آراء حرة …..
محمد هجرس – مصر
(((( رغم انني لم افهم ما يقوله العنوان فقد قررت نشرها ليرسل لي الكاتب مقالا آخر يوضح فيه ما كتبه .. فالهجرس حكاء ممتاز في موضوعات السخرية والالغاز وقد قيل لي .. في الحب ايضا )))))
في البداية أقر وأعترف أني لم أذق الخمور في حياتي غير مرة واحدة، وبشكل اضطراري في مناسبة ما بدولة عربية، حضرها مسؤولون رفيعو المستوى أجبرني أحدهم بإلحاح على التجربة التي لم تتكرر، ورغم أني كنت زبونا مستديما في غالبية الملاهي الليلية بدولة عربية مضطراً برفقة أصدقاء كثر ـ باعتباره المكان الملائم للتجمع و”الانبساط” على حد تعبيرهم ـ إلا أنني لم أتجاوز حدود عصير البرتقال أو نادراً “بيرة” لأقول أني قد فسقت وفجرت!.
وأعترف أن هذا الامتناع الشخصي لم يكن بحكم ادعاء الالتزام الديني، بقدر ما كان نتيجة لما رأيته من أحوال من يفرطون في الشراب، وتنساب ألسنتهم بما لا أستطيع وصفه من أسرار عامة أو شخصية جداً تجعل من المرء مسخاً فقد عقله، لذا فقدت الرغبة ولم أكرر التجربة أبداً!
أقول هذا بعد “الأزعرينة” المفتعلة حول السؤال غير الموفق ـ وربما غير المهني باعتباره تدخلا في الحياة الشخصية ـ الذي طرحه عمرو أديب على النجم المصري العالمي محمد صلاح، فيما يخص الخمور، وإجابة صلاح بأنه لا يرغب في تجربتها، وما تبعها من هوجة من مراكيب تنظيم عجل أبيس الكروي إياه.. كلها تنتقد عدم تصريحه بأنها حرام.. تكشف مدى تغلغل ثقافة القطيع عند كثير من البلهاء الذين ينساقون في أي مستنقع بحثاً عما يعيد الاعتبار لعجلهم المقدس بعد تألق صلاح عالمياً ليسحب منهم البوق الذي ينفخون فيه باستمرار.
ولأن الجهل هو المسيطر ـ خاصة وأن الحلال بيّن والحرام بيّن، وليس في حاجة للاعتراف به أو إنكاره ـ لم يعرف هؤلاء أن إجابة صلاح تتجاوز فكرة الحلال والحرام لتصل إلى الفطرة الإنسانية السليمة أصلا، دون أن ينسى أنه يعيش في مجتمع غربي عليه أن يلتزم بقوانينه طالما رغب في ذلك، أو يحترمها على الأقل مهما كان اتفاقنا أو اختلافنا حولها.
الأهم في نظري الشخصي ـ وأرجو ألا أكون مخطئاً ـ وهو ما لا يعرفه كثيرون أن رد صلاح بعدم وصفه للخمور بأنها”حرام”، جاء تجنباً لقانون بريطاني قد يتهمه بالتطرف ويُقال إنه قد يتم إتخاذ ضده إجراءات صارمة قد يكون منها أخذ ابنته مكة منه ومنعه من تربيتها ورؤيتها حتى عمر الـ16، في حال قال إنها محرمة..
وقد قرأت أنه في بريطانيا تم أخذ أكثر من 30 طفلًا مسلمًا من أسرهم وإعطاؤهم لأسر سيخية أو مسيحية لتربيتهم ولا يجوز للأسرة المسلمة استعادة أبنائها قبل الـ16 عامًا، بسبب هذا القانون.!
مشكلة الكثير منا، أنهم يمارسون الشيزوفرينيا في أقذر صورها، يعتقدون أنهم وحدهم من يملك الحلال والحرام، يتشدقون بمهاجمة الغرب “الكافر” ويدعون عليه وعلى أهله، بينما تراهم يقطنون هذا الغرب، أو يحلمون بالهجرة إليه والاستقرار فيه، يدعون التدين ويظهرون لنا قشوره فيما هم يتلاعبون بتعاليمه لاستقطاب مزيدٍ من المغيبين.
وللأسف، فإن بعض “الإعلام” يقوم بذات الدور “الغبي” ويعيد طرح أسئلة “غبية” تتجاهل أن “الشرب” مثلاً جزء من ثقافة المجتمعات الغربية، شأنه شأن المعاملات الربوية في البنوك التي يحفظون فيها بغالبية أموالهم، وأيضاً التعري وحتى حقوق الشواذ جنسياً، وحتى داخل هذه المجتمعات “الكافرة” ـ من وجهة نظر بعضنا ـ هناك من لا يشرب الخمر كجزء من الالتزام العقائدي أو كتعبير عن قناعة شخصية بالتأكيد لها أسبابها المختلفة.
في النهاية يبقى لاعب مثل محمد صلاح أيقونة مصرية وعربية لا مثيل لها، ولن تضاهيها أيقوناتهم المزيفة.. يكفي أنه استطاع بفنه وأخلاقه وسلوكه تغيير نظرة الغرب إلى الإسلام وخفض جرائم الكراهية ضد المسلمين في واحدة من أكبر معاقله، وربما هذا هو السبب الرئيس الذي لن ترضى عنه كل “عجولهم” وعقولهم المدنسة.