مراوغتها ازاء احتلال ايران الجزر العربية الثلاث، وتقديمها العراق للنظام الايراني على طبق من ذهب.
ومن هنا اصبح لزاما على العرب أن ينتبهوا لخطورة هذه الاستراتيجية البراغماتية المتغطرسة،وان يسعوا الى فك الارتباط الاوحد مع اميركا، بعد ان باتت حقيقة اهداف الاستراتيجية الامريكية لتمزيق الاقطار العربية واضحة الان في اطار ما اضحى يعرف باستراتيجية الشرق الاوسط الجديد، الامر الذي يستلزم من العرب الشروع بتنويع علاقاتهم الاستراتيجية الدولية مع الاقطاب الناشئة، على قاعدة المصالح المشتركة، والاحترام المتبادل،بما يضمن حماية مصالحهم، في اطار رؤية استراتيجية عربية جديدة، تمليها ضرورات المرحلة الراهنة، في عدم قصرعلاقاتهم على مجرد التحالف مع الغرب الأمريكي والأوربي،دون انتظار المزيد من دفع الثمن الباهض لتحالفهم التقليدي الابتزازي مع القطب الاوحد. وبذلك فان مصلحة العرب،بل وبقية اقطار العالم الثالث، تكمن اليوم في السعي الحثيث للمساعدة في تسريع بزوغ الاقطاب الدولية الجديدة سواء منها تلك التي هي قيد التكوين،او تلك التي هي في طور الولادة، لكي تتمكن من المناورة السياسية،وتتحرر من هيمنة مصالح قطب اوحد ينفرد في النفوذ الدولي، بما يتيحه تعدد الاقطاب في الساحة الدولية لها من فرصة العمل بحرية اوسع، بعيدا عن أي تأثيرات خارجية، اقليمية كانت، او دولية.