صهيل الخيول الكنعانية (2)
***
كانت العروس تميس فى غلائلها كقطعة من الخزف ، سيوف بنى كنعان تحميها .. و سمحون الملك يسير الى جانبها مزهوا . كانما امتلك الدنيا و استرجع اريحا ثانية ، و حورا تنثر الورد على وجه الارض كانما عادت امها الى الحياة .
و فى الصباح جمع سمحون الملك مهرة الصناع و طلب اليهم ان ينقشوا وثيقة على حجر كبير فى ساحة اورسالم الرئيسية .
( هذا ما قرره سمحون الملك بعد ان تزوج فتاة من عامة بنى كنعان ، يفتح سمحون قصره مشاعا لبنى كنعان يؤمونه متى يرغبون ، ينامون فيه و ياكلون ، يشاركون الملك سكنه و حياته .. يصبح الملك من عامة بنى كنعان يظل حيث يظلون و يقاتل حيث يقاتلون )
و عند مدخل البيوت الطينية التى ينسرب اليها الزقاق كافعى ضخمة توقف و ربط حصانه فى حلقة حديدية بارزة فى سور قديم .. ثم واصل سيره عبر البيوت .
كانت الشمس لما تزل فى حضن السماء و الندى يرقد بخجل على اكمام الزهر فى المدينة المتحفزة ،الحمير الواقفة على ابواب البيوت تمضغ التبن بتؤدة ثم تنفخ مناخرها لطرد ذبابة او ابعاد قشة حشرت نفسها بين الفم و المناخر.بعضهم افاق بعد ليل مرهق صنع فيه عددا من السيوف فاعتلى حماره و انسرب عبر الزقاق ليصل الى ارضه،البعض الاخر لم ينل جسمه بعد القسط الكافى من الراحة فظل يرقد فى فراشة يحلم ان لا ياتى النهار سريعا .
واصل سمحون سيره بتؤدة ، تحتضن عيناه البيوت بحب و شغف ، يخفق قلبه مع كل تنفس يصدر منها و ظل يمشى حتى سمع لغطا فاصبحت خطواته حذره ، و اقترب ، كانت ثلة من حراس الليل تجتمع الى نار قربت ان تخبو ، استرق الملك السمع فقال احدهم :
- اتدرون ، كان كرهى للملك يحفزنى فى كل يوم ان اغرس حربتى فى صدره كلما سار فى حاشيته الى حيث البيوت ،الفارهة.
وقال اخر : – لقد انتزعت خاصته فى السنة الماضية ثلث قمح ارض ابى فجعنا .
و قال ثالث: – هذا هين . لقد انتزع احد الخاصة زوجتى منى و ضمها الى جواريه فى قصر مغلق و لكنها عادت الى عندما عادت الروح الى بنى كنعان .
و تقدم الملك خطوات فظهر بجسمه الفارع الذى يختفى خلف الحديد و قال : احقا تبلغ بهم القحة الى اقتراف ما ذكرتم .
انتفضوا مذعورين و صاح احدهم برعب .
- مولاى الملك العظيم سمحون .. انى اريق دمى تكفيرا لما تحدثت به .
- و استل سيفه ووضعه على بطنه و هم بنفسه ، و لكن يد الملك القوية اوقفت السيف قبل ان يصل
- وقال : انتم تقولون الصدق فلماذا تكفرون عن صراحتكم .
قال ذلك و اقتعد حجرا و اخذ يصطلى ، جلسوا واجمين فقال الملك :- انتم زاد بنى كنعان وعدتها، فليكن حديث كل منكم كما يرغب ، ان رايتم سوءات سمحون فضعوا اصابعكم فى عينيه ، و ان رايتم محاسنه فغضوا الطرف عنها .
و ظل الملك بمازحهم فترة ثم انصرف ، نظر الى السماء فراى الشمس تمد اول خيط الى الجبل المقابل .ركع سمحون على الارض و ابتهل لسارح اله الزراعة و الرى ان يجعل موسم هذا العام خصبا ،و ان يعيد شكيما الى ارض كنعان محملا بالنحاس لكى يقهر اعداءه ، وان ترعى الاغنام فى السهول دون ان تطاردها الذئاب ، ثم نهض و سار بطيئا و توقف فجاة عندما جاءه صوت يقول :
- الى اين ايها الملك ، انت تسير فى الطرقات مزهوا بعدتك الحربية بينما ياكل العبريون من لحوم اولادنا فى اريحا ، الم تسمع بالنهر الذى اصطبغ لونه بالدم يوم هدموا اسوارها و ذبحوا اطفالها قربانا للعجل الذى استبدلوه بالاله الواحد .
تسمر سمحون فى مكانه ، حدق فى الرجل الذى يجلس الى حجر قرب سور بيت متهدم ، كانت لحيته طويلة بيضاء مثل سهول القمح الناضجة ، يقبع راسه الاشيب على جسد عار برزت فيه عظام الصدر كشبكة صيد النمور ، يحمل فى يمناه عصا شذبها من زيتونة فظهرت معوجة فى اكثر من موضع ،لكن بسمته مشرقة كوجه طفل حصل على الطعام بعد جوع طويل .
حدق سمحون فى عينيه فرآه ينظر الى ناحية اخرى فعلم انه اعمى لا يرى ، قال الملك:
- من انت ايها الصالح و كيف عرفتنى .
- قال العجوز: وهل تخفى خطوات الملك ، عندما يسير سمحون فى عدته الحربية فوق طرقات اورسالم تعلن الحجارة عن مقدمه .
قال الملك : من انت ايها الصالح .
- انا شاحور بن سرجون اقبع دوما خلف سارح اله الزراعة و الرى فيوحى الى بكلمات .
- قال الملك : لكنى ترددت كثيرا الى معبد سارح و لم ارك هناك .
- ضحك العجوز فظهرت اسنانه المهترئة .
- انا اراك و لكنك لا ترانى
- قال الملك متعجبا :و كيف ذلك ؟
قال العجوز :انا الذى يدور كل يوم على سهول القمح و يباركها فتعطى ثمرا كثيرا ، وأنا الذي يحتضن اطفال اورسالم فيعلمونه الحكمة والبراءة .. لست كاهنا خاملا كما ترى ، الخاملون هم الذين ينتظرون الحسنة التى تاتى لسارح من فقراء اورسالم .
اقترب منه الملك و قال له : افصح ايها الصالح عن ما فى نفسك .
قال العجوز : ما ساقوله لك خطير الى درجة الموت ، ان نفذته وقفت اورسالم معك الى النهاية، والا فلن تستطيع ان تواصل الا بمفردك ، عدوك قوى ايها الملك ، غادر و يبطش بكل ما يصادفه ،فان لم تكن اقوى منه قهرك .
قال سمحون باهتمام : قل ايها الصالح ما العمل ؟
-العمل فى ان تهدم معبد سارح .
فزغ الملك ؤ تراجع خطوات الى الوراء .
- معبد سارح ؟ هل تقودنى ايها الصالح الى خراب المملكة .
ابتسم العجوز و قال : الم اقل لك ان كلامى خطير الى درجة الموت ، انت و شانك ان اردت فافعلها و الا فانت حر كما اعطيت الحرية لشعبك
قال الملك بيأس : و لكن لماذا ؟
قال العجوز : اترى اهل اورسالم وهم يؤمون معبد سارح ، انهم يحملون الى الكهنة افضل ما فى بيوتهم ، يبيتون على الطوى كى يشبع سارح .. يطلبون منه العون و هو لا يستطيع لهم شيئا ،وان اصابتهم مصيبة استنجدوا به ، اذا انحبس المطر تدافعوا الى معبده ، ان هجم الاعداء على المدينة سوف يحتمون بالمعبد طالبين اليه الحماية و العون .
قال الملك بحماس : لكنك كاهنه الذى يوحى اليه بالكلمات .
قال العجوز : سارح يعطينى كلماته فى سهول القمح و ليس ضمن الجدران .
- و ماذا يقول الكنعانيون عنى ؟
- هم يحبونك الان اكثر من حبهم لاولادهم ، فتدبر امرك ايها الملك .
سرح العجوز وجهه شطر الفضاء و تابع هامسا .
- عندها فقط لن يبقى للكهنه اى سبيل لاذلال الفقراء سيختزن الفلاح قمحه فى بيته لا فى بيوت الكهنة ، و يطلب العون من نفسه لا من المعبد .
ترددت خطوات الملك و هو يهم بالمغادرة ثم توقف و قال : قل لى ايها الصالح ، ماذا تقول عن الحرب بينى و بين العبريين .
- العلم فى كبد الغيب يا ولدى ، لا تثق بالمنجمين فهم مثل الكهنة كاذبون ، لا تثق الا بسيفك فهو الذى ينبؤك بالقول الفصل .
عندما عاد الملك حطت على وجهه حزمة من شمس اورسالم ، و ملآت الازقة ، وزع بركاته و ابتسامته للجميع على حد سواء ، و عندما وصل الى حصانه اعتلاه و عاد الى قصره .
***
افاقت حورا من نومها مذعورة ، فقد داهمتها الاحلام و بكت طوال الليل ، رأت شكيما يذرع الصحراء وحيدا تنتظره الذئاب بين كثبان الرمال ، وفى كل مرة كان يمتشق سيفه و يهاجمها فتهرب امامه ، لكنها كانت تتجمع زرافات ثم تعود للهجوم عليه فيتلقاها بسيفه ، فتهرب ثانية امامه لتعود و تجمع نفسها من جديد .و عندما افاقت حورا من نومها كان وجه شكيم أخر ما لمحته مضمخا بالدم فى اكثر من موضع ،رداؤه يلتصق بجسده مبتلا بالدماء ، وعيناه ضارعتان الى وجهها تطلبان العون منها .
هرعت الى مشجب فى مقصورتها ووقفت مذهولة ، كانت بقع من الدماء تغطى رداء شكيم المعلق ، تماما كما راته فى الحلم ، ممزقا مهترئا كمن فيه جثته ، صرخت برعب ، و ردد القصر صدى صرخاتها فهرعت اليها الملكة تضمها بحنان الى صدرها و تهدؤها .
- حورا .. ما بك ايتها الحبيبة ؟
ربتت على خدها مرات و مرات ، كانت تصرخ و عيناها مفتوحتان على سعتهما تحدقان فى المشجب ، ثم دفنت وجهها فى صدر الملكة فسرى الخدر و السخونة الى وجهها النظيف المبلل بالدموع ، و احست يدا تخلل شعرها فنظرت ثانية الى المشجب ، كان رداء شكيم نظيفا مثل اشعة الشمس .
- ما بك يا حورا ؟ .. اجيبى ايتها الحبيبة .
ركعت حورا على ركبتيها و ابتهلت ..
- اعده الى ياسارح ممجدا كنخيل اريحا .. عظيما مثل قنوات الرى فى بلاد كنعان .
هرع سمحون الى مخدع ابنته ، كان عائدا لتوه من رحلته فى ازقة المدينة ، حدق فى وجه الملكة فغضت طرفها ثم تقدم الى ابنته :
- سارح لا يستطيع ان يعيده اليك اذا ما اصابه ضر او لحقت به منفعة .نهضت حورا فزغة،خلع سمحون عدته الحربية و هرع الى باحة القصر يحمل معولا و هو يصيح ، ايها الناس ،يا سكان اورسالم ، من يحب سمحون الملك فليات الى قصره الساعة ، و فى يمينه معولة .
و ترددت جنبات المدينة بالصراخ ، هرع البعض لاخبار من يعملون فى المزارع بالامر،
و قبل ان ينتصف النهار وقفت اورسالم لتستمع الى الملك :
( يا سكان اورسالم ، من احبنى ووقف الى جانبى فليذهب الى معبد سارح ، و ليعمل معولة فى هدم حجارته و تهديم أثاره ، سارح يأمرنى ان اهدم معبده هنا لاقيمه فى اريحا ، ولن يرضى عنا الا اذا بنينا معبده هناك ، عندما نطرد العبريين من بلادنا ).
سرت فى الناس ضجة كبيرة ، وفى مقدمة الجمع وقف احدهم و صاح بالناس : الم تسمعوا ما امر به الملك و اراده سارح ؟ فليهدم هذا المعبد ..
و تدافعت الجموع تخترق الازقة و الشوارع النظيفة حتى وصلت الى المعبد ، و هناك لاذ الكهنة بالاسوار ينظرون عن بعد ، و ارتفع الغبار الى السماء ، ولم تنم اورسالم ليلتها الا و المعبد انقاضا لا اثر له ولآعمدته .
***
ومضت ليال اخرى ، نامت اورسالم لاول مرة فى تاريخها دون ان تحمل قمحها الى معبد سارح اله الزراعة و الرى ، قال الناس فى مجالسهم نعم ما فعله الملك ، و اخرون قالوا نخشى ان يحبس سارح المطر عنا فيجف الزرع و تموت الحياة . لكن تنفس الصبح جاء اليهم بالخبر اليقين ، لم تشهد اورسالم من قبل مطرا غسل كل حجارة المدينة و ازقتها كالمطر الذى هطل ذاك اليوم ، الزروع التى كانت بحاجة للطل رويت و شبعت ، الابار التى جفت منذ زمن امتلات حتى حوافها ، الشجر الذى كاد يذوى عادت اليه نضرته ،و عندما انتصف النهار بزغت الشمس من وراء السحب ضاحكة لاهالى اورسالم الفقراء ،
وشهدت ساحة المدينة حفلا رائعا لم يحلم به الفقراء منذ زمن .
اصطفوا على جوانب الحلقة صفا واحدا فى البدء و بدأوا يرقصون ، جاءت النسوة يحملن جرار الزيت و دلقنها فى وسط الحلقة فتحول الرقص الى مشهد ممتع ، الراقصون ينزلقون فيقعون على الحجارة الملساء فترتفع الضحكات عالية حتى عنان السماء .
ثم ضاقت الحلقة قليلا بفعل قدوم جموع اخرى و اصطفافها على جوانب الحلقة . جاءت النسوة يحملن جرار اللبن و دلقنها فى وسط الساحة فعلت الضحكات حتى وصلت الى قصر سمحون الملك ، كان الراقصون ينزلقون فيقعون على وجوههم و جنوبهم فيجبرون على تذوق اللبن الذى حول ملابسهم الى لوحات جميلة .
ثم ضاقت الحلقة ، و ضاقت حتى لم يعد سوى مساحة صغيرة للرقص ، و جاءت النسوة يحملن جرار العسل و طفن بها على الناس يتذقونه بلذة و متعة ، وفى خضم الاحتفال صاح بالناس من اعلن قدوم الملك ، و شق سمحون طريقه الى الساحة الصغيرة .
فى البدء قدمت النساء اليه العسل فرفض ان يتذقه قبل ان يتذوق الزيت و اللبن ، و رقص الملك ،وقع اكثر من مرة فتذوق اللبن و الزيت و شاركه اهالى اورسالم رقصه و تذوقوا معه ، ثم امتدت يده الى جرة العسل فادخل اصابعه فى متنها و سأل العسل على لحيته وهو يمتص اصابعه بلذة عجيبة . . قال سمحون الملك فى غمرة نشوته :
- من احب سمحون فليذهب الى قصره ليحضر الاميرة و الملكة ، دعونا نرى رقصهما . و تدافع بعض الناس الى خارج الحلقة مولين وجوههم شطر القصر ، و بعد لاى جاءت حورا و الملكة على حصانين عربيين يقطران رقة و دلالا .
قال سمحون الملك :
- حورا ، قد تعودنا قبل ان ترجع الروح الى بنى كنعان ان يرينا الشعب رقصاته ، لكننا اليوم سنرقص للشعب
قفرت عن حصانها مثل حمامة اغتسلت فى بركة ماء نظيفة ، ثم تبعتها الملكة ، وما ان دارت قليلا حتى انزلقت قدمها فاجبرت على تذوق اللبن و الزيت، و ظل الرقص و الصخب عاليا حتى أذنت الشمس بالمغيب ، و عندها فقط مدت حورا يدها الى جرة العسل و تذوقته ، ثم تذكرت ان شكيما يسير الان وحيدا فى الصحراء فامتنعت عن تناول المزيد .
صاح الملك ضاحكا :
لماذا توقفت يا حورا ؟ .. الكنعانيون يشربون العسل عندما يجىء المطر ، فلتتذويه معهم و لترقصى.
وتذوقت حورا العسل ثانية ، ورقصت ، و رقصت ، و عندما اقبل الليل اعتلت و الملكة حصانيهما و سارتا ، اما الملك فقد مشى عبر الازقة وحيدا بعد انتهاء الحفل ، و ما كاد يصل الى نهاية الزقاق حتى استوقفه صوت يعرفه جيدا …
- ايها الملك العظيم سمحون ، ها انت تبنى مجدك من جديد … ها انت عرفت الطريق لطرد العبريين من اريحا و اعادتها ثانية الى بنى كنعان ، فليكن اسمك ممجدا على مدار الزمان، و ليكن الحب زادك الى الابد .
- شاحور ابن سرجون ، ايها الصالح الذى يدلنى على طريق الخير ، هلا صاحبتنى الى قصرى فتنال منى حسن الجزاء ؟ ..لقد جلبت الينا المطر ..
ضحك شاحور عن اسنان مهترئة و قال :
- ايها الملك العظيم سمحون ، ان صاحبت شاحور الى قصرك فسد و افسد ، ليس مثل لين العيش يجلب المصائب .
قال الملك :
- انصحنى ايها الحكيم الطيب
- وجه شاحور وجهه شطر السماء و قال :
- اياك و لين العيش ، فانه مدعاة للاستكانة .
قال :- زدنى ..
- اياك و اقتناء الذهب فى الخزائن دون الاستفادة منه
- قال الملك :
- لقد ارسلته الى مصر مع شكيم ليستبدله بالنحاس .
ساوصيك الاخيرة ايها الملك .
قال سمحون هاتها ..
- اياك و التفريط فى رمل بنى كنعان ، ان حبة منه تساوى كل ذهب الارض …
قال ذلك و حمل عصاه يتحسس وجه الطريق و اختفى فى الازقة ، لحقه سمحون يناديه، و لكنه كان قد ذاب فى العتمة .
***
و مضت ليال وليال ، و سمحون الذى يوسوس بنى كنعان ويحميهم يطالع فى النجم صورته ولا تغفل عينه عن الترقب لحظة .
وجاء موسم الحصاد و شكيم لم يعد ، المنازل الطينية امتلآت بالسيوف و الحراب ، ساحة المدينة الرئيسة تحولت الى ميدان للتدريب على استعمال ادوات الحرب ، و كانت الانباء ترد من اريحا تباعا ، لقد حولها العبريون الى مدينة خربه ، بنوا من الجماجم قصرا لسيدهم يوشع بن نون ، و اقاموا فيه بركة من الدماء كى تسبح فيها زوجته الجميلة ، الذين نجوا من المذبحة شدوا على ظهورهم البراذع و استخدموهم لنقل الماء و الحطب ، اقاموا للعجل معبدا ضخما و سوروه و كتبوا على مدخله تاريخ المذبحة ، كل شىء فى المدينة قد تحول الى خراب .
وكان سمحون يسمع الاخبار فيجلس فى فناء القصر ليلا و يستطلع وجه النجوم ، وفى ذات ليلة ارهقه الارق فاتجه نحو ساحة اورسالم ، و اثناء سيره فى زقاق سمع همسا فالصق اذنه بالجدار
قالت امرأة : لماذا نخزن الحراب و السيوف ، قد قرب الصدأ ان ياتي اليها …..
قال رجل : سوف تاتى المعركة ..
قال طفل صغير : ابتاه ، و هل تاتينا المعركة ، الحكمة فى ان نذهب اليها .
قال الاب : كيف يا ولدى ؟
قال الطفل : الحكمة ان نقاتل العبريين لا ان يقاتلونا هم ، لقد جاءونا غازين فهل ننتظرهم حتى ياتون الينا ؟ لماذا لا تقول هذا للملك ؟
ارتعد جسد سمحون كله و صرخ :
- انا هنا يا طفلى الحبيب ، و قرع سمحون الباب ففتح له على مصراعيه …
قال الطفل :
- سامحنى ايها الملك العظيم ، انما هو راى ابديته ..
ضحك سمحون وضم الطفل الى صدره وقال :
- الان فقط يصبح سمحون تلميذا لآطفال اورسالم الفقراء وما ان قدم العسل فى صحن للملك حتى لحس منه مقدارا ضئيلا و اتجه الى قصره مسرعا ، وما كاد يخطو حتى جاءه الصوت امرا .
- توقف ايها الملك
- وقف سمحون حائرا ، لكنه تذكر الصوت فانفرجت اساريره .
انت ايها الحكيم العاقل ، لماذا تركتنى كل هذا الوقت ؟
- قال شاحور بن سرجون
بل انت الذى تركتنى ايها الملك …
- قال سمحون مستغربا :
- انا تركتك ؟ اننى اسهر الليل و اتحدث الى النجوم بانتظار صوتك
قال شاحور :
- الم اقل لك انى لا ارتاد القصور .. هل يلزمك كل هذا الوقت للتعلم من اطفال اورسالم ما يجب ان تفعله ؟؟
قال الملك :
و لكنى بانتظار شكيم .. لقد طالت غيبته ..
قال الحكيم باسما :
ايها الملك العظيم ، رفقا بنفسك ، ماذا انت فاعل اذا مات شكيم قبل ان يصل اليك .
- فزع الملك و قال :
– ان مات ففى بنى كنعان ما يكفينى .
ضحك الحكيم و قال:
حاور نفسك ايها الملك .. و عندما تتأكد من قناعتك حارب ، عندها سوف تكسب الحرب .
اختفى شاحور فى الظلمة ، و اختفى الملك فى الازقة عائدا الى قصره ، ونامت اورسالم ليلتها هادئة مطمئنة .. فقد ذهب سمحون للنوم مطمئنا ..