المدينة والحرم الابراهيمي تحت وطأة الارهاب والاستيطان والسطو التراثي الصهيوني – بقلم : نواف الزرو

فلسطين …..
*نواف الزرو – ا لاردن …
الى جانب مخططاتها الاستيطانية المحمومة التي تنفذها على الارض في كل الجسم الفلسطيني، والى جانب مخططاتها واقتحاماتها وانتهاكاتها وجرائمها التي تقترفها على مدار الساعة والبث الحي والمباشر ضد المدينة المقدسة بمقدساتها كلها وضد اقصاها على نحو خاص، وفي مدينة خليل الرحمن على نحو خاص، فان سلطات الاحتلال تقوم بشن حملة “تطهير عرقي” وسطو مسلح على التراث العربي العريق في اهم الاماكن الفلسطينية، وفي مقدمتها مدينة خليل الرحمن، حيث هجمات وحملات السطو التراثي لا تتوقف ابدا لدرجة ان البلدة القديمة في الخليل التي تعود إلى عصور ما قبل السيد المسيح عليه السلام تواجه خطر محو تاريخها بعد أن كانت هددت إسرائيل بهدم عشرات المنازل الأثرية التي يتراوح عمرها بين 800 وألف عام لشق طريق خاص للمستوطنين يصل مستوطنة كريات أربع الواقعة على بعد أمتار من المدينة بالحرم الإبراهيمي-.
فمنذ البدايات الأولى للاحتلال أعلنت الحكومة الائتلافية الإسرائيلية آنذاك أن الأولوية الأولى للاستيطان اليهودي في مدينة خليل الرحمن، وتحركت قاطرة الاستيطان التهويدي على أرض الخليل قبل أي مكان آخر.
والحجة الأولى والكبيرة الأساسية المغلفة بالأيديولوجيا التي استندت إليها عملية الاستيطان في الخليل”أن الخليل مدينة مقدسة لدى اليهود، عاش فيها ومات بعض أنبيائهم وزوجات أنبيائهم كما ورد في التوراة “.
و”الملفت للانتباه “أن الاستيطان يجري في الخليل تحت حجة أنها مدينة عبرية، وأن الملك داود اتخذها في حينه عاصمة لملكه، وأن فيها عدداً من قبور الانبياء وزوجاتهم، وهي بذلك تتساوى في أهميتها مع تهويد مدينة القدس بل إن بعض المتطرفين الصهاينة يذهب أبعد من ذلك، ويعتبرها تفوق في أهميتها مدينة القدس”.
وتضمنت الخطوط الأساسية للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بعد ذلك، كما اشتملت كافة البرامج السياسية للأحزاب الإسرائيلية على اختلاف انتماءاتها وتصنيفاتها، على بند أساسي يميز ويبرز الاستيطان اليهودي في ” أرض إسرائيل ” المزعومة ، التي يقصدون بها أرض فلسطين التاريخية، وفي مفاهيمهم تأتي القدس والخليل في المقدمة .

عملية ذبح منهجية للتاريخ والحضارة
ففي ظل صمت وفرجة وغفلة العرب، وفي ظل صمت او تواطؤ المجتمع الدولي، وتحت وطأة تهافت التطبيع العربي الرسمي وتداعياته على القضية والشعب والراهن والمستقبل، تتعرض الضفة الغربية بعامة، ومدينتي القدس والخليل بخاصة الى هجوم بلدوزري استعماري استيطاني تهويدي صهيوني كاسح يهدف بالعنوان الكبير الصريح الى:
تدمير مقومات الاستقلال الفلسطيني اولا، ثم تهويد وتطويب الضفة والمدينتين المقدستين تحت السيطرة والسيادة الاسرائيلية الى الابد ثانية.
في سياق ذلك كان شارون قد وضع مبكرا مدينة خليل الرحمن بعد المدينة المقدسة، على قمة اجندته التهويدية، لدرجة انه اعتبر “ان الجيب الاستيطاني في الخليل ورقة استراتيجية بيد اسرائيل”، ما ينطوي على مضامين ودلالات وتداعيات بالغة الخطورة على مصير المدينة.
فحينما تكون الخليل ورقة استراتيجية بيد “اسرائيل”، فإن ذلك يعني: ان هذه المدينة الابراهيمية المباركة تتعرض الى اجتياح واكتساح تهويدي استراتيجي قد يحسم مصير المدينة ومستقبلها الى ابد الابدين.
ولعل قراءة اهم عناوين المشهد الماثل على ارض الخليل يشرح لنا المغازي والمخاطر الحقيقية وراء”ان تكون الخليل ورقة استراتيجية…”؟!
فالاستيطان اليهودي في الخليل هو اولا وقبل كل شيء استعمار وسلب ونهب وسطو مسلح ومصادرات وجدران عنصرية وحصارات واطواق وحواجز وقمع وتنكيل، والاخطر انه اجتثاث واقتلاع وإلغاء وترحيل – ترانسفير- لاصحاب الارض والوطن والتاريخ والتراث…!
فالمدينة القديمة وفق جملة من التقارير الفلسطينية والاجنبية تتعرض الى عملية ذبح منهجية للتاريخ والحضارة والتراث والوجود العربي فيها. والمدينة تحولت الى معسكر اعتقال للفلسطينيين هناك، وتتعرض على مدار الساعة الى اعتداءات المستوطنين الارهابيين المدججين بالاسلحة تحت سمع وبصر وغطاء الجيش.
وحرب الاستيلاء على المنازل العربية هناك لا تتوقف ابدا..والجيش والمستوطنون عبارة عن حكومتين تبطشان بأهل المدينة بيد واحدة…فالبلدة القديمة باتت في ضوء كل ذلك الوجه الحزين لمدينة الخليل.

حملات سطو تراثي
فمنذ ان اعلن نتنياهو عن خطته المشهورة لاحياء وصيانة ما اطلق عليه “المواقع التراثية التهويدية”، توجّه اللوبي “من أجل أرض إسرائيل” في الكنيست برئاسة أعضاء الكنيست “زئيف الكين” من حزب الليكود، و”أرييه إلداد” من حزب الاتحاد الوطني، برسالة إليه-اي نتنياهو- يطلبون منه فيها “أن يضم ضمن خطته تأهيل المواقع التراثية ضم مواقع أثرية في أنحاء الضفة الغربية”(1)، وبارك رؤساء اللوبي لنتنياهو خطته الوطنية لتأهيل وتقوية المواقع التراثية، والتي عرضها أمام مؤتمر هرتسيليا.
وجاء في فحوى الرسالة: “عدد كبير من المواقع التراثية المهمة لشعبنا تتواجد في أراضي الضفة الغربية، ومن اللائق ضم هذه المواقع التراثية إلى خطتك هذه”(2)
وتضمنت الرسالة أيضا مطالبة اللوبي، نتنياهو ب”ضم مواقع تراثية في خطته، منها حسب العقيدة اليهودية، الحرم الإبراهيمي في الخليل، وقبر راحيل في مدينة بيت لحم، وقبر يوسف في نابلس، وأيضا قبر النبي شموئيل”(3).كما طالب أعضاء الكنيست ب”ضم عدد من المواقع الأثرية في جبل الخليل بالمدينة القديمة ومغارات “كومران” في البحر الميت، وجبل عيبال في شمال مدينة نابلس، وجبل جرزيم “النار” جنوب مدينة نابلس، وموقع القطار في قرية سبَستيا، ومنطقة سوسيا في الخليل”(4).
وقال أعضاء الكنيست في رسالتهم: “هذه المواقع ليس لها بديلا، وهي أساس بقاؤنا كشعب”(5)، مؤكدين على “أهمية وضرورة تأهيل وتقوية الصلة بها، لأنها –وبحسبهم- تضمن مستقبل شعب عاد لأرضه بعد ألفي سنة من الاغتراب”(6).
الجدير بالذكر أن اللوبي “من أجل أرض إسرائيل” ضم 39 عضو كنيست من كتل اليمين وكُتل الحريديم “اليهود الأرثوذكس”، وعمل بالتعاون مع منتدى مشترك يضم جهات غير برلمانية من المستوطنين، بما فيهم مجلس المستوطنات ومنظمة حقوق الإنسان في المستوطنات، ومنتدى أعضاء الليكود في مستوطنات الضفة الغربية ولجنة المستوطنين.
ويدعي المستوطنون” إن لهم حقا توراتيا في الخليل حيث كثيرا ما يتحول التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين الى أعمال عنف. ولا تزال ذكريات المذابح عالقة في أذهان الطرفين”(7)، ويعتبر مستوطنو الخليل أنفسهم “روادا يعيدون إنشاء مجتمع هجره أفراده بسبب مذبحة مات فيها 67 يهوديا على يد العرب عام 1929. ومنعت السلطات البريطانية التي كانت تحكم فلسطين آنذاك اليهود من العودة”(8).
وعلى هذه الخلفية الايديولوجية المزعومة ، قال عضو الكنيست الدرزي الليكودي المتصهين ” ايوب قره” والذي شارك في الاحتفالية التي اقامها ألاف اليهود المتطرفين في الخليل لمناسبة الاعلان عن الحرم الابراهيمي كموقع تراثي يهودي بان الجموع التي حضرت الاحتفالية تشكل الضمانة والدليل على “ان احدا لا يستطيع اجبارنا على تركك الخليل والحرم الابراهيمي حتى حسين اوباما”(9) .
ودعا قره نتنياهو الى” القول “لا ” كبيرة للرئيس الاميركي اوباما ونعم كبيرة لشعب اسرائيل الذي أم ويؤم الخليل بجماهيره الغفيرة ويجب منح الاذن باستئناف الاستيطان في ارجاء البلاد”(10). وتطرق ايوب قره الذي حاول اظهار موقف متشدد يفوق في تشدده جموع المتطرفين الى الطائفة الدرزية قائلا ” لقد حافظنا على ارض اسرائيل حين كان شعب اسرائيل في المهاجر وسنحافظ عليها سويا مع شعب اسرائيل الآن وفي المستقبل “(11) .
وفي احتفال سابق، شارك نحو 20 الف مستوطن في “إحتفال” بضم مسجد الحرم الإبراهيمي لقائمة “الميراث الإسرائيلي”، وجرى الإحتفال في الحرم بمشاركة اعضاء في الكنيست ونواب وزراء من الأحزاب اليمينية بما فيها حزب “ليكود”(12)، وأشارت مصادر محلية، إلى “أن هذا الاحتفال الأكثر تجمعا لليهود عنه في السنوات السابقة، نتيجة لإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي باعتبار الحرم الإبراهيمي كموقع تراث يهودي”(13).
ولاحقا وفي السياق الاحتفالي كذلك، أقام لواء “جفعاتى” التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلى، حفل تخريج دورة تأهيلية لمجندين جدد انضموا إليه داخل الحرم الإبراهيمى فى مدينة الخليل، كخطوة استفزازية للفلسطينيين ومشاعر المسلمين فى العالم، وأوضحت صحيفة يديعوت أحرونوت”أن الحفل بدا وكأنه مهرجان عسكرى عادى، حيث تنقل قائد الكتيبة بين الجنود، بينما أكد المتحدثون أن هذا الاحتفال غير عادى لأنه يقام داخل باحات الحرم الإبراهيمى، أحد المواقع الأثرية الإسلامية فيما قام أهالى الجنود بالتقاط الصور التذكارية مع أبنائهم”(14). وقال أحد الجنود الذين تخرجوا من هذه الدورة: “إن الأجواء كانت رائعة وأن على كل جندى أن يقوم بزيارة الحرم الإبراهيمى”(15).
كما أقام المستوطنون حفلا صاخبا في باحات المسجد الإبراهيمي الشريف “استخدموا فيه الألعاب النارية والموسيقى الصاخبة وسط حلقات الرقص وذلك ضمن حفلاتهم السنوية التي تقام في مناسباتهم الدينية، ودعوات وزرائهم لتكثيف زيارة المغتصبين إلى الحرم ضمن سلسلة المصادرة والضم التي تمارسها حكومات الاحتلال ضد أملاك الفلسطينيين في المدينة”(16)، و”تجمع مئات المستوطنين أمام الجيب الاستيطاني “أبراهام أبينو” في قلب الخليل وعقدوا أيديهم وقاموا بأعمال رقص وعربدة وانطلقوا يرشقون الفلسطينيين ممن تبقى في البلدة القديمة بأقذع السباب والشتائم وسط دعوات عنصرية لقتل العرب، والمسيرات جابت شارع السهلة، وشارع الشهداء وشارع الإخوان المسلمين وقد ردد المشاركون فيها عبارات التنديد والتهديد ضد الفلسطينيين”(17). وقد شارك في المسيرات أقطاب التطرف ، باروخ مارزيل وتلاميذ المتطرفة عنات كوهن وغيرهما ممن يجندون عناصر التطرف ويحشدون لقمع أي وجود فلسطيني داخل البلدة القديمة.
وخلال تلك المسيرات “هاجم المستوطنون عدة أحياء في البلدة القديمة منها حي تل الرميدة وباب الزاوية وشارع الشلالة القديم ومربع السوق وحي جابر ومحيط مغتصبة حجاي، حيث هاجموا المنازل بالحجارة والزجاجات الفارغة وحطموا نوافذها واعتدوا على سكانها، كما هاجموا سيارات الفلسطينيين المتواجدة في الأحياء المذكورة وحطموا زجاجها وفرضوا حالة من الرعب والخوف ضد المواطنين”(18).
يضاف الى كل ذلك ما يقوم به جيش الاحتلال الى جانب المستوطنين من اعتداءات على المساجد والاماكن التراثية الفلسطينية، فقد ذكرت المصادر الاعلامية على سبيل المثال ” ان الجيش الإسرائيلي اقتحم عدة مساجد في مدينة الخليل وأجرى عملية تفتيش واسعة النطاق داخلها “(19)، وقالت مصادر أمنية فلسطينية “أن قوة إسرائيلية معززة بآليات عسكرية إقتحمت مدينة الخليل وشنت عملية تفتيش إستهدفت عدة مساجد في أحياء متفرقة من الخليل وعبث بمحتوياتها، فيما شرعت قوة إسرائيلية أخرى بعملية تفتيش لمنازل المواطنين في المدينة دون أن تبلغ عن إعتقال أحد حتى لحظة إعداد الخبر”(20).

*تطهير عرقي مبيت ومحموم..!!
وترتقي حملات التهويد الشامل في مدينة الخليل الى مستوى التطهير العرقي بالشهادات الموثقة، فيقول رئيس وحدة المراقبين الدوليين في الخليل “يان كريستنسن” الذي انهى خدمته: “ان هناك عملية تطهير تستهدف الفلسطينيين في المنطقة”(21)، وجاء في تقرير لمنظمة “بتسيلم” في هذا الصدد “ان 43% من سكان قصبة الخليل اجبروا على مغادرتها بسبب الاعتداءات..”(22)، يضاف الى ذلك “ان هناك عملية ترانسفير تجري جنوب جبل الخليل تمهد لعمليات ترحيل كبيرة في المستقبل”(23).
اما عن منهجية تعطيل الدراسة والتعليم في المدارس والجامعات فحدث بلا حدود…؟!
وفي سياق المضامين اعلاه وصفت جمعية اسرائيلية مرموقة ما يحدث بالخليل على انه “تطهير العرقي” مؤكدة “ان المدينة القديمة المغلقة بشكل شبه دائم بوجه الفلسطينيين لحماية المستوطنين وأصبحت منذ سنوات “مدينة أشباح”، و”ان الجيش يعترف بأن المستوطنين يقتحمون مبان بشكل غير شرعي، ويمتنع عن اخلائهم “لعدم اشعال المدينة”(24).
ولعل ذلك التقرير الصادر عن جماعتين حقوقيتين إسرائيليتين معنيتان بحقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يكثف لنا المشهد الماثل في مدينة خليل الرحمن حينما يوضح:” إن القمع الإسرائيلي للفلسطينيين بمدينة الخليل في الضفة الغربية أجبر الآلاف منهم على مغادرة بيوتهم وتجميد أعمالهم التجارية”(25)، ويقول التقرير الذي أصدرته جمعيتا “بتسيليم” و”حقوق الإنسان في إسرائيل”:” إن أكثر من أربعين في المائة من الفلسطينيين الذين كانوا يسكنون في مركز مدينة الخليل الخاضع للسيطرة العسكرية الإسرائيلية قد اجبروا على النزوح من دورهم، كما أجبرت أكثر من 75 في المائة من المحلات التجارية على إغلاق أبوابها”(26)، ويردف: “إن النزوح الفلسطيني من قلب مدينة الخليل – المقدسة لدى المسلمين – جاء نتيجة السياسة الإسرائيلية المبنية على الفصل بين العرب واليهود والمعاناة المفروضة على الفلسطينيين”(27)، مشيرا إلى “أن المستوطنين يسيطرون على مركز المدينة حيث يعيش زهاء 650 منهم تحت حماية مشددة بينما يعيش الفلسطينيون البالغ عددهم 160 ألف نسمة على باقي المدينة”(28)، موضحا:” أن 1014 منزلا فلسطينيا على الأقل، أي حوالي 42 في المائة من المنازل في مركز المدينة، أصبحت غير مأهولة”(29).

المستوطنون: “قتلنا المسيح وسنقتلكم أيضاً”
ولعل من اخطر ما يجري هناك على ارض الخليل تسيب المستوطنين اليهود المدججين بالاسلحة الذين يهتفون في وجه اهل المدينة : “قتلنا المسيح وسنقتلكم أنتم”(30).
وترجمة ذلك على الارض على سبيل المثال “أقدم المستوطنون على اضرام النار منزلين في البلدة القديمة، فيما دهست سيارة للمستوطنين المواطن نعمان فواز الناظر 22 عاماً أثناء عبوره في شارع الشهداء المغلق أمام حركة السيارت العربية”(31)، بينما “تجمع عشرات المستوطنين، في سوق الخضار القديم بالقرب من البؤرة الاستيطانية ابراهام افينو، في أعقاب تسليم الشرطة الإسرائيلية أوامر اخلاء لمستوطنين استولوا على محلين تجاريين في سوق الخضار القديم من مدينة الخليل منذ ما يزيد عن الست سنوات”(32)، كما ذكرت مصادر أمنية اسرائيلية بان “مجموعة من المستوطنين اقتحموا مسجد الاقطاب الواقع في سوق الخضار القديم، وان جنود الاحتلال أخرجوهم منه ، ليقوم المستوطنون بإضرام النيران في البناية التي كانت تقيم فيها لجنة إعمار الخليل، وكذلك تم إضرام النيران في منزل المواطن عبد الرحمن سموح، بالاضافة الى منزل لم يتم معرفته بعد ، بسبب منع المستوطنين للاطفائية ، من القيام بواجبها باخماد النيران”(33) .
وتتصاعد اعتداءات المستوطنين على مدار السنوات، فهدد العشرات من قطعان المستوطنين الذين يتوافدون من مستوطنة كريات أربع حيث يتجمعون في منطقة البقعة والمناطق القريبة -حيث يوجد حوالي أربع نقاط تماس مع الفلسطينيين- بحرق أحياء فلسطينية كاملة في محافظة الخليل في الضفة الغربية. وقال عيسى عمرة من شباب ضد الاستيطان ” قامت مجموعة كبيرة من المستوطنين باعتراض السيارات الفلسطينية القادمة من شمال الخليل إلى جنوبها وتقوم بأعمال عربدة أهالي مدينة الخليل”(34).
وأضاف عمرة، “أن هذه المجموعة قامت بمهاجمة منزل عائلة إدريس واعتدوا على سكانه، وقاموا بالعبث بمحتوياته، وتكسير زجاجه قبل أن تقوم بحرق أجزاء منه، وأن المستوطنين لا زالوا يتوافدون حتى اللحظة في المناطق القريبة من مستوطنة كريات أربع ونخشى من حدوث اعتداءات في المستقبل القريب”(35)،
وأوضح عمرة، “إلى أن المستوطنين عادة ما يقومون بحرق سيارات وبيوت المواطنين والاعتداء عليهم”(36).
* عدوان الاحتلال يطال الأموات أيضاً
ولم يكتف الاحتلال بالتنكيل بالمساجد وبمن هم على قيد الحياة، بل يصر أيضاً على ملاحقة من هم يرقدون بسلام تحت الأرض، وأمواتاً منذ سنين، اذ “أقدم الجنود وخلال عملية عسكرية واسعة نفذوها يوم /2007/7/31 في منطقة مراح البقار في بلدة دورا بالخليل جنوب الضفة الغربية، على نبش أحد القبور وهدم السقف العلوي له”(37)، وجاء في وصف ما حصل:” بدت جثتي الحاجة سارة عبد الفتاح عمرو المتوفاة منذ العام 1989 وحفيدها سامي المتوفى منذ عام 1994، واضحتان للعيان ومكشوفتان بفعل الردم الذي تعرض له القبر / كما أكد المواطن ناصر عمرو”(38)، الذي اضاف “أن ما يزيد عن عشرين دورية ترافقها جرافة عسكرية نفذت العملية التي استمرت لعدة ساعات، تخللها الاعتداء على القبر وكذلك على منزلي طالب وإبراهيم عمرو قبل أن اعتقلوا الشقيقين أمين و حسن عمرو (36 و33 عاماً)”(39)، وأشار الى “أن هجوم جنود الاحتلال كان بشكل هستيري وعنيف دون معرفة السبب الحقيقي، سوى ما ادعاه هؤلاء الجنود بالبحث عن متفجرات وأسلحة لم يعثروا عليها ولا وجود لها، كما قاموا باستخدام المتفجرات في تفجير أبواب المنازل المستهدفة وترويع قاطنيها بشكل مخيف قبل أن يتم طردهم الى بيوت مجاورة، ليتسنى لهم حرية العبث بمحتويات وأثاث ومقتنيات المنازل المستهدفة”(40).
* كل شيء مباح للمستوطنين
وقد تفاقمت الاحوال والمعاناة في المدينة الى درجة وصفها احد التقارير بان كل شيء مباح للمستوطنين ، وجاء فيه:” للمعاناة في البلدة القديمة لمدينة الخليل أوجه متعددة، ربما تختصر هذه العبارة ما تعانيه هذه البقعة المُحاصَرة والمعزولة عن باقي المدينة على يد الاحتلال الصهيوني من إجراءات لم تتوقف منذ احتلالها سنة 1967، وازدادت تصعيداً منذ سنة 2000، ويمكن القول إنّ الفلسطينيين في هذه المنطقة، الذين يُقدّر عددهم بما لا يقل عن 35 ألفاً، يُعاقَبون بسبب بضع مئات من المستعمرين موزّعين على خمس بؤر في قلب البلدة، استقروا فيها بحماية أكثر من ألف من جنود الاحتلال”(41)
أما أبرز جرائم الصهاينة التي ما زالت البلدة القديمة تتعرض لها، وتأتي في سياق منهجية التطهير العرقي للبلدة القديمة، فهي هدم منازل المواطنين ومنشآتهم الخاصة أو الاستيلاء عليها، وإغلاق الشوارع، وإغلاق مئات المحال التجارية وطرد أصحابها من التجار منها، وحظر التجوال لفترات طويلة. وتلحق بذلك البوابات الحديدية والإلكترونية التي وضعتها قوات الاحتلال، ونقاط المراقبة العسكرية فوق أسطح مبانٍ مسكونة، والكثير من الحواجز الإسمنتية والترابية فضلاً عن الحواجز الثابتة. وإذا ما أُضيفت إلى ذلك كله استفزازات المستعمرين أنفسهم، فإنّ ذلك جعل التحرك في بلدة الخليل القديمة أشبه بالمشي وسط حقل من الألغام، وهو ما أجبر الكثير من الفلسطينيين على مغادرتها محاولين الانعتاق من السجن الكبير وضائقة الحياة العسيرة المفروضة عليهم قسراً.
*عقود من الاحتلال والاستيطان والتهويد
ويذكر تقرير فلسطيني في هذا السياق باوضاع الخليل بعد عقود طويلة من الاحتلال قائلا:” اعوام طويلة عاشها أبناء المدينة وخاصة المجاورين للمستوطنات والبؤر الاستيطانية مع فوهات البنادق فلكل واحدا منهم قصة وحكاية إلا أنها لم تغير من مأساتهم وآلامهم شيئا بل زادت اعتداءاتهم بإلقاء الحجارة والقاذورات وضربهم ومصادرة أراضيهم وسرقة ثمارها وإطلاق الأعيرة النارية وإضرام النار عليهم وأصبحت جزء من حياتهم اليومية”(42). ويقول خبير الخرائط والاستيطان في الخليل عبد الهادي حنتش “ان الاستيطان في الخليل بدا في عام 1968م، عبر إقامة أحزمة استيطانية استكمالا لمشروع الخليل العليا الذي اقرته الحكومة الإسرائيلية، وبموجبها تم إنشاء أول مستوطنة على مشارف المدينة وهي مستوطنة كريات أربع تمهيدا لتطويق مدينة الخليل ومحاصرتها جغرافيا وسكانيا “(43)، مضيفا:” ولتحقيق ذلك صودرت مساحات واسعة من الأراضي حول المدينة لإقامة مستوطنة كرمئيل ومستوطنة ماعون على أراضي بلدة يطا، جنوبا، ومستوطنة متسفي جبرين على أراضي قرية ترقوميا غربا، ومستوطنة تشيغوت على أراضي قريتي صوريف وبيت أمر شمال غرب المدينة”(44).
ويقدم حنتش المزيد من التفاصيل قائلا:” تحت ستار إعادة بناء الحي اليهودي الذي كان قائما في المدينة وجرى تدميره عام 1929م جاءت فكرة إعادة إحياء الاستيطان اليهودي في الخليل بعد عام 1967م، وفي آب عام 1970م أصدر الحاكم العسكري للضفة الغربية أمرا بمصادرة أراض مساحتها 1200 دونم شمال شرق مدينة الخليل لإقامة النواة الأولى لمستوطنة كريات أربع واستمرت المستوطنة في التوسع على حساب الأراضي العربية المجاورة لها حتى بلغت أكثر من ثمانية آلاف دونم، وتم إغلاق ومصادرة مساحات كبيرة من الأراضي شمال المستوطنة تمهيدا لتوسيعها، وفي نيسان 1979 قادت مريم ليفنغر زوجة الحاخام ليفنغر مسيرة نسائية للاستيطان في قلب الخليل، واستقرت النسوة في بيت هداسا”(45).
واضاف تقرير فلسطيني آخر المزيد من المعطيات عن واقع الخليل قائلا:”تتجدّد يومياً ومنذ بدايات الاحتلالً، ملامح النكسة في مختلف أرجاء محافظة الخليل بالضفة الغربية عموماً وفي البلدة القديمة على وجه الخصوص، بعد سقوط المحافظة كباقي أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة في قبضة الاحتلال الإسرائيلي، عقب هزيمة حرب حزيران في العام 1967، وتتنوّع أشكال النكسة المتجسدة على الأرض في الخليل بين إذلال المواطنين ووضع اليد على ما تبقى من البيوت والمنازل الفلسطينية المجاورة للتجمعات الاستعمارية المقامة إلى جانب عشرات الدونمات من الأراضي التي صادرتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي”(46).

*احتفالات تلمودية تزييفية
وما تزال سلطات الاحتلال تشن حملات احتفالات تلمودية تزييفية منذ احتلال مدينة خليل الرحمة، بغية تطويب المدينة لهم الى الابد باعتبارها “مدينة الآباء والاجداد-لليهود-“، و”انها مدينة تراثية لهم، وبالتالي من حقهم إقامة الاحتفالات التلمودية في كل مكان فيها.
وفي هذا السيا وفي احدث تطورات المشهد الصراعي في مدينة خليل الرحمن، أفادت مصادر محلية، صباح الثلاثاء 19 ابريل 2022 ب”أنّ مئات المستوطنين اقتحموا الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، وأدوا رقصات وطقوسًا تلمودية داخله وفي باحاته بحجة الاحتفال بـ”عيد الفصح” اليهودي، فيما شددت قوات الاحتلال إجراءاتها العسكرية في محيط الحرم لتأمين اقتحام المستوطنين، ونصبت الحواجز العسكرية على المفارق والمداخل المؤدية للحرم، وأعاقت حركة المواطنين ووصولهم إليه”. وقبل ذلك كان رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق نتنياهو اقتحم يوم: 04/09/2019 برفقة عدد من الوزراء الحرم الإبراهيمي عقب اقتحام الرئيس الإسرائيلي رؤوفن ريفلين، وسط حالة من التأهب بين الفلسطينيين، وادعى نتنياهو في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى الـ90 لـ”ثورة البراق”، فيما أحاطته به الستائر العازلة المصفحة: “جئنا إلى الخليل من أجل التوحد مع الذاكرة، لقد جئنا للتعبير عن النصر”، وأضاف، في إشارة إلى الثوار الفلسطينيين خلال أحداث “ثورة البراق”: “كانوا على يقين أنهم اقتلعونا من هذا المكان مرة واحدة وإلى الأبد، لقد ارتكبوا خطأ مريرًا”، وشدد نتنياهو على أن الاحتلال سيتواجد “في الخليل إلى الأبد ولن نخرج منها”، مضيفًا: “لن ينجح أحد على طردنا من هذا المكان، وسنبقى في الخليل إلى الأبد”، بينما وزعم ريفلين أن “الخليل ليس عائقا أمام السلام، الأمر متروك لنا ومعلق برغبتنا الأمل من نصيبنا واليهود عادوا إلى أرض آبائهم” مضيفا أنه على “إسرائيل بناء أحياء (استيطانية) جديدة” في المنطقة”.
وقبله دعا وزير صهيوني إلى تدعيم الاستيطان في مدينة الخليل وتعزيزه، معتبرًا أن المدينة هي بمثابة “القلب لإسرائيل”. وبحسب تقرير بثه تلفزيون القناة السابعة الصهيوني “اعتبر وزير البنية التحتية الصهيوني عوزي لانداو أن مدينة الخليل هي “البنية التحتية الحقيقية لإسرائيل” وليس الماء والطاقة”(47)، فيما “عبر عن أسفه لعدم قيام المدارس الصهيونية بتعليم تلك “الحقيقة” للأجيال الشابة بالقدر الكافي”(48). ودعا الوزير إلى “تدعيم الاستيطان في مدينة الخليل وتقويته؛ وإلى ضرورة “تنظيم الحملات السياحية إلى المدينة، والتثقيف حولها في البيت والمدرسة، منذ مرحلة رياض الأطفال، وأثناء الخدمة العسكرية، وكذلك البناء فيها”(49). واعتبر “أن التغيير يجب أن يبدأ من مدينة الخليل، التي قال إنها تمثل الجذور بالنسبة لليهود، معبرًا عن رغبته في أن يؤثر هذا التغيير على الأنظمة التعليمية والسياسية والعسكرية الصهيونية، لتصبح المدينة هي من يقود الجميع، وأضاف “بتغيير القلب، يتبع البقية لاحقًا”(50). كما أقام مستوطنون أقام عشرات المستوطنين احتفالا تلموديا صاخبا في ساحات الحرم الإبراهيمي الشريف، بدعوى إدخالهم التوراة إلى الحرم، وذلك بمشاركة وزير الأمن –في حينه- غلعاد إردان”(51).
وعلى الخلفية التلمودية ايضا، “شارك جميع ضباط الحاخامية العسكرية الكبار في الجيش الإسرائيلي في يوم دراسي خاص برئاسة الحاخام العسكري الرئيسي للجيش الإٍسرائيلي العميد الحاخام أيال كريم. وبدأ الضباط الحاخامات اليوم الدراسي بزيارة تجوالية في مدينة الخليل، حيث تجولوا في المستوطنة اليهودية في مدينة الخليل، ومن ثم وصل الضباط لزيارة الحرم الإبراهيمي”(52). ومن جهة اخرى”وضع القائم بأعمال رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير تطوير النقب والجليل سلفان شالوم-سابقا-، “حجر الأساس لإقامة مدرسة دينية يهودية في الحي الاستيطاني اليهودي في الخليل”(53). ومواصلة للحملة، اقتحم العشرات من جنود الاحتلال والمستوطنين منطقة أثرية في الخليل، وأقاموا فيها طقوسا تلمودية. وأفاد مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” “أن العشرات من المستوطنين حضروا بحافلات إسرائيلية تحت حماية العشرات من جيش الاحتلال إلى منطقة حرم الرامة على المدخل الشمالي لمدينة الخليل. وأغلق المستوطنون وجنود الاحتلال الطرق المؤدية للمكان، وانتشروا داخل ساحات الموقع الأثري، وأقاموا طقوسًا تلمودية تبعها حركات رقص ودبكة وهتافات معادية للعرب والفلسطينيين”(54). واقتحم المستوطنون ايضا موقعًا أثريًا في بلدة السموع جنوبي مدينة الخليل. وقال الناشط في مقاومة الجدار والاستيطان، راتب الجبور، “إن مستوطنين يهود اقتحموا أحد المواقع الأثرية الرومانية في بلدة السموع، لتأدية طقوس تلمودية في المكان. وأن الاقتحام جاء عقب تكثيف جيش الاحتلال لتعزيزاته العسكرية في بلدة السموع”(55). و”اقتحم مستوطنون صهاينة منطقة أثرية في بلدة “دورا” جنوبي الخليل؛ لأداء طقوس تلمودية ضمن احتفالاتهم بما يسمى عيد “الفصح” اليهودي. ونصبوا عرائش في منطقة “عين فرعة”، تحت حماية جيش الاحتلال؛ تمهيداً لإقامة احتفالاتهم بالأعياد اليهودية”(56). و”يعاود المستوطنين اقتحامهم للمنطقة في الأعياد اليهودية، حيث تحوي عين مياه أثرية بهدف أداء طقوسهم والغطس، والسباحة”(57).
وهكذا كما نتابع هذا الهجوم الصهيوني الهستيري على الخليل وحرمها والذي يغطونه بمزاعم ونصوص توراتية، فان المدينة تتعرض الى مجزرة حضارية وتراثية مفتوحة على يد الاحتلال شأنها شأن مدينة القدس ايضا، ما يستدعي حالة استنفار فلسطيني اولا في مواجهة هذا الهجوم الصهيوني، ومما يستعي ثانيا تحريك المنظامت والهيائات الحقوقية الاممية وخاصة منظمة اليونسكو فالمعركة كبيرة واستراتيجية ومصيرية…؟!
Nzaro22@hotmail.com