هو عارُ المخيَّمات بالألوان ومنها الأحمر.. *يا ست نورة * – بقلم : ابراهيم يوسف – لبنان

 

فضاءات عربية …
إبراهيم يوسف- لبنان … لبنان …
وصلني إحساس الكاتبة صادقاً شفافاً، عن الدماء البريئة المسفوحة قبل مضمون القصيدة؛ فكثير من البشرأفراداً وكيانات من توسل العنف، ومختلف أساليب التعمية والتزوير عبر التاريخ، وارتكب كل أنواع المظالم والقتل والتنكيل لتحقيق مآربه؛ ويبرز إلى العالم اليوم من يكذب ويداجي ويُنَظّر في العدالة والسلام وحقوق البشر والرفق بالحيوان، ويتبرأ من كل التهم الملتصقة به..! والأمثلة تكاد لا تحصى؛ أقلُّه في السياسات المحلية الحافلة بالتضليل والنفاق، تطالعنا يوميا على القنوات المختلفة وشاشات الأخبار.

وخيرات الأرض يا سيدتي، تكفي أو تفيض عن حاجة ساكنيها لو أحسنوا توزيعها بالعدل والقسطاس..؟ طبعاً؛ هذه أفكار بالية عقيمة؛ هكذا برهنت لي التجارب وما عشتُه من السنوات. لا بل هناك من تغطّى طيلة عمره بعباءة اليسار؛ لكنه تحرك بمفاصل مختلفة يحركها رأس المال، وتمخض نضاله في النهاية عن فيض من الثروة والعقارات؛ والمحزن المخزي أن “مُبْدِع” هذه الأفكار نفسه، رحل عن الدنيا مطمئن الخاطر خلي البال، أنه نظَّم أحوال البشر ورعى شؤونهم، فنالوا حقوقهم على الأرض بالعدل والقسطاس، ولم يبق أمامه إلاَّ أن يصلح برحيله أحوال أهل السماء..!

الهزيمةً يا سيدتي تكمنُ في أعماقنا نحن، حينما نرى المضلَّلين يحرقون البشرِ الأحياء، أو يحكمون عليهم  بالنحر من قفا أعناقهم ابتغاءً لمبدأ الذبح الحلال، أو استخدام الكيمياء كمبيد “للحشرات” البشرية؛ دون أن  يندِّد بهذه الارتكابات أحدٌ في العالمِ المتحضر والغرب، ولا تستنكِرْهُ محاكم العدلِ الدولية، بل تزدهر تجارةُ الأسلحةِ في مصانعهم، وترتفع “بيننا” معدلاتُ القتل..! فأي”نبيٍّ” موهوم.. أو دنكشوتي يتجرأ أن يجرد سيفا مكسورا صدئا، ويعتلي حمارا هزيلا أعرج وينادي: حيَّ على السلام.. وحدي أنا المسؤول عن الظلم والجهل والجوع والفساد في جنبات الأرض.

البشر أنفسهم لا يريدون العيش بسلام، ليستأثروا بخيرات الدنيا لصالحهم وحسب. هذه خلاصة ما اقتنعت به وما توصلت إليه بعد عمر يساوي “رجمة” عالية من السنوات. تكفيني في اليوم الواحد يا سيدتي وجبتان متواضعتان من الطعام وحسب؛ وبيتي كوخ بسيط في الريف لكنه يحمينا من برد الشتاء وحر الصيف. وقصر منيف بكل ما تعنيه كلمة القصور من تخمة المال والكبرياء؛ يقوم على جبل يقابلنا يناطح حدود السماء،  ويشرف على سائر خلق الله من فوق؛ ولا ينخفض إلا قليلا  عن عرش رب السماوات.

حديقته وحدها لا يقل حجمها عن حديقة هشام بن عبد الملك.. من “عنجر” وسط البقاع إلى “مرجعيون” في الجنوب، على الحدود مع الأرض الفلسطينية المغتصبة. لكن صَدِّقي يا سيدتي أن الجنة لن يبلغها سكان القصور، ولابسو الثياب المبتكرة، وأصحاب السيارات الفخمة، ولا حتى  من يركبِ الدراجات. الجنة لن يبلغها  إلاّ المشاة على أقدامهم والحفاة؛ ومن لا يملكون من متاع الدنيا ما يكفي ليستروا عوراتهم، أو ما يُسْكِت ضجيج أمعائهم بفعل الجوع والحرمان؛ ولايصح بنا إلاّ أن نعترف بعدالة السماء وندين ظلم البشر لبعضهم البعض. “ألم يكنِ الظلمُ من شِيَمِ النفوس”..؟ كما يقول المتنبي غفر الله له خطاياه.

لكنني..؟ أقسم لك مؤمنا صادقا بعزة الله وقدرته.. وأسمائه الحسنى، ولا أكذب ما دمت قد بلغت نهاية الطريق..؟ أنني لا أتمنى مطلقا أن أمتلك قصرا، أو دارة واسعة أكثر تواضعا من القصر، أورثها من بعدي لأولادي..؟ لكي لا أستحي وأشعر بالعار أمام الفقراء من أهل المخيمات، ممن يسكنون بيوت الصفيح،ويموتون مرتان مرة في الحياة ومرة عند الموت.

وَمُشْفِقٌ يا سيدتي من أعماق  قلبي؛ على هشام بن عبد الملك وفرعون وقارون.. وأوناسيس من أهل هذا العصر، كيف قضوا جميعا وخانتهم الحدائق والجنائن والقصور..!؟ وبعد؛  لعلها رحلة “إبن فطومة” يا صديقتي في طلب العدالة والكمال؛ والنهايات المفتوحة على كل الاحتمالات..؟ بارك الله فيك فأنت سيدة محترمة بين الناس، ولها شأن معتبر في الدنيا وفي الآخرة بعد العمر الطويل بعون الله. يسعد مساك يا ست نورة ويحفظك من كل مكروه، وكل ما من شأنه أن يوهن العزيمة أو يعكر صفاء البال.

*الأستاذة نورة سعدي… من الجزائر
هي المعنيَّة /بالست نورة/ في بداية النص.