أسرة سلمى (26) بقلم : سعيد مقدم ابو شروق

فضاءات عربية …..
بقلم : سعيد مقدم ابو شروق – الاهواز ….
– ألو، مرحبا أمّ سعد.
– أهلا، أهلا، تفضّل.
– أريد الذهاب إلى السوق، اتصلتُ لأرى إن كنت تريدين شيئا.
– نعم، أريد الدجاج، اشترِ لنا دجاجتين رجاء.
وإيّاك أن تشتري من المحلّ الأوّل، فإنّه يبخس الميزان.
– أدري، أهل السوق كلّهم يعرفونه.
في غياب الإشراف على البائعين والمتابعة الرقابيّة، أمست السرقة في الميزان لدى البعض أمرا عاديّا!
– ماما، ماما…
– ما الأمر يا سعد؟
– على حائط جيراننا لافتة سوداء.
– لافتة سوداء؟! سأستفسر من أمّ أحمد.
– أبا سعد، بنت جيراننا توفّيت، والتشييع اليوم.
– أيّ جار؟
– أبو حميدة.
– أيّة واحدة منهنّ توفيّت وكيف؟
– حسنة، زوجها وابنها البكر أصيبا بالكورونا، فأرسلت بنتيها إلى بيت أبيها ورجعت لتعتني بهما.
وخوفا من الابتلاء بالفيروس، استقرّت في الفناء تطبخ لهما وتداريهما من بعيد، وتنام في السيّارة.
– في السيّارة؟! وفي هذا الحرّ القاتل؟!
– كانت تشغّل السيّارة وتستخدم المكيّف.
– ولا بدّ أنّها تخشى على السيّارة، فأطفأتها؛ وهي سمينة فأصيبت بجلطة من شدّة الحرّ.
– صحيح، هذا ما حصل.
– رحمها الله، لكنّنا في ظلّ انتشار كورونا دلتا لا نستطيع أن نشترك في التشييع، سنعزّيهم لاحقا.
– أبا سعد، أقاموا مجلس تأبين في حسينيّة الحاج عبدالحسين، وفيها جناح للنساء أيضا.
– حسنا، سنذهب معا، وأرجو ألّا تمكثي أكثر من نصف ساعة، وألّا تزيحي الكمامة.
سأنتظرك بعد نصف ساعة.
– حسنا.
– عند دخولي، اعتلى (الملّا) المنبر وبدأ بأبيات رثاء فصيحة، لكنّه أزعج أذنيّ حيث نصب المرفوع وكسر المنصوب ورفع المكسور!
– بعد اشتراكك في صفوف أبي شروق أصبحت أذناك مرهفتين!
– نعم، بدأ اللحن في اللغة يؤذيني.
تذكرت قول الرجل الهندي الذي قال: اكسر عظامي ولا تكسر المنصوب.
– أنا في حيرة من أمر هؤلاء الملالي، لماذا لا يدرسون اللغة فيتعلّمونها جيّدا!
مهنتكم تستوجب أن تتعلّموا العربيّة، فلماذا تتقاعسون؟!
ثمّ ألا تظنّون أنّ استلامكم أجرة مقابل عمل لا تتقنونه محرّم شرعا؟!
– المشكلة يا أمّ سعد في الناس الذين يحضرون مجالسهم ويستمعون إلى كلامهم المملّ دون أيّ اعتراض.
لو تصدّى لهم بعض المثقّفين بأسئلة تخصّ رقيّ مجتمعنا، لرأيتهم يدرسون ويقرأون الكتب ليلا ونهارا؛ لكنّ الناس يحضرون مجالسهم لكسب الثواب ليس إلّا. وهذه رؤية ضيّقة جدّا.
– هذه غاية الأميّين.
– اسمعي هذه الطريفة:
قبل سنين كان أحد الأصدقاء يحضر المجلس ليلتقي بالجيران، وعندما يبدأ الملّا النواحَ، يستخدم صديقي سمّاعات الأذن ليستمع إلى رواية 1984 لكاتبها جورج أورويل.