القصة ….
قلم : جميل حلاوه – الدانمارك
نهض من فراشه كالملسوع ، بسبب صوت مألوف لديه وكأنه طحن حجارة. أسرع قبل ان تستيقظ الحارة بكاملها مرعوبة وقفز إلى السيارة الخاصة بالعمل ولكنها لم تنطلق وإنما زحفت ببطء شديد تترنح بينما تزينها ألواح خشبية ونايلون يغطي نوافذ السيارة بدل الزجاج.
وصلت السيارة بصعوبة الى إحدى التلال التي تتربع فوقها فيلا أحد المسؤولين محاطة بالسيارات الحديثة الفارهة تحرسها كالتماسيح. غصت الدموع بحلقه حتى كادت تخنقه، لكن صياح بعض العناصر الذين استقبوله باستهزاء “شرفت أخيراً يا …….أستاذ؟”.
تسلق عمود الكهرباء كالقرد وبعد جهد أصلح العطل وأنيرت الفيلا من جديد. تبعثرت العيون المحمرة والمحدقة به من الأسفل كبنات آوى واختفت.
بدأت ملامح الفجر وخيوط الشمس تلمع على سطح البحر وهو مازال متسمرا أعلى العمود. حطت فراشة لحظات على يديه ثم طارت باتجاه البحر فراح يلاحقها بأنظاره. اقتحمت أفكاره صورة بل لوحة لتلال ومنحنيات رملية وكأنها تماثيل ضخمة مستلقية تستريح منذ آلاف بل ملايين السنين.
…
ذهب يستقبل الصباح البحري ماشيا فوق الرمال يرفع بصعوبة قدميه الحافيتين وهي تغوص في الرمال بنعومة حتى وصل أعلى التلة لتسلب لبه التلال المترامية على مدى البصر وجمال الشاطئ الذي لم يشاهد أجمل منه حتى بالأفلام.
أحب تقليد الفراشة وطار من أعلى التل للأسفل فغاص بالرمل حتى خصره بسهولة. ثم صار يصعد ثانية ويكرر الطيران ويتقلب بفرح طفولي غائصاً في الرمال البحرية!
…
لم يسمع ضجيج الشاحنات القادمة من بعيد مخلفة دخانها الأسود يتلوى كالأفعى بالسماء ثم تتوقف على مسافة قريبة من حفارة ضخمة كانت تغرز أنيابها كضبع جائع وتنهش تلال الرمل لتحمله الشاحنات المسرعة إلى مكان ما.
…
عاد إلى منزله يلفه الحزن بعد فرح بسيط . ومرت الأيام وأراد أن يكرر حلمه بالطيران كالفراشة ، لكن عندما وصل للمكان كانت المفاجأة بانتظاره إذ لم يجد مكانها سوى المستنقعات القبيحة ولم يكن هناك أي أثر للتلال الجميلة والتي اندثر معها عمل أمواج البحر لملايين السنين وليتحول ذلك الجمال إلى شاطئ مهجور مرعب.
نظر إلى الفيلا في أعلى التل والتي تحرسها التماسيح وراح يفكر بمصير الفراشات التي تنجذب للضوء!
…