واشــنــطــن بـــيــن الــــدب والــــتــــنــــيـــن – بقلم د . أحمد الخميسي

سياسة واخبار ….
د. أحمد الخميسي – قاص وكاتب صحفي مصري ….
لم ينقض سوى أسبوعين بين لقاء الرئيسين الأمريكي والروسي في جنيف 16 يونيو وبين احتفال الصين 1 يوليو بمئة عام على حزبها الذي قاد البلاد على امتداد قرن كامل. ومع أن حملة شبه عدائية متبادلة سبقت لقاء بايدن وبوتين في جنيف، أدرجت روسيا خلالها أمريكا في قائمتها الرسمية للدول ” غير الصديقة”، ووصف الجانبان العلاقات بينهما بأنها ” في الحضيض” حتى توقف التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء، إلا أن قمة جنيف أسفرت عن العثور على نقاط اتفاق غير قليلة، ووصفها بوتين بأنها كانت” بناءة”، وأضاف أنه : ” لم يكن هناك أي نوع من العداء ، على العكس من ذلك، أظهر الجانبان محاولة لتقريب مواقفنا”. وقد كان ذلك متوقعا إلى حد ما بعد انضمام روسيا اقتصاديا وسياسيا إلى منظومة الرأسمالية العالمية، وتحول الخلافات من طابعها العدائي القديم إلى خلافات الأقارب. المشكلة الحقيقية التي تواجه واشنطن ليست الدب الروسي، بل التنين الصيني بدوره ونموه الاقتصادي المتضخم. ويشير تقرير صندوق النقد الدولي ” الآفاق الاقتصادية لعام 2035″ الى تراجع الاقتصاد الأمريكي وصعود الاقتصاد الصيني، ويتوقع التقرير أنه بحلول عام 2035 قد تصبح الصين ” القوة الاقتصادية الأولى في العالم” بشعبها الذي يقترب من ملياري نسمة وحزبها الذي بلغت عضويته مئة مليون فرد، ويبدو أن بكين تشعر بقوتها المرتقبة، ومن هنا قال الرئيس الصيني ” شي جين بينج” في خطاب الاحتفال بمئة عام على الحزب: ” ستسحق رأس كل من يجرؤ على الاستقواء على الصين وتخضب بالدماء على سور فولاذي صنعه ما يزيد عن 1.4 مليار صيني”! تتحدث واشنطن عن روسيا لكن عينها على الصين التي يشكل نموها خطرا حقيقيا في عالم المنافسة الحرة والقوة الاقتصادية. وقد حققت الصين ما حقققته بفضل سياسة” السوق الاشتراكية” التي بدأها سكرتير الحزب” دينج شياو بينج” عام 1982 وأفسح فيها للقطاع الخاص دورا رئيسيا مع وضع نشاطه في ما يخدم خطط الدولة وتوجهاتها، وفي ذلك كتب الاقتصاديون في الصين أن السوق لن تحل محل الدولة التي تنهض بالمشروعات الكبرى مثل الكهرباء والمرافق والمياه وغيرها، لكن السوق ستعمل في مجالات أخرى، وأضاف البعض منهم أن ” السوق الاشتراكية” ابداع فكري صيني، لكن ذلك غير صحيح ، فقد توصل الزعيم الروسي فلاديمير لينين إلى تلك الفكرة عندما طرح عام 1921 “السياسة الاقتصادية الجديدة” التي اشتملت على تجاور القطاع الخاص والعام، واطلاق حرية التجارة داخل البلاد وتشجيع رؤوس الأموال الأجنبية على العمل داخل الاتحاد السوفيتي، والاعتراف بالملكية الخاصة التي سبق للدولة أن شطبت عليها، وبلغ الأمر حد أن لينين كان مستعدا على حد قوله ” لمنح شركات التنقيب عن البترول الأجنبية أكثر من خمسين بالمئة مقابل استخراج النفط”. لكن ستالين الزعيم اللاحق وأد تلك الخطة ورجع بالبلاد إلى المركزية المفرطة في الاقتصاد. في كل الأحوال تبقى التجربة الصينية جديرة بالدراسة على الأقل لأنها تتحدث عن حزب استطاع الاستمرار مئة عام وهذه بحد ذاتها معجزة في ظل انحسار الفكر الاشتراكي وأحزابه، كما أن ما حققته الصين في مجالات التعليم والقضاء على الفقر وحتى في مكافحة وباء كورونا جدير بالملاحظة. لكل تلك الأسباب فإن واشنطن قد تضع عينها على موسكو لكن يدها على قلبها من بكين.