الإسراء والمعراج ، والواقع الحالي – بقلم د . عثمان قدري مكانسي

كتابات ومواد دينية
د: عثمان قدري مكانسي
1-إطلالة مناسبة على حادثة الإسراء والمعراج
– فقد الرسول عليه الصلاة والسلام زوجته خديجة رضي الله عنها وعمه أبا طالب، فاشتدّت المحنة عليه صلى الله عليه وسلم ، وعز النصير : السنة العاشرة للبعثة
– وجود النصير أياً كان يخفف من البلاء ويدرأ بعض العوائق . رب اشرح لي صدري ويسر.
– قد يكون النصير منك ومبدؤه مبدؤك كخديجة رضي الله عنها .المؤمنة بزوجها المؤيدة له.
– وقد يكون النصير ممن يؤازرك ، قريباً أو صديقاً ، فليس كل مخالف لمبدئك عدو ، وينبغي الاستفادة منه. كعمه أبي طالب. حمزة والعباس
– إذا ضاقت البلاد بك وبدعوتك فانتقل إلى مكان آخر، وادع إليها ، فليست الدعوة حكراً على موطن محدد ولا أمة معيّنة . هذا ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام حين ضاقت الأمور عليه في مكة فقصد الطائف ، علّ فيها من يؤمن بدعوته ويؤويه ويعينه على أدائها .
– قد يستجيب الآخرون لك لأنهم أكثر وعياً ، وأصفى قلوباً كالأوس والخزرج في المدينة ، وقد يكونون أسوأ من قومك كأهل الطائف ، فالتجربة مطلوبة ولا يملك أحدٌ الغيب ….
– وفي قلب العداوة واللدد قد يجد الداعية قلوباً شفافة وأفئدة طاهرة تستجيب للإيمان كما فعل عدّاس النصراني إذ عرف نبوة الرسول الكريم وآمن به .عبد ياليل: انتهى رسول الله ﷺ إلى الطائف وعمد إلى نفر من ثقيف هم سادة ثقيف وأشرافهم وهم أخوة ثلاثة: عبد ياليل، ومسعود، وحبيب بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف.
وعند أحدهم امرأة من قريش من بنى جمح، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله، وكلمهم لما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه.
فقال أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك.
وقال الآخر: أما وجد الله أحدا أرسله غيرك؟
وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى لى أن أكلمك.
فقام رسول الله ﷺ من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم – فيما ذكر لى -: “إن فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي”.

– اللجوء إلى الله تعالى والاستعانة به قوة تدفع إلى الثبات وتغرس الصبر والأمل في النفس ، وهل أعظم من الاعتماد على ركن ركين ،ومأوى مكين ؟ : فتأمل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة العصيبة وهو يغادر الطائف والسفهاء والصبيان يلاحقونه بالحجارة والسب والشتم إذ يقول:
اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك ، أو يحُلَّ علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك
نرى بوضوح في دعاء الحبيب صلى الله عليه وسلم الشكوى إلى الله وحده واللجوء إليهفقد استضعفه الناس والله رب المستضعفين ومعينهم والآخذ بايديهم وناصرهم.،ونرى الإقرار بالضعف والالم من تبلد المشاعر وكفر الناس وجبروت الكافروصده بغلظة وجفاء، أما السؤال : إلى من تكلني فتعبير عن ضيقه صلى الله عليه وسلم من صد الناس وسخريتهم ،وتحريض السفاء والصبيان، فأهل الطائف يتجهمونه، وأهل مكة يطاردونه ، وقد ألجؤوه إلى الخروج من مكة إلى غيرها، فلقي بني ثقيف أسوأ منهم لكنه صلى الله عليه وسلم مثال الثبات حين أعلن أنه لا يبالي بما يلقاه من أذى إن كان الله تعالى معه، ونظر إليه نظرة رضا، لكنه صلى الله عليه وسلم وهو الإنسان الضعيف يتحمل المشاق في سبيل الله ونشر دعوته ، بيد أن تيسير الأمور والعون أقرب إلى النفس البشرية ، والعافية أوسع وارحب ..ولن يكون صد المشركين من غضب لله عليه بل هو حبيب الله ورسوله، وترى سيد المؤمنين على مكانته العظمى عند ربه يتخوف من غضب الله ويعوذ بوجه الله ونوره أن يحل عليه سخطه أو ينزل به غضبه,,,
ومناروع ما يعلمناه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن نعوذ بالله مون موجبات غضبه ، ونسأله الرضا والعفو، ونطلب منه القوة والمدد، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
– الدعوة الصادرة عن قلب صادق جوابها الردّ الإيجابي السريع ،
أول الرد نزول ملَك الجبال بأمر الله تعالى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يطبق جبال مكة على المشركين إن شاء، لكنّ النبي الرحيم بقومه الراغب بإيمانهم أبى وسأل الله لهم الهداية .
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة إذ عرضت نفسي على بن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد ظللتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث اليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال فناداني ملك الجبال وسلم عليّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وقد بعثني ربك اليك لتأمرني بأمرك فيما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا. وهذا لفظ مسلم فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم فاستأنى بهم وسأل لهم التأخير لعل الله ان يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئا.
ما أرفقه بقومه رغم أذيتهم له صلى الله عليه وسلم.
ثانيه إيمان الجن بالدعوة إنْ جانبها الإنسُ وابتعدوا عنها ورفضوها . ” وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا ، فلما قُضي ولوا إلى قومهم منذرين ، قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدِّقاً لما بين يديه، يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم، ويجركم من عذاب اليم ، ومن لم يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض ، وليس له من دونه أولياء ،أولئك في ضلال مبين” الأحقاف 29-32.
ثالثه تكريم الداعية الأول بالإسراء والمعراج ، ولئنْ جهِلَ أهلُ الأرض مكانةَ هذا النبي العظيم وفضلَه إن أهل السماوات ليكرمونه ويجلونه صلى الله عليه وسلم . والدعاة المسلمون تلاميذُ الداعية الأول ، وليعاملنّهم الله تعالى بالقبول والكرم . وأنتم أيها الأحباب دعاة إلى الله فلا تهنوا ولا تحزنوا وأخلصوا لله في دعوتكم ،وابشروا برضا الله تعالى وتاييده،
2- الأثر الإيجابي لهاتين الرحلتين على الحبيب المصطفى وعلى سير الدعوة .
– تثبيت قلب الحبيب صلى الله عليه وسلم وإعلامُه أنه على حق ، ولا بد للحق من ثبات .
– وأن الله تعالى ناصره ولو بعد حين .
– اجتماع الرسول بالأنبياء صلوات الله عليهم ثبّتَ قلبه ، إنه حين التقى الكرامَ أمثاله وسمع منهم زاد يقينه بدعوته ، فليس مَن رأى كمن سمع . فقد علِمَ عِلْمَ اليقين وعاين الحياة الأخرى الدائمة بلقاء من ماتوا في الدنيا ، فكانوا عند ربهم أحياء مكرمين منعّمين.
– دلت صلاته صلى رسول الله بالأنبياء إماماً أنه أفضلهم وأن شريعته أكملُ الشرائع وأتمها ، وأن الدين عند الله الإسلام .الم يقل الله تعالى في سورة آل عمران 81-82 “وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسولٌ مصدِّقٌ لما معكم لتُؤمٍنُنَّ به ولتنصُرُنّهن قال أأقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا، قال فاشهدوا ، وأنا معكم من الشاهدين”
– صلاته صلى الله عليه وسلم فيه قرآن وتسبيح ودعاء بالعربية ، والكثير من الأنبياء ليسوا عرباً ، والعربية لغة أهل الجنة جميعاً ،علينا أن نحافظ عليها وننشرها بيننا في بيوتنا وبين إخواننا المسلمين في بقاع الأرض ، فما يُفهم الدينُ بغيرها . ولأن الأنبياء أهل الجنة فقد استقبلوه وكلموه بالعربية هذا ما تعلمته من مشايخي وأساتذتي وهذا ما أراه وأعتقده.
– لقاؤه صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ببيت المقدس دليل على سموّ مكانتها في ديننا وأن فلسطين بلد إسلامي ينبغي الحفاظ عليه والدفاع عنه . ألم يكن بيت المقدس القبلة الأولى للمسلمين، وأحد المساجد الثلاثة التي يُشدُّ إليها الرحال إلى يوم القيامة؟.
– لا يخشى المسلم قول الحقيقة وإن بدت للوهلة الأولى غريبة ، وخشي أن يزداد تكذيبُ الناس له ويكثروا من السخرية منه والتندّر به ، ولعل بعض ضعاف الإيمان يرتدّون عن دينهم لأن إيمانهم لم يلامس قلوبهم بعدُ . وقد استنكر المشركون سفر النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وعودته في ساعات وهم يضربون أكباد الإبل إليها في شهر . حتى وجدنا بعض ضعفاء الإيمان من المسلمين ارتدوا .
– قويّ الإيمان يزداد إيمانه صلابة وقلبه يقيناً كما فعل الصديق رضي الله عنه إذ قال للمشككين قبل أن يجيبهم ” أوَ قد قال ؟ فلما أخبروه أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أنه أسري به أجاب ” لئن كان قالها لقد صدق ” . ولما ذُكرت قصة المعراج أجاب مطمئن القلب مرتاح النفس : ” إننا لنصدقه بخبر السماء في ساعة ، أفلا نصدقه بأقل من ذلك ؟! . بامثال هذا الصاحب الجليل وزير النبي وخليفته والصحابة الراشدين نقتدي .
– من أساليب التربية ” التدرج ” إذ أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأيام الأولى بالإسراء ، ثم ذكر المعراج في أيام تالية . فقصة المعراج أشد غرابة لديهم من قصة الإسراء .
– رأى النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والنار رأي العين وأخبر عن أحوال أهل النار في النار وأهل الجنة في الجنة ليعتبر الناس ويتعظوا، ويؤمنوا ، وقد أعذر من أنذر .
– مكانة الصلاة في الإسلام عظيمة ، فقد فرضت على المسلمين والرسولُ في السماء ، فالصلاة صلة بين العبد وربه ، وهي هوية المسلم ، ” لا دين لمن لا صلاة له ” .
3-الدعوة ايام الحادثتين ، والدعوة هذه الأيام ( مقارنة بينهما ) .
– كان العرب أيام الدعوة في المرحلة المكية قبائل متنافرة يعادي بعضُها بعضاً ، ويأكل القويُّ فيها الضعيف ، ونجد بلادنا الإسلامية في هذا الزمن الرديء مفككة جزّأها العدو، فحافظنا على التجزئة وعضضنا عليها بالنواجذ .
– وكان العرب في العهد المكي يعيشون في جاهلية جهلاء تحكمهم العادات والتقاليد والمصلحة الآنيّة ، ونجد أنفسنا الآن نعيش بعيداً عن الإسلام تحكمنا القوانين الغربية والشرقية ، نتبع النصارى واليهود حذو القُذّة بالقُذّة . سمِّ ذلك غباء ،وسمّها جهلاً بالدين إن شئت، ولعلك تصيب إن جمعت الأمرين : الغباء والجهل.فأمة تتسم بمثل هاتين الصفتين تعيش على الهامش ، لا قيمة لها ولا أثر إيجابي، ولعلي ىلم كثيراً حين أقرأ بيت جرير في هجاء قبيلة تيم:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يُستأمرون وهم حضور
– والعرب إذ ذاك كانوا يخافون الروم والفرس ، وهم تبع لهذا وذاك ، وعشنا القرن الماضي تبعاً للاتحاد السوفيتي الكافر وللغرب الأمريكي المشرك ، فلما سقط الاتحاد السوفياتي خضع الجميع للصلف الأمريكي واليهودي معاً .
– لما تمسك المسلمون بدينهم حكموا العالم ، وحين تخلّوا عنه خضعوا لغيرهم وذلوا .
ولا أزال أتمثل العزة بقول الخليفة العظيم هارون الرشيد الذي حكم الشرق والغرب لغيم مرّ فوقه: انزل اينما شئت فسوف يأتيني خراجُك..وأنتبه لحاضرنا فآسى على وضعنا المهشم وآلمُ.
– إن القلة المؤمنة بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم استطاعت بإيمانها بربها ، وثباتها على دينها والتزامها النهجَ القويم أن تأخذ مكانها تحت الشمس وأن تكون سيدة الأمم ، ولنا بهم أسوة حسنة وقدوة صالحة ، فإن سرنا على ماساروا عليه وجاهدنا الجهادين الأصغر والأكبر كما جاهدوا وصلنا إلى ما وصوا إليه من مجد ورفعة وسؤدد .