ساح المكياج .. فظهرت على حقيقتها
بقلم : وليد رباح – نيوجرسي ….
بين يدي صورتين..أحداهما لجدتي يوم كانت صبية فيها من غبش التصوير ما فيها عندما كان المصور يدخل رأسه في كيس أسود اللون ولا أدري ما الذي كان يفعله فيه لكي يخرج لنا صورة قرد بدل الإنسان.. والأخرى لأمي يوم كان فن التصوير على شيء من التقدم.
ورغم أن الصورة الأولى لم تستخدم فيها تكنولوجية التصوير الحالي فقد كانت جدتي جميلة.. عيناها تمتد عريضة مثل عيني بقرة هولندية مكحلة.. وقد استخدمت لتكحيلهما (مرودا) ربما كانت عصاته مثل عصا سيدنا موسى عريضة وثخينة وذات حواف جارحة.. وربما آذت جدتي نفسها أو عينها عندما تكحلت بذلك المرود، ومع كل ذلك فإن خدودها موردة مثل التفاح، وفمها الضيق مثل زهرة برية لم تتفتح بعد، وحاجباها..آه من حاجبيها..إنهما مثل منجل الحصاد مرسومة على ورقة من البردي الفرعوني الجميل.. ويمتد عنقها عبر (الشال) الأبيض الذي تعتمره كأنما هي ملاك قادم من السماء لكي يمسح جراح الآخرين.
أما الصورة الأخرى.. تلك التي أمي ، فإنها تزخر بمزيج من الألوان مثل قوس قزح ،ورغم أنها كانت قد جاوزت الأربعين عندما تصورت إلا أنها من الواضح قد استخدمت كل الأدوات التي تجعل المراهقين يغرسون أظافرهم في حديد درابزين البيت عندما ينظرون إلى الصورة.
(فالريميل)الذي استخدمته أمي لتزيين عينيها كأنما صنع خصيصا لها في باريس، وعلبة البودرة الحمراء التي استخدمتها قد جعلت خدودها مثل تفاح الجبل ولكنه دون طعم.. ورموشها .. يا عيني على رموشها .. كانت واقفة مثل النخيل في صحراء قاحلة.. فإذا ما لامستها حقيقة خزت يدك كأنما هي مجموعة من المسامير مرشومة على جفنيها، ورغم أن عينيها ضيقة مثل (الصراصير في اللبن) فإنهما في الصورة قد أصبحتا مثل فناجين العسل.. واسعة وعريضة وذات حواف مخطوطة (بالبيكار) أما شعرها فينطبق عليه ما قاله المرحوم نزار قباني ووصفه بأنه مجنون ينفرد على كتفها مثل غجر بلادنا أيام الأعراس في ليالي الصيف.
وبين الجدة وابنتها .. كانت هناك المشكلة، فقد كان الناس يتزوجون (بطيخة) لا يدرون إن كانت قرعة أو حمراء.. ولكن الزواج يدوم طيلة العمر، أما في هذه الأيام فإن الناس يتزوجون (على السكين) وبعد زواج بالمجهر، ولكن الزواج ينتهي بعد بضعة اشهر أو سنوات على أبعد تقدير..
ورغم أن الناس كانوا يتبعون حيلا يوقعون بها بعض البلهاء ..كان يتزوج الرجل فتاة جميلة رآها وهي تملأ جرتها من (عين القرية) ثم يكتشف ليلة الدخلة بأنها قد تبدلت بأخرى، ربما كانت بعين واحدة أو مقطوعة الرجل أو حتى ضريرة أو تكتنفها الأمراض أو مقعدة أو غير ذلك.. إلا أن الزوج كان يرضي بنصيبه فيمضي طيلة عمره وهو يخدم زوجته الجديدة ولا يفكر في طلاقها لأن نصيبه قد قاده إليها.
أما في هذه الأيام، فقد يكتشف الرجل بعد الزواج وتحديدا في الأسبوع الأول أن الفتاة التي اختارها قلبه والتي حفيت قدماه وهو يحاول إقناعها بالزواج منه قد أفاقت من نومها دون أصباغ وظهر (القرد)على حقيقته فإنه ينسرب إلى أول قاض شرعي في طريقه لكي يقول له (امرأتي طالق بالثلاثة)
ليس ذلك فحسب.. بل إن أخلاق المرأة السالفة في بيتها تختلف اختلافا كليا عن أخلاق المرأة الحالية.. ليس بفعل التطور أو تقدم الزمن، ولكن بفعل بساطة الأولى وعنجهية الثانية.
وربما كان السبب الرئيسي في ذلك أن الأولى لم تستطع أن تغطي عيوبها مثلما تغطيها المرأة الحالية.. فقد كانت الأولى متواضعة إلى درجة الهبل، أما في هذا الزمن فإن المرأة (هبلة) إلى درجة التواضع.
وقد كانت الأولى صادقة في كل ما تقوله وما تفعله.. بسيطة بساطة شرب الماء..أما الثانية فإنها تكذب حتى تصدق كذبتها.
خذ مثلا : المرأة في ذلك الزمان كانت تدرك أنها جميلة .. ومع كل ذلك فإن هذا الجمال كان جمالا متواضعا تعرف أن الله منحه لها لكي تعطيه لزوجها فقط.. أما في الزمن الحالي، فإن الله إن منحها مسحة من الجمال فإنها تذرع الشوارع جيئة وذهابا لكي يشاهده الناس ويغدو منظرا لكل من هب ودب.. ليس ذلك فحسب ..فالأولى كانت تدرك أنها جميلة أو بشعة، تعرف ذلك جيدا فترضى بما قسمه الله ، أما الثانية فإنها إن كانت بشعة فإنها تظن أنها أجمل ما خلق الله ..إذ يكفي أن تكون جميلة في نظر نفسها، وقد يتعوذ زوجها من الشيطان عندما تنهض من نومها دون أصباغ، فعينيها ضيقة مثل بيوت النمل.. ولكنها تظن نفسها أنها فريدة عصرها وقائدة عسكرها.. ووجهها مسطح مثل مسطرة عليها أرقام حسابية، ولكنها تظن أن هذا الوجد فريد في شكله ونوعه وتخلق منه أسطورة بين صويحباتها.. وخدودها بارزة مثل المسامير في أكفان الموتى ولكنها تظن أن تلك الخدود مثل الإجاص الفلاحي المروي على طريقة مطر السماء، وليس على طريقة التنقيط الحديثة.. وجسدها (مدعدر) هنا ومسحوب هناك مثل (سيجارة اللف العربية)ولكنها تقف أمام المرآة ساعات طويلة لكي تتغزل بجسمها الملفوف مثل لفات الخس الطرية المتناسقة ..فإن قلت لها غير ذلك فالمصيبة قد تقع .. وقد تطلب منك الطلاق فحاذر!!
وقد تلجأ امرأة العصر الحديث إلى محاولة تغييب عيوبها كأن تلبس مشدا محزوقا عليها وتحشر نفسها فيه فتغدو مثل (الروبوت المتنقل) أما سيدتنا القديمة فقد اختارت أن تستنشق الهواء العليل وتأكل الطعام الطبيعي الذي لا تخالطه الكيمياء فغدا جسمها ممشوقا مثل مطرق الرمان الطري.
أما في العمل فحدث ولا حرج.. فلا ينكر أحد أن المرأة الأولى كانت عاملة في حقلها أو حتى (حاكورة)بيتها.. وقد تتسخ ملابسها وقدميها (لأنها كانت تسير في معظم الأحيان دون حذاء) ولكن المساء عندها شيء آخر.. فقد كان الزوج يأتي لكي يرى امرأة مختلفة عما شاهده في الحقل.. نظيفة الثياب والوجه والخلق.
أما في عصر ( الحب غير العذري) هذا فإن المرأة ترسم جسمها في العمل على (البيكار) وتتحدث إليك بكل إتيكيت الكلام الجميل، ولكنها في بيتها شيء آخر، إذ ما أن تأتي إلى فراشها في الليل فإن رائحة الكلوروكس وأدوات التنظيف تجعلك تقفز من فراشك إلى (الكاوتش) بحجة أنك سوف ترى برامج التلفزيون وفي الحقيقة أنك تهرب من هذه الرائحة.
وقد كانت الأولى ترضى بالقليل القليل إن كان زوجها معسرا ، ففستان واحد في السنة ربما يكفيها شر الموضات التي تقتلنا في هذه الأيام ، وقد يأتي لها الزوج بفستان آخر على عيد الأضحى أو الفطر أو الفصح أو أي عيد آخر، فترضى وتبتسم وتشكره ويكمن في قلبها دفق من الحنان والحب الذي لا يتصوره إنسان.. أما امرأة اليوم فإنها تكدس الفساتين والذهب والخواتم والصباغ والدولارات والليرات، ولكنها في النهاية تلقي بكل فساتينها وأحذيتها في أكياس الزبالة لأنها لم تعد تجاري الموضة، فقد تغير كل شيء في هذا العام عن العام الماضي ولم يعد ملائما لها.
وقد نتحدث عن الفشخرة الكاذبة.. فالمرأةبالأمس كانت لا تعرف معنى كلمة (الفشخرة) إذ كان الناس يعرفون إن كان زوجها غنيا أو فقيرا منذ اللحظة الأولى التي ينظرون فيها إلى وجهها، فقد كان الوجه مرآة صادقة لما في داخلها. أما اليوم ، فلم تعد تعرف إن كان الزوج غنيا أو فقيرا، بسيطا أو متعجرفا، وذلك بفعل ما تقوم به زوجته من خراب لبيته لشراء ما يجاري جاراتها أو من تعرفهن من النساء.
فإن اشترت أم العبد فستانا بخمسمائة دولار مثلا، فإن صبحية يجب أن تشتري نفس الفستان بنفس المبلغ، فجارتها ليست أحسن منها، وحتى وإن كان زوجها لا يمتلك الدولارات المطلوبة فإنها على استعداد لأن تجبره على الاستدانة حتى تبقى في نظر جارتها غنية وتلبس احدث ما ابتكرته قريحة (أنطونيو) مصمم الأزياء في دولة المالديف.
وقس على ذلك ما يمكن أن ينطبق عليه الوضع، فإن اشترت إحداهن تلفزيونا جديدا أكبر من تلفزيون جارتها فهي تريد مثله، وإن عطست جارتها فيجب أن تعطس مثلها .. وإن اشترت شيئا حتى وإن كان كماليا لا يستفيد منه البيت فيجب أن تشتري مثله .. وكم من النساء يملأن أكياس القمامة بأشياء دفعت أثمانها آلافا من الدولارات يوم كانت محتاجة لتلك الأشياء ثم استغنت عنها لأنها لا تريد أن تكون (متخلفة) وتستخدم تكنولوجيا قديمة كما تقول .
وأخيرا.. هل امرأة اليوم هي حفيدة امرأة الأمس.. أغلب الظن أن ذلك مشكوك فيه، فمن حيث عملية التطور والخلق فهو صحيح . أما من الناحية السيكولوجية فذلك أمر آخر، إلا ما ندر ولكل قاعدة شواذ.
لقد كانت المرأة الأولى جدتنا، أما المرأة الحديثة فهي زوجتنا وأختنا وربما كانت أمنا، ولكن الذي يظل قائما ولا مجال للتغيير فيه، أن المرأة الحديثة لا تحتمل النقد ولا تحتمل قولة الحق ، فبعد كل هذه الطائفة من المجانسة والمقارنة، فإننا نعرف أننا سوف نتلقى العديد من المكالمات الهاتفية من نساء العرب في هذه الناحية من العالم.. بعضهن يشتم ، وبعضهن يسخر.. والبعض الآخر ممن بلغ بهن السن حدا أصبحن فيه كاملات العقل.. سوف يقلن لنا بارك الله فيكم.. فقد (فششتم فشتنا) وقلتم ما لم نستطع قوله ( لكناتنا ) اللواتي استولين على أبنائنا ويعاملوهم كما تقولون في مقالتكم هذه.
ويقينا أننا مع العجائز في آرائهن، فهن الخير والبركة.. وهن اللواتي فتحن لنا الطريق إلى هذه الحياة بخيرها وشرها.. حلوها ومرها.. وهن اللواتي تحملن من عبء الحياة ما لم تحتمله المرأة الحديثة التي عاشت وتعيش على الحليب والبسكويت (السيريال) إضافة إلى الهامبورغر والهوت دوج والمشاوي المحروقة حتى تتخن او لا تتخن أو يختل جسدها..