الجزء الثالث من 🙁 صهيل الخيول الكنعانية – قلم : وليد رباح )

القصة الرواية – سهيل  الخيول الكنعنانية (3)

قلم : وليد  رباح

شكيـــــــــــــــــــــم
مدت حورا يدها الى شعر صدره الكث فسرت الرعدة الى جسده ، ثم تنقلت راحتها الى لحيته فخللتها باصابعها و ابتسمت .
كان الليل يضحك ، و الحراس يضحكون ، حتى حجارة القصر كانت تبتسم ، سارا فى الليل و اوغلا فى العتمة ، استمعا الى اهازيج صناع السيوف على اضواء شحوم البقر ، وعندما تعبا اعتليا ظهر تلة مشرفة على المدينة وجلسا هناك ينظران الى الاضواء الخافتة التى تنبعث من الشبابيك الصغيرة .
قالت حورا : الليل جميل ، و النبات يفرش بساطه خجلا على وجه اورسالم ، الندى .
قال شكيم ، الليل جميل ، فافرشى لى جسدك بدل النبات كى اشق طريقى فيه دون عناء .
قالت حورا : جسدى قمحك الذى تزرعه على ارض حبرون .
قال شكيم و هو ينظر الى وجه القمر : ابتعد يا هذا ولا تنظر الينا ! هلا اجلت طلوعك الى صباح الغد ؟!
و جاءت غيمة بيضاء رقيقة و غطت وجه القمر .
قال شكيم : غدا ارحل الى مصر ، فلتكن الليلة نهرا يسقينى و يكفينى رمضاء الصحراء حتى اصل .
قالت حورا : اتذكرنى يا شكيم ؟! ام تغريك قلائد الذهب المعلقة على صدور الصبايا فى طيبة؟
قال شكيم : اتذكرينى يا حورا ام يغريك الفرسان الذين يجولون حول القصر فى ليالى الصيف؟!
ضمها الى صدره فارتعشت ، ثم نام راسها على كتفه فملك ارض بنى كنعان وملكت جواهر وكنوز الارض .
قال شكيم : نذرع ازقة اورسالم ثانية حتى يتنفس صبح المدينة ،حملها فوق رموشة و مضى ،اوغلا ثانية فى الازقة ، حملت البيوت الطينية الى مسمعيهما همسات اهالى اورسالم الطرية،
و فجأة وجدا نفسيهما امام بيت طينى خرب ، تهدم جزء من سقفه ووقف الجزء الاخر صامدا امام الزمن ، دفع شكيم باب البيت الصدىء فأن كمن يتألم .
-اين نحن يا شكيم ؟
-انت فى صدرى يا حورا ،بيت من الطين و التبن يأوينى و ابى وامى ، قالت حورا مازحة:
-الان فقط امتزج مع تراب اورسالم النقى، وارى فيه نفسى ،
وفي البيت الطيني ..على ضوء سراج الشحم .كانت تفترش الارض وتلف الصوف حول مغزلها ، بدأب ونشاط ، بينما حدق كهل فى خشب السقف الاسود وبدا عليه الشرود . ومن خلال نظرة كليلة نحوهما جاهدت كى تقف على رجليها .
شكيم ، ايها الولد الطيب ، لم لم تخبرنى . ثم جثت على ركبتها بينما وقف الرجل الهرم على قدميه مذهولا .
-عفوك ايتها الاميرة، انه بيت لا يليق .
تلقتها حورا بكفيها : انت سيدتى و امى ، انت تراب اورسالم النقى الذى يعبق بالطهر والنقاء
قال الكهل و ابتسامته تشع حرارة و ضوءا : سيدتى ابنه سمحون العظيم ، انها ليلة تلد فيها النساء اطفالا بعدد القمح الذى ينبت فى حقول حبرون واورسالم .
اتجهت اليه حورا باسمه ، فحاول ان يركع على قدميه فانترعته قبل ان يصل الارض : انت سيدى وابى ، انت المعول الذى يشق تراب الارض و يطعمنا القمح ويعطينا الحياة .
قال شكيم باسما : وا فرحتاه ها قد اصبح ابى سارح الذى يعطينا القمح و النماء .
ضحكوا جميعا ،ثم اقتعدوا الارض وقامت امه فصبت اللبن فى صحن فخارى قدمته للاميرة ،شربت ثم دار الصحن عليهم جميعا فشربوا .
قال شكيم : غدا ارحل الى مصر محفوظا برعاية سمحون العظيم حامى ارض بنى كنعان و سيدها .
قالت الام : ان رأى سيدى سمحون ذلك ، فليكن …
وقالت حورا : قلبى يرحل مع خطواته عبر الصحراء .
وقال شكيم : فى عيون اريحا اموت واحيا الف مرة .
قامت الام فاحضرت صحنا من العسل ، دارت عليهم فتذوقوه بلذة .
قالت الام : اخشى ان لا يعجب العسل الاميرة ، انه من عسل حبرون النقى .
قالت حورا : اذا مر شكيم بيده فوق الماء تحول الى عسل نقى .
ضحك شكيم ملء فيه وقال سيدتى ابنه سمحون العظيم فليكن دمى ضمانا لمالكتى حورا ، ثم همس مضيفا ، حبيبتى حورا
نظر الكهلان الى العيون بلهفة و استغراب
قال شكيم : لا تفزعى يا اماه ، عندما اعود من مصر ساتزوج حورا و اصبح ولدا طيبا .
فغرت الام فاها : ايها الشقى ، ايها الحبيب الذى يمن على دوما بالسعادة و البسمة ، ايكون هذا صحيحا ؟!
قالت حورا ستكونين سيدتى و امى ..
قال الاب : ويحك يا شكيم ، اتفعل كل شىء دون ان ندرى كان الاجدر ان نفرح قبل الان .
قال شكيم ضاحكا : على بركة ارض بنى كنعان نزرع القمح ، وننجب الاطفال ، ونمجد سمحون العظيم. ثم غادرا فرحين
ضمها الى صدره فقالت النجوم أه ..و انتثرت على وجه ليل المدينة حبات العرق المتصفد من جبين الفقراء .
-اتحبنى يا شكيم ،
– احبك مثلما احب المطر الذى يهمس لحجارة اورسالم بعد صيف طويل .
غسلهما ليل المدينة فتاها بين الازقة ، ساعدا رجلا انزلقت رجل حماره على الارض المرصوفة بالحجارة الملساء ، شربا الماء من بئر ساحة المدينة ، استمعا الى مناجاة العشاق قرب الاسوارالخربة .
قالت فتاة : لكنه يأبى الا ان تصنع له عشرة سيوف صقيلة .
قال الفتى : لو طلب منى ان امضى بقية عمرى اصنع له السيوف مهرا لك ما قصرت .
قالت الفتاة : لو لم تكن الحرب قادمة لدفعت له عشر صاعات من القمح وباركنا ، أه من الحرب .
قال الفتى : الم تستمعى الى سمحون الملك وهو يقول بالسيف وحده يحيا الانسان ؟
ثم انقطع الحديث فجأة وقالت الفتاة : أه ..
نظر الى عينى حورا فى العتمة ، فالفى الدمع يسرح فيها دون ان يسقط .
-وانت ماذا دفعت مهرا لحورا ؟!
ادفعه شوقا مع كل خطوة الى ارض مصر ، وادفعه جمالا محملة بالنحاس كى يصبح سيوفا تجرح من ينظر اليها ابتسما ، قال شكيم : منذ الليلة يصبح مهر الصبايا سيوفا لامعة صقيلة ..لحس دمعة سقطت على خدها و غابا فى العتمة .
ما كاد يخطو عائدا الى بيته عبر الازقة حتى اتاه الصوت أمرا فتوقف ، قال شكيم : من؟! شاحور بن سرجون ؟! أما أن لك ان تستريح ايها الطيب الصالح ؟!
قال شاحور وهو يطرق بعصاه ارض الزقاق و يتجه نحو شكيم :
شكيم … ايها الصالح من اوحى لى بأن اطرق باب القصر .
-ولكنى لم اوح اليك بان تتجه الى حورا ، بل الى سمحون الملك .
-ايها الصالح الطيب ، ليس لنا على القلوب من سلطان .
– اخشى يا بنى ان يقودك العشق الى نسيان بنى كنعان .
-بل يقودنى العشق الى ان ارى فيهم جميعا نفسى .
ابتسم شاحور : حسن يا شكيم ، حورا فتاة بنى كنعان ، ولكن اياك ولين العيش ، فهو يقودك الى الاستكانة .
قال شكيم وهو يحدق فى وجهه : فلتطمئن بالا ايها الصالح ، بعد لآى تشق قافلتى صحراء فلسطين الى صحراء مصر ..
فتح شاحور فمه و تصنع الدهشة : احقا ايها الولد الطيب ؟؟
قال شكيم : وتعود جمال سمحون الملك محملة بالنحاس الذى يطرق سيوفا لامعة صقيلة .
قال شاحور والالم على وجهه لا تذهب يا شكيم .. لا تذهب يا ولدى .
قال شكيم : ولم هذا ايها الصالح الطيب ؟
-سوف لن تحصل على النحاس ، فهم يستخدمونه ايضا لصنع سيوفهم .
-لكنى وعدت الملك ولن اتراجع
-كما ترغب يا ولدى … ان حصلت عليه فذلك غاية ما أتمنى ، وان لم يكن فعد مسرعا .
قال شكيم باسما : عظنى ايها الصالح ..
قال الشيخ : فتات خبز بنى كنعان خير من موائد فرعون .
قال شكيم : اعلم هذا ايها الطيب ، سوف اعود فور حصولى على النحاس .
قال الشيخ : رمل اورسالم الذى تدوسه حورا مقدس ، مثل خبز الفقراء .
قال شكيم : و حورا ايضا مقدسة مثل رمل بنى كنعان .
قال الشيخ :سأقول لك الاخيرة ، سمحون يقول بالسيف وحده يحيا الانسان ، وأنا اقول لك ..انما بالسيف والعقل معا ..
غاص شاحور فى بطن الليل ، ووقف شكيم فى العتمة مفكرا حتى لسعته النسمة فانسرب الى بيته كى يودع ابويه .
***
جلست حورا ترقب الغيب فى شرفتها ، و اطل من بين الزيتون وجه شكيم الممرغ بالدفء والحياة
فسرت فى جسدها رعدة خفيفة كطيف مرمر السحاب ، و نهضت الى مقصورتها .
و شكيم لا يأتى من الابواب رغم فتحها على مصارعيها ، قفز اليها فاحتضنته بقوة ..
-أواه يا شكيم ، ما كنت احلم ان تغادرنى بهذة السرعة .
– لك نفسى يا حورا ، سأعود اليك مثل العاصفة محملا بما يعترض طريقى …
كان الظل قد نشر حبيباته على اوراق الشجر القريب من النافذة الواسعة ، وشقت الشمس طريقها عبر الاوراق لترسم فى المقصورة ظلالا جميلة .القصر كبير ، و النوم يأخذ السابحين فيه الى عوالم سحرية جميلة … وحورا تفرد ذراعها البضة مخدة يتكىء عليها رأس شكيم و لحيته الكثة .
-ما ان ترتفع الشمس قامة اخرى حتى تغادرنى .. أواه يا شكيم ..
-خففى عنك يا حبيبتى ، شكيم الذى تجرأ ونظر الى عينى حورا ابنة سمحون العظيم سوف يعود وفى يمينه سيف من النحاس .
نظر الى عينيها فالفاهما مثل فناجين العسل الذى يقدم فى اعراس اورسالم ، قبلها و تدرج فمه الى وجهها النظيف و عنقها البض ، و اختفى كل شيئ من ناظريه ، دار العالم دورات كثيرة و سريعة ثم اتكأ رأسه ثانية على مرفقها .
-أه لو انى اعيش العمر كله انظر الى عينيك ما مللت
سرت فى القصر ضجة مفاجئة هرع الى الشرفة فرأى الحراس يحملون قافلة الجمال بالذهب ، لحقته حورا كئيبة حزينة ، ومدت نظرها الى الافق الذى غسلته الشمس فغدا مثل الضباب الصيفى .
-حورا .. هى لحظة لن انساها ، اغادرها وقلبى يسرح ممتشقا حسامه ، ولكنه يلقى بسلاحه عند قدميك ليعلن انه ملك لك مهما قسا الزمان .
-شكيم … تذهب راشدا وتعود ممجدا ، قلبى يقفز من صدرى ، ولن يعود اليه الا عندما تعود .
قبلها ثم مسح دموعها بكفه و خطأ الى باحة القصر ، كانت القافلة قد جهزت بانتظار اشارة من سمحون كى ترحل .
ولم يطل الانتظار ، اطل سمحون من الشرفة ، اجال بنظره عبر القافلة فرأى الجنود فى عددهم الحربية يمتطون صهوات خيولهم يستعدون للتحرك لحماية القافلة اثناء سيرها فى مجاهل الصحراء .
نظر ناحية اخرى فرأى حورا وقد وقفت جامدة كانما هى قطعة من صخر ، صاح الملك باعلى صوته: على بركة ارض بنى كنعان تغادر القافلة الى مصر .
ورد شكيم بأعلى صوته : باسم سمحون العظيم ، حامى ارض بنى كنعان و سيدها ، تغادر القافلة الارض التى تدر اللبن و العسل .
وحانت منه التفاته اليها ، ثم همز حصانه فطار الى مقدمة القافلة ، رفع لها يده بالتحية وتحرك الركب.
***
ومضت ليال اخرى ، وشكيم الذى يشق طريقه فى الرمال يغادر ارض بنى كنعان وقلبه منسدل على رمالها يحلم ان يعود محملا بالنحاس كى تعود اريحا الى بنى كنعان اسوارا و حياة .
في طريقه الى الصحراء..وعندما اطلت حبرون عليه بمبانيها الجميلة .. هوى قلبه الى مرتع طفولته بقوة ، لكنه واصل السير متجها الى الصحراء،
وما ان جاء المساء حتى كانت رمال صحراء مصر تلمع فى عينيه ، وهناك نصبت الخيام وترجل الفرسان عن خيولهم للراحة بانتظار يوم أخر .
مضى شكيم الى خيمته حزينا بعد ان تفقد القافلة ، وانسابت فى نفسه ذكرى اليوم كخرير جدول تقف على ضفتيه احلامه الزاهية .
وما عتم ان جاء قائد فرسان القافلة ليوقظه من شروده العذب .
– سيدى شكيم ،رحلة الصحراء مجهولة وشاقة ، فهل لنا ان نرسل استطلاعا الى مجاهلها و يعودون الينا لنأمن غائلة الطريق ؟
– كما ترى ايها القائد ، انها امور لا افقه فيها .
-حسن ، سارسل استطلاعا فى النهار و نواصل السير فى الليل .
ساد الصمت لحظات ثم قال شكيم : غدا ندخل ارض الفراعنة ، فليكن زادنا خلق بنى كنعان و قوتهم .
قال القائد : باليمن نحمي القافلة ونصل الى مبتغانا بأمان .
تسامرا . وعندما انصرم جزء من الليل ذهب القائد الى خيمته واضطجع شكيم على رمل الصحراء .
كان الليل فى عينيه كتلة من الترقب والقلق ، وكانت الذكرى فى خياله ينبوعا من التصميم على ان يبزغ الفجر قبل موعده ليرتحل .
أه ايها الليل ، تنام وجديلتها فوق صدرها مثل سنبلة مكتنزة .
حملت اليه رياح الصحراء هبوبا تربا فاغمض عينيه ، ليلة اخرى لايزوره النوم ولكن شتان ما بينهما ،
كانت حورا فى ليلته الاولى طيفا ينقله الى ازقة اورسالم الحبيبة ،وفى الثانية هبوبا متصلا لرياح مخيفة سوف يمخر مجاهلها الى حيث يحقق ما يريد .
وعلى الجسد المرهق مرت نسمات تسربت اليه من شقوق الخيمة فقادته الى عالم فسيح من الدعة والامان، اخترق فيه ظل واقعه الى حيث تمنيه الاحلام بقرب العودة .
افاق على صوت القائد وهو يحث جنود القافلة على طى الخيام فقام من فوره الى حيث الضوء .
كان الصبح جميلا ينضح بالامل ، وكثبان الرمال الممتدة عبر النظر تقف بخيلاء كقباب مهندسة تعطى المحتمين بها امنا وسلاما .
ومضت القافلة ومضت معها الايام ، و ثقلت خطى شكيم فجأة ليجد نفسه فريسة حمى لايعهدها
مخرت الالام جسده فغدا مثل الشحم ينقص كلما لامسته النار ، لكنه رغم كل ذلك واصل رحلته، واخيرا قرر قائد القافلة ان يتوقف .
صرخ شكيم بكل مافيه من وهن وقوة : لماذا يتوقف الركب ايها القائد ؟ لم يبق لنا الا ايام ونصل .
اقترب منه القائد مشفقا : شكيم ، فلتهدا نفسا لن نواصل السير حتى تعود اليك نضارة وجهك .
-فليمت شكيم الف مرة ، و ليجلب النحاس دونه .
-سيدى لن نستطيع التفاهم معهم مثلما تفعل انت ، لن نسير خطوة واحدة قبل ان تبل من مرضك.
بكى شكيم ليلتها بعنف ، تعاونت على زيادة الامة بعده عن ارض بنى كنعان وحورا .
أه ايتها الارض التى امزجها بأحلامى فتثقل بى جراحاتى ، انى على بعد يسير منك ولا استطيع العودة قبل ان احقق ما اريد ، فليكن ترابك ممجدا كما هو ممجد سمحون وحورا .
وثقلت عيناه فتمدد فوق رمل الصحراء يصحو تارة ويغفو اخرى ، ثم تكاثف هبوب الرياح خارج الخيمة ، فرغت الابل واخفت الخيول رؤوسها بين قوائمها ، وسمع دقات الاوتاد عالية مثل الطبول، ومرت امامه طيوف عديدة .
رأى حورا تفرد له ذراعيها فامتلك العالم فى لحظات ، ولمح الملك يحثه على متابعة الرحلة رغم مابه من وهن ، وامه تشير اليه ان يتقدم .
صرخ بملء فيه : ايها القائد يا صاحب الرحلة ، انهم يحثوننى على متابعة الطريق ، فلنمض الى فرعون سريعا .
كانت العاصفة قد زمجرت فغدا صوته فحيحا ولم يسمعه احد .
ازداد تكاثف الغبار حول المخيم ، صرخ ثانية :يا صاحب الحرس : يا صاحب الرحلة .. الطريق امامنا امن ، فكوا عقال الابل و اسرجوا الخيول ، فرعون على بعد خطوات منا . وضاع صراخة فى مهب الريح ، تمالك نفسه ووقف وقد جحظت عيناه ثم اطل من باب الخيمة
كان الرجال يجاهدون لتثبيت الخيام و السيطرة على الابل والخيول حتى لاتتيه فى الصحراء
الواسعة .
-يا صاحب القافلة ، لنواصل مسيرتنا .
لكن صوته لم يتجاوز حنجرته ، ثم اندفع عبر الغبار يصرخ ويصرخ … سأواصل .. ايها القائد الذى يمنعنى من اتمام مهمتى ، فليمت شكيم ، ولتمت معه كل امانيه ، لكنه سيجلب النحاس .النحاس فقط سيواصل شكيم الرحلة ، سيواصل .بكى، واندفع وجهه داخل الرمل مثل نخلة قصف ساقها فهوت ، رفعه القائد على ظهره واتجه به نحو الخيمة ، ثم اندفع القائد يحث جنود القافلة على ان يثبتوا الخيام ، ويعقلوا الابل جيدا .
وازدادت العاصفة الرملية عنفا فامتلآت حلوق الجند بالرمال ، لكنهم ظلوا يواصلون عملهم بنشاط وهمة ، وما كاد الصبح ان ينبلج حتى تنفس الجميع اشتياقا لنسمه طرية هبت على وجوههم المتعبة فاعطتهم دفقا لحياة جديدة ، وجاءت الشمس لتمسح عن وجوههم الام الليل .
افاق شكيم من نومه فتراءت له الاشياء غائمة مضببة ، ثم وضحت رؤيته فطالعه وجه الجندى يبتسم له باستحياء .
-لا تجهد نفسك يا سيدى ، لقد مضت ليلتنا دون خسارة .
جاهد ان يتكلم ، لكن حلقة الممتلىء بالتراب لم يسمح له .
-لا تقل شيئا يا سيدى ، كانت ليلة رهيبة و قد اجتزناها بسلام ، اغمض عيناه ثانية ، تلمست يد الجندى وجهه بنعومة ، كانت الحمى قد فارقته وبدأ وجهه يعود الى التورد .
ومن خلال البسمة التى ارتسمت على ثغرة ، رأى قائد القافلة يركع الى جانبه ويشد على يده مشجعا .
***
ومضت ليلة اخرى ، يخب شكيم فى الرمل ، يشق طريقه عير عابئ بالعواصف وسكون الصحراء، تأتيه حورا على عجل فيبعد طيفها منحازا الى رجال القافلة ، وتأتيه اريحا طيفا مسكونا بالحزن والعذاب، فيحث رجال القافلة على ان يسرعوا ، ويقف امامه سمحون الملك فى عدته الحربية ، فيبتسم ، حتى ليكاد الركب يشك فى صحة عقله ،ويزحف اليه البيت الطينى الخرب فى ازقة اورسالم فيرى ابواه ينقلان القمح الى سارح ، يسألانه ان يعيد شكيما الى ارض بنى كنعان ممجدا كما رحل ،
وفى لحظة سكون ، صرخ احد الجنود بقوة ،وتتالت اصوات سحب السيوف من اغمادها ، ورسمت عشرات العجلات الحربية التى تجرها الجياد خطوطا متعرجة حول القافلة ، وتسمر الجميع فى اماكنهم .
تقدم رجل طرى العود بعربته نحو القافلة بينما وقف الباقون ، وعندما اقترب لمح شكيم رسوم الفراعنة على مقدمة العربة فاطمأن قلبه ، توقف فجأة ثم صرخ ، من انتم ؟ ولماذا تدخلون ارض الفراعنة دون اذن منهم ؟
اقترب شكيم حتى اصبح على بعد امتار منه وقال : نحن رسل الملك سمحون العظيم ، ملك فلسطين وحامى شعبها الى عظيم مصر .
-وهل تحملون رسالة تؤكد قولكم ؟
مد شكيم يده الى صدره واخرج لفافة مصنوعة من جلد الغزال ، هذه هى الرسالة ، وهذا خاتم سيدى سمحون عليها . اقترب الضابط الفتى و التقط الرسالة ، ثم نزل عن عربته وانحنى احتراما ، واعادها الى شكيم وقال : على الرحب والسعة ، انتم ضيوف مصر .
ثم لوى عنان فرسه فانطلقت العربة الى رفاقه ، وفى لحظات تجمعت العربات وانطلقت تاركة غبارها يشق الفضاء ، عاد الضابط مع احد مساعديه الى قافلة بنى كنعان ثانية ، وما ان وصل حتى نزل عن عربته وتقدم الى شكيم باسما : سنرافقكم حتى ابواب طيبة ، وهناك تخيمون حتى يأتى امر فرعون العظيم الينا .