أعتز بهذه الرواية ( صهيل الخيول الكنعانية) .. لذا ساكتبها ضمن حلقات في موقع صوت العروبة :, وتجدون النص مرة في كل اسبوع حتى نهايتها

 

صهيل الخيول الكنعانيــــــة\ رواية : وليد رباح – الولايات المتحدة الامريكية

(1)

الليل يلفظ انفاسه . و سمحون الذى يسوس بنى كنعان و يحميهم يطالع في النجم صورته ولا تغفل عينه عن الترقب لحظه .القصر كبير . والحراس تلفعوا بمعاطفهم و انفاسهم تعطى بعض الدفء للوجوه الذابلة ، والحراب تطل من باب القصر غادية رائحة بتثاقل وخيبة .فالخبر الذى تناقله الرعاة عن تهديم اريحا و قتل رجالها و سبى نسائها لم يزل طازجا بعد .قال الرعاة : جاء العبريون الى اريحا يقودهم يوشع بن نون . فاخترقوا حصونها واعملوا السيف فيها .وفى مساء ذات اليوم طاف (باورسالم) طائف يصرخ فى الناس ان استعدوا فجموع يوشع  تزحف اليكم .وهكذا وقفت المدينة على رجليها و زحفت نحو قصر الملك  سمحون تطلب الراى و المشورة .

جمع سمحون  الملك خاصته و قال : بالسيف وحده يحيا الانسان .فما رآى كنعان ؟بعضهم هز رآسه موافقا والبعض الأخر فكر ان يهرع الى بيته لجمع جواهره ليخفيها فى التراب .قال سمحون مرة اخرى : بالسيف وحده نبنى الممالك فما رآى كنعان ؟ البعض وضع يده على مقبض سيفه وهزه بقوة . و البعض الآخر وضع يده على حزامه الذى يخيط فيه القطع الذهبية و الفضية و هزه بقوة ايضا .

صرخ سمحون باعلى صوته : من اراد السيف فالسيف يريده . فما راى (كنعان) البعض صاح باعلى صوته انه يريد السيف ، و البعض الآخر صاح بصوت ضعيف انه يريد ( الحيف) لآن دمه غال لآ يعوض .وقبل ان ينفض الجمع الى مساكنهم جاء ـ لآ احد يعرف من اين وكيف ـ اسماله تستر بعض جسمه ، يربط على وسطه جلد نمر تمزق بفعل الزمن فكشف بعضا من لحمه ، ثم انه القى بالتحية و نظر الى وجوه القوم فالفاها شمعية فقال : ايها الملك العظيم سمحون ، دع عنك هؤلاء و انظر من شرفة القصر الى قومك .اهتز جسد سمحون و لكنه كظم غيظه و قال : من انت و ماذا تريد كيف تجرآت على تخطى الحراس و اقتحام قصرى فى وقت نعقد فيه اجتماعا خطيرا سيقرر مصير البلآد .قال الشاب بآدب جم: سيدى العظيم سمحون . اننى من عامة بنى كنعان .  و الحراس جلهم من العامة . و هكذا تخطيت الحرس اليك .قال الملك : ما اسمك ايها الشاب و ماذا تريد ؟قال الشاب :انا شكيم . فلاح من حبرون وارسالم ، يحب ارضه و يهوى الزرع و النبات و قنوات المياه . اما ما اريده فليس سوى ان تلقى نظرة على قومك من شرفة القصر

.مد احد الخاصة يده على مقبض سيفه وامتشقه حتى نصفه .وباشارة من سمحون اعاده الى غمده و الغضب يسرح  فى عينيه . ابتسم شكيم و قال ليت هذا السيف يجرد فى وجه العدو كما جردته فى وجهى.. الحقيقة اننى فلاح ،  تبتسم لى الارض كلما داعبتها بمنكاشى . و لكنى لا اجيد استعمال السيف . ان كنت ترغب فى مباراتى فلنتسابق  اينا ينهى حصاد ارضه اولا .مد الخاص جدا والمقرب جدا من سمحون يدة ثانية  الى سيفه و صرخ بحده : هذا الصعلوك يسخر منا ايها الملك العظيم دعنى اؤدبه .لكن سمحون اشار للخاص بان يجلس دون ان يفوه بكلمة ففعل .

قال سمحون : انتم تجلسون هنا و ليرافقنى شكيم الى الشرفة .نظروا الى وجوه بعضهم نظرات سريعة . اما شكيم فقد ركع على الارض اللامعة و قال : فى خدمتك ايها الملك العظيم ثم قفز و سار الى جانب الملك نحو الشرفة .

اطل سمحون من الشرفة فراى اورسالم قد زحفت كلها الى قصره.. كلهم يحملون أشياء  فى ايديهم ، السيوف ، مناكيش الارض ، العصى ، و المناجل .ابتسم سمحون و اشار  اليهم بيده ان يصمتوا لحظات فاطاعوا . قال سمحون : بالسيف وحده يحيا الانسان .فما راى (كنعان)اهتزت اورسالم كانما زلزلت الارض زلزالا شديدا ، ارتفعت السيوف و المناجل و العصى فى الهواء .وفى غضون ذلك حدثت اشياء كثيرة ، هرع بعض الخاصة الى منازلهم لاخفاء جواهرهم دون امرمن الملك.وتحسس بعض من الخا صة احزمتهم التى تحوى القطع الذهبية و الفضية ثم انصرفوا من القصر راكضين ،و عندما عاد الملك وشكيم الى القاعة ، لم يكن هناك الا منظم الزراعة الذى لم يكن يحمل سيفا .اتسعت ابتسامة سمحون وقال لشكيم: هل حقا لا  تجيد استعمال السيف ايها  الفلاح . ام انك كنت تمازح القائد  او تهزآ به . قال شكيم : سيدى الملك العظيم سمحون ، حقا انا لا اجيد استعمال السيف . فانت  تعلم او لا تعلم  ان الخاصة سمحت لنا باقتناء السيوف دون ان نستخدمها . فقد علاها الصدأ .. ونحن بحاجة الى سيوف جديدة .

قال سمحون : منذ الليلة تطوف ازقة اورسالم و تنادى فى الناس كى يكون السيف خبزهم .

وهكذا غادر شكيم القصر و صوتة يصل الى مسامع سمحون : ايها الناس ، العبريون جاءوا من الصحراء  اليكم غازين ، اعملوا السيف فى اريحا ، و غدا دوركم . يقول لكم الملك العظيم سمحون : بالسيف وحده يحيا الانسان .

 

وهكذا انصرف الليل و اورسالم تضىء منازلها ، و طرقات شحذ السيوف و صنعها تصل الى اذنى سمحون  الذى يسوس بنى كنعان و يحميهم . فيبتسم و تتسع ابتسامتة و يتحسس سيفه بحنو .

نظر سمحون فلم يجد غير الحراس . كانت الشمس خارج القصر تبتسم لسهول القمح برقة ووداعة .

جمع اطراف ردائه ووضعها فى حزامه ثم خلع تاجه المرصع بالجواهر و القاه فى صندوق خشبى قديم

صفق مرات و مرات فلم يجبه احد . ثم اقتحم مخدع ابنته و هو يصرخ بجنون طالبا ان يعطيه احدهم عدة  الحرب التى تنام فى مستودع القصر منذ زمن .. افاقت ابنته من نومها فهرعت اليه و احتمت بردائه فهدآ .نادت على وصيفتها فلم تسمع جوابا سوى طرقات شحذ السيوف التى كانت تتسرب عبر نوافذ القصر و ابوابه .

وهكذا تركت (حورا) اباها فى حيرته و هرعت الى مستودع القصر كى تنفض الغبار عن عدة الحرب وتحملها اليه .وهناك وقفت حائرة لا تدرى ماذا تصنع . كانت العدة تلمع فى عينيها كاشعة الشمس نظيفة لا غبار عليها .كسوة الصدر محلاة بنقوش كانما كتبت لساعتها .السيف يجرح من يحدق فيه ، زرد الحديد ملتف حول كسوة الصدر لحماية سمحون من ضربات الاعداء ،

وجدت حورا نفسها تقترب من عدة الحرب بتؤده ، و عندما لمستها سمعت ضحكة هامسة من خلفها فارتجفت .لكن شكيما طمآنها : انا شكيم ، فلاح من حبرون يحب ارضه و يهوى الزرع و النبات و قنوات المياه . لا تجزعى  ايتها الاميرة . عدة الحرب جاهزة و سانقلها للملك .خافت حورا ووضعت كفها على صدرها . و اخذت تتراجع خطوة خطوة . قال شكيم : لا تجزعى ايتها الاميرة. انا الذى يطعمك القمح من ارضه وتجرى قنوات المياه في فيها كموج البحر.. .لكن حورا توجهت نحو الباب و اطلقت ساقيها للريح و هى تصرخ .. جاء الملك مسرعا عارى الصدر يرتدى لباس العامة تنقصه عدة الحرب ، فدفنت وجهها فى صدره . و نظر الى حيث تشير فرآى (شكيما) يحمل عدة الحرب  الثقيلة مبتسما كشروق الشمس .

قال شكيم ..عذرا ايها الملك العظيم . لقد افزعت الاميرة . وجدت من الواجب ان اهيىء عدة الحرب بعد ان رحل الخاصة  كلهم من حولك قال الملك : و لكنك تاتى دون استئذان ، فكيف تدخل دون ان يراك احد .

اننى من العامة  يا مولاى . و حراسك ايضا من العامة .تركت حورا صدر الملك و نظرت اليه . قال الملك  مبتسما ، هذا شكيم ايتها الاميرة فلا تخافى . قال شكيم : وهذا سمحون الملك العظيم الذى رمى بالرداء جانبا ليعتمر عدة الحرب ،فلا تخافى .

عادت البسمة الى وجه حورا النظيف ، و تقدمت نحو شكيم فضحك الملك و حمل عدته و انصرف .اقتربت من شكيم ووضعت كفها على شعر صدره الكث و ارتجفت .قال لها رآسها : طوله كنخيل اريحا ، اما جسده فكالبرج الذى بني فى بابل قبل عقود  .لحيته مثل شجر الكافور اما ما يحمله جسمه من قوة فذلك علمه عند (سارح) اله الزراعة والرى .

قال لها شكيم من خلال بريق عينيها : ، انا شكيم الذى يحب ارضة و يهوى الزرع و النبات وقنوات المياه  و يطعمك القمح من ارضه ، قالت له الاميرة مبتسمة : الا تهوى شيئا اخر  يا شكيم . قال شكيم : لا اهوى  شيئا اخر سوى عشقى لتعلم استعمال السيف . قالت حورا فقط . قال شكيم : الان فقط اما ما ياتى به الغد فلا ادريه . ابتعدت عنه الاميرة و اخذت تحدق فيه بنهم ، ثم جاء الملك  يرتدى عدة الحرب و تمخطر فى مشيته و هو بكامل زينته فلفت اليه نظر شكيم الذى صاح من الدهشة

:الان فقط تزرع اورسالم ارضها و تسقى زيتونها و تزوج بناتها دون خوف . ثم استل من حزامه شبابه قصيرة و اخذت انامله تداعب شبابيكها الصغيرة بحنو و غنى .

الان تبتسم الاميرة : و يبنى الاطفال بيوتا من الرمل ، على شاطىء البحر ، الان يعتلون احصنتهم الخشبية ، و يقول المنجل للحصاد نعم ، وتقول القبرة ها قد جاء موسم القمح  ، و تختفى بين غمارة ، الان تشرق شمس  المدينة العظيمة ، و ترقص النجوم للفلاحات اثناء الحصاد .

ثم غادر شكيم فابتسمت الاميرة و ابتسم الملك . و صوته يصل الى مسامعها ، يا اهل اورسالم : يا اهل المدينة . العبريون يملآون جرارهم من نهر اريحا على ظهور الناجين من المذبحة . يقول لكم الملك العظيم سمحون . بالسيف وحده يحيا الانسان .

***

واورسالم نائمة بيوتها خلف السور لكن الحياة تمور فيها ، البيوت المقببة الفارهة تغرق فى الصمت و الوحشة، لا صوت و لا ضجيج . و كلما اقتربت خطوات سمحون من بيوت الطين ازداد سماعه لطرقات السيوف و صراخ المتسابقين ،استوقفه صوت لم يستطع تمييز صاحبه جيدا : فلنتبارى اينا يستطع صنع عدد من السيوف  اكثر من الاخر .

لكنك فلاح لا تقوى على مباراتنا . ليكن ذلك . الخاصة منعتكم من ذكر السيوف حتى فى مجالسكم لكننى فلاح اسكن ارضا قليل سكانها لا يسمعنى احد عندما اغازل سيفى ، فهلا تبارينا

 

… وازدادت الطرقات عنفا و اتسعت خطوات الملك ، و كلما اوغل بين بيوت الطين لفحته حرارة النار التى تجعل كتلة الحديد مثل الجمر قبل ان تطرق و تصبح سيفا .

قالت فتاة بصوت رقيق : لن تملكنى قبل ان تنهى شحذ السيف كما ارغب

قال فتى بصوت متوحش لقد التصق لحم يدى بالمطرقة ، ضحكت الفتاة و قالت : بعض من ريقى يعيد الى راحتك نضارتها فهلا واصلت العمل .تافف الفتى وازدادت طرقاته عنفا و اتسعت خطوات الملك و عندما اجتاز شباكا صغيرا عاد ثانية ليصغى .

قالت امراة لزوجها : ما عساك ان تفعل . ان الحبال التى نلف بها مقابض السيوف قد فرغت . لم يعد لدينا  شىء منها . قال الزوج : نؤجل العمل الى الغد فنشترى حبالا جديدة .

قالت الزوجة : لا تنسى اننا لا نملك القمح الذى نبادله بالحبال .  قال الزوج : اذن نتوقف حتى نتدبر الامر.

قالت الزوجة : بل نواصل الا ترى جدائلى طويلة يمكن ان نستفيد منها .

و غادر سمحون مسرعا عندما سمع صوت المقرض و هو يقص الشعر بخشونة .

كانت دموع الملك تسيل فيترك لها العنان سابحة الى العنق ، و عندما شعر ان قدميه قد تقرحتا من المسير  عاد من نفس طريقه .قال الفلاح : اترون . قد صنعت ثلاثة سيوف فى الوقت الذى لم تصنعوا فيه غير سيف  واحد لكل منكم .سيكون الرهان غدا على صاع من القمح لمن يفوز .

قال راس الملك : هذا صوت شكيم . و قال فمه ايها الفلاح اين انت ، اخرج الى حالا .

هرع شكيم الى الملك و قال : اهذا انت يا مولاى ، وفى عدتك الحربية . الان فقط تزرع اورسالم ارضها و تسقى زيتونها و تزوج بناتها دون خوف .

ثم سار شكيم خلف الملك و هو يصيح . يا سكان اورسالم الخالدة .أيها الكنعانيون الغرباء .. هذا سمحون الملك العظيم يطوف الشوارع فى عدته الحربية ،

 

كانت الموجات تتدافع خلف الملك ، و عند وصولهم الى البيوت المقببة الفارهة . تسلم شكيم من يد الملك مشعلا و اضرم النار فى احد البيوت . فتبعته اورسالم كلها تحمل المشاعل . و هكذا تحول الحى الفاره الى اكوام سوداء تعاف العين رؤيته . أما ما حدث بعد ذلك ..

وقف أهل سكان اورسالم فى باحة القصر و رفعوا سيوفهم الجديدة نحو الفضاء ، قال راس الملك : ها قد اختفت العصى و مناكيش  الزراعة . و قال راس شكيم الذى يغرق فى بحر اهالى اورسالم قد صنعت اليوم ثلاثة سيوف و غدا يوم اخر.

و قالت حورا : اين اجده بين هذا البحر المتلاطم . و قال اهالى اورسالم بصوت واحد : بالسيف وحده يحيا الانسان ، ورددوها مرات ثلاث .

***

و مضت ليال اخرى ، و سمحون الذى يسوس بنى كنعان و يحميهم يطالع فى النجم صورته و لا تغفل عينه عن الترقب لحظه ، اذا ما راى حارسا فى القصر ذبلت عيناه تسلم عنه الحراسة ، و ان جاء وقت الطعام  رفس المائدة المزينة بالاطايب و شارك الحراس طعامهم ، و ان اشتكى احدهم سوء الحال و كثرة العيال نفحه بما يرضيه .

و مضت ليال وليال .. و سمحون يسرح نظره فى الغيم المتجه الى اريحا فيسمع خطوات خلفه فينهض و يده  على مقبض سيفه .  اهذا انت يا شكيم .. و منظم الزراعة ايضا .

قال المنظم نحن فى خدمة الملك .. شكيم يصنع السيوف و المنظم يوجه الناس الى بناء القنوات كى ياتى الموسم مربحا . قال شكيم : الذهب فى خزائن مولاى و هو مكدس لا يجدى ، لقد جاء الذهب من البيوت المقببة التى حرقناها ، فهلا تحول الذهب الى سيوف فى ايدى فقراء اورسالم .

قال سمحون مبتسما : ماذا ترى ايها الفلاح .قال شكيم : نذهت الى مصر فنستبدل النحاس بالذهب . و قال المنظم : و نذهب الى سورية فنستبدل القمح بالذهب .

ضحك سمحون و قال : اما ان تذهبوا الى سورية لجلب القمح فهو مفيد ، امامنا من السنوات العجاف ما لا يعلمه احد ، و لكن هل يستبدل العاقل ذهبه بالنحاس ايها الفلاح . قال شكيم : فلنطور سيوفنا يا مولاى . النحاس اصلب و اقوى ، و قال راس الملك .. هذا الفلاح يفكر .. والتفكير يقوده الى تمييز الخطآ من الصواب ، ثم نادى باعلى  صوته فجاءت حورا .

 

قال الملك .. انت يمينى و سيفى  . . انت مدبرة القصر و سيدته و مفاتيحه و شوؤنه بين يديك ، يقول هذا الفلاح  ان النحاس خير من الذهب ، فما رايك ؟

قالت الاميرة : فى الحرب نعم .. اما فى السلم فلا .

قال الملك : بل فى الحالين نعم .

قالت الاميرة : سيوف النحاس اقوى و امضى .. الفلاح يقول الحق .. لقد سمعت مقالته و انى الى جانبه .

و تلاقت عينا شكيم بعينى حورا فتحركت اعمدة القصر طربا و دقت الاته الموسيقية دون ان يلمسها احد ، كل ملابسها المعلقة على المشاجب رقصت ، اخذ قلبها يغدو و يروح على ضفاف جداول الغابة ،  ، و اخذ قلبه يقفز من مكانه كعصفور وليد يدور  فى عشه .

قال الملك : اذن فلنستمع الى صوت النحاس و ليرحل شكيم الى مصر غدا .

رحل شكيم الى باب القصر بينما ظل منظم الزراعة بين يدى سمحون يحدثه عن تخزين الحبوب و تطوير  قنوات الرى فى مملكة بنى كنعان ، و ما كاد شكيم يخطو نحو الباب حتى امتدت الى كتفه يد رقيقة  ارغمته على التوقف .

قالت حورا :اترحل يا شكيم دون ان تودعنى ؟

قال : شلت يمينه ان فعلها شكيم .

قالت حورا : اتحب شيئا آخر غير عشقك للسيف ؟

قال شكيم : اصبح قلبى يركض خلف السيف و خلف حورا .

قالت حورا : واصبح قلبى يتحفز كى يسبق حبى الى مصر فيعانقه قبل ان يصل اليها .

ثم انها مدت يدها الى شعر صدره الكث فسرت الرعدة فى جسدة . ثم تنقلت راحتها الى لحيته فخللتها  باصابعها و ابتسمت .

كان الليل يضحك ، و الحراس يضحكون ، حتى حجارة القصر كانت تبتسم .. سارا فى الليل و اوغلا فى العتمة.استمعا الى اهازيج صناع السيوف على اضواء شحوم البقر ، و عندما تعبا اعتليا ظهر تلة مشرفة على المدينة وجلسا هناك ينظران الى الاضواء الخافته التى تنبعث من الشبابيك الصغيرة ، قالت حورا الليل جميل ، و النبات يفرش بساطه خجلا على وجه اورسالم الندى . قال شكيم : الليل جميل ، فافرشى لى جسدك بدل النبات كى اشق طريقى فيه دون عناء . قالت حورا : جسدى قمحك الذى تزرعه على ارض حبرون ، قال شكيم و هو ينظر الى وجه القمر .. ابتعد يا هذا ولا تنظر الينا .. هلا اجلت طلوعك الى صباح الغد .. و جاءت غيمة رقيقة بيضاء فغطت وجه القمر.

***

و مضت ليال اخرى .. وضع سمحون راحته على خده و نظر الى السحب المتجهة نحو اريحا و قال :غدا تقترب اورسالم من اريحا .. فتلامسها كما يلامس السحاب المتجه اليها  ، حاول ان يبتسم لكنه ظل حزينا ، ثم بكى وحدته و طفرت الدموع من عينيه فجاءت حورا على عجل .                                  .

ابتاه ايها الملك العظيم .. اتبكى و حورا  الى جانبك .

ابكى فرحا و حزنا يا حورا.. اريحا تستنجد بى ولا استطيع الان لها شيئا ، كان الخاصة يكدسون الذهب  و يكسرون السيوف و يضعون حاجزا بينى و بين بيوت اورسالم الطينية ، واليوم ارى تلك البيوت وقد وقفت   الى جانبى متحفزة .قالت حورا ..اراك تنسى ذاك الذى حدق فى عينيك اول مرة .

شكيم ؟ لا انساه و لو نسيت نفسى ، غدا يحمل النحاس على ظهور الجمال و ياتى من الصحراء فاردا وجهه مثل شتاء الصيف . قالت حورا و غدا ياتى فيحصد القمح على ارض اورسالم ناضجا ممتلئا كحبات الكرز قال الملك …اما انا فقمحى ازرعه دون ان ينبت .

قفزت حورا واقفة و قالت : ابتاه ، البيوت الفارهة تحولت الى اكوام سوداء و لم تبق غير البيوت الطينية .

قال الملك سمحون : غدا اهرع الى بيوت الطين على قدمى فاختار عروسا ترضانى و عندها سوف ينبت  القمح فى قصرى من جديد .

فرحت حورا فرحا طاغيا ، ثم وضعت يدها على كتف الملك و سقطت من عينيها دمعة تلألأت فى ضوء القمر و غابت فى ردهات القصر . الى اللقاء ثانية ..