خرزه زرقاء لكل حاج خيفة الحسد !!

 

الرابط : اراء حرة (::::)

بقلم: وليد رباح (::::)

الحج أيام معدودات.. وبقدر المشقة يكون الأجر.. وحجاج الخيام المكيفة، والطعام السوبر.. والفندق ذي النجوم العشر، لهم من الأجر مثلما لي عندما أصوم فانام طيلة النهار واصحو في الليل.. فصائم النهار نائما مع التحايل على الله حسب (ما يقوله مخي) لا أجر له.. أما الحاج السوبر فعلمه عند ربي.. إذ حسب ما افهم كلما زاد التبريد نقص ذلك من أجره.. وكلما تمدد في فراشه مرتاحا قنن من حسناته في الميزان لتعطى لغيره ممن يعاني الحر والقر والحرمان والنوم على قارعة الطريق.

ومثلما يتغير الزمان فيبدل الحمار او الجمل بالطائرة.. يتغير ذلك الزمان أيضا فيستبدل الماء الحار بالبارد او المثلج.. ولا اعتراض على ذلك.. لكنني لا أستطيع أن افهم كيف ان حجاج السوبر لا يستطيعون تحمل اسبوعا من الحر والمشقة.. في وقت يحلفون فيه اغلظ الايمان انهم على سنة الصحابة والتابعين..

واتباع سنة الصحابة لا يكفي أن يكون في العبادة فقط إذ انها تحصيل حاصل ومفروضة قسرا.. في وسائلها وطرقها المختلفة.. وإحدى تلك الطرق تحمل أيام الحج المعدودات.. بما فيها من مر الإقامة وقسوتها ومناسكها.. وهي ليست دعوة لتعذيب النفس بالقدر التي هي تصفية لكل الشوائب التي رافقت رحلة الانسان المؤمن والزلات التي صاحبته في هذه الحياة..

ففي الحج كما نعلم يتساوى الإنسان المسلم مع اخيه.. ولا اقصد اخوة الدم والقرابة.. فيلبس الخفير والامير لباسا موحدا هي ملابس الإحرام بحيث لا تستطيع التمييز بينهما.. شكلاً.. ولكن التمييز يأتي في الموضوع عندما تنظر الى الأمير وهو ينام او يستريح في فندق ذي نجوم.. أما الخفير فبيته قارعة الطريق.. او الحرم.. يقضى فيه ايامه القصيرة متبتلا ثم يعود الى بلده لمجابهة الحياة.

ومن غريب الامر ان ترى من منحهم الله رزقا وفيرا وعولوا على الحج يختارون سبل الحياة الرخية بدءا من السفر وانتهاء بالمناسك.. وهذه السبل لا يعول عليها في هذه الرحلة.. كان يصروا على أن تكون إقامتهم في الطائرة لساعات في الدرجة الاولى مع ما يرافق ذلك من خدمات خاصة.. وكانهم بذلك سوف يصلون قبل ان يصل الآخرون .. تماما مثلما فعل الصعيدي عندما أصر على ركوب الدرجة الاولى في القطار لكي يصل قبل الركاب الآخرين.. ومثلما يصرون على البحث والتنقيب في شركات السفر عمن يقيم معهم في الغرف وماهية الخدمات المقدمة وبعد مسافة إقامتهم عن الحرم ونوعية الماء الذي يشربون والطعام الذي يقدم والموائد التي تعد.. وكأن بالحج فرصة لملء البطون والتنادي لاقامة الحفلات العامرة والخدمة (الممتازة).. في وقت يعلمون فيه ان هذه الرحلة فريضة يكون فيها الاجر على قدر المشقة..

ولا اريد ان اصف حاج الزمن القديم لان الزمان قد تغير.. ولا يطلب منا ان نحج على جمل في عصر الطائرة.. او اصطحاب حمار لحمل (اثقالنا) وقت وجود الحقائب وخدمة المطارات.. والرافعات الهيدوليكية التي تجنب الحاج إصابته بالفتاق.. فلكل (زمان دولة ورجال).. بل اطلب ان يحتمل الحاج بعض المشقة وصعوبتها طالما رغب في الحج ابتغاء تأدية الفريضة..

واني لاعتقد ان التمييز بين حاج وآخر في التعامل قد (اخترعته) شركات السياحة والسفر طلبا للربح وتكويش الاموال.. فالحاج السوبر في نظرها هو الذي ينتزع من جيبه رزم النقود ويلقيها أمام بائع التذاكر بعد تمحيص عن نوعية الخدمات.. أما الحاج الذي يسافر بالدرجة السياحية ولا يلقي بالا لنوعية الخدمات ولا يسأل عنها فلا يؤبه له وقت الحجز والسفر.. وكم من شركات سياحية وعدت بالخدمات لكنها لم تف بوعدها.. وكم من حجاج عانوا لكنهم في النهاية تساووا مع من دفع قيمة السوبر فحج كلاهما وعلم اجرهما عند ربي.

كل ما قيل في هذا الامر يرخص أمام من يتخذون من الحج وسيلة للرزق والتكسب .. واحيانا اللصوصية.. فموسم الحج كما هو عبادة فهو مجمع (للبزنس) اتخذه البعض هدفا ينتظرونه طيلة العام كيما تعمر جيوبهم بالنقود.. واول ذلك الرزق وآخره التكسب من وراء الحاج باضطهاده وعدم الإيفاء بما تعهدوا به يوم جاء للحجز بعد قراره بالحج.. فعند دخوله الى شركة السياحة يحولون له ماء البحر الى طحينة.. وعندما يصل هناك يجد ان ممثلي الشركات قد هربوا.. وذابوا مثل الملح في ماء ساخن.. إلا ما ندر.. ومن الغريب أن تدعي تلك الشركات قاطبة أنها شركات مسلمة (صافية النسب) واحيانا ما تجد صاحبها يربي لحية طويلة عريضة كثة متسخة.. ولا ينسى ان يلف حول رأسه عصابة خضراء مكتوب عليها بعض الايات الكريمة.. وهي عدة الشغل التي ينصب بها أولئك على الحجاج فيغرونهم بمخافة الله ورقة الحديث وطهارة المقصد..

اما ما يسيء فهو اجتماع اللصوص من كل حدب في هذا العالم وانتزاع الدريهمات من ثياب الحاج حتى أثناء طوافه.. وقد قرأت في عام ماض أن لصا قبضوا عليه كان يختزن في حقائبه مبلغا من المال تجاوز العشرين ألف بعملة (أمنا امريكا).. عوضا عن (الشحاذة) التي تسىء الى مظهر اللحظة الايمانية وتشوه منظر التقوى بالإلحاح والمسكنة.. وكم من لصوص تحولوا الى شحاذين عند وصولهم لأن الاولى تقطع فيها يد السارق اما الثانية فلا حكم عليها امام القضاء الشرعي..

ورغم كل ما كتبنا.. ورغم الصعوبات التي تجابهنا فاننا ما زلنا نحج ونذهب للبيت العتيق أملا في الغفران.. ولكننا ننسى دائما.. اننا عند العودة.. بحاجة ان نضع على ابواب منازلنا (مثل ايام زمان) خرزة زرقاء.. خيفة الحسد