لا يُمكن حل العقدة إلا من خلال القيم الأخلاقية فقط – بقلم : هارون يحيى

آراء حرة ….
بقلم : هارون يحيى – تركيا ….
كل ركن تقريبًا من عالمنا في صراع يجر عددًا من الدول إلى مستوى من مستويات الحرب، وعدم الاستقرار، وحتمًا الإرهاب. يقع الشرق الأوسط في قلب تلك العاصفة النارية، ممتدًا بين مناطق عابرة للقارات يُشار إليها باسم “مهد الحضارات”، هذا الجزء من العالم على وجه الخصوص لعب دورًا مصيريًا على المستوى الدولي من ناحية السياسة، والاستراتيجية، والعقيدة، والثقافة، والاقتصاد. لكن نرى اليوم أنَّ هذا التراكم التاريخي الذي نُسج بمساهمات من العديد من أعظم الدول والإمبراطوريات من كل المعتقدات والأمم، يتم تدميره بواسطة كل من الأفعال الدموية للجماعات الإرهابية، والمنظمات المتطرفة، والتدخلات العسكرية للقوى الأجنبية.
بالتطلع بعمق إلى حقيقة الوضع فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، نستطيع رؤية أنَّ الأسباب الرئيسية للإرهاب، والعنف، والتفتت الذي يُخيم على المنطقة بأكملها، هو الخرافات، والأحاديث الموضوعة، والمعتقدات المتعصبة التي لا مكان لها في الإسلام. مشكلة العالم العربي الحقيقية ليست في العسكريين المتطرفين، لكن في العقيدة المتطرفة الكامنة في عقولهم. أتباع هذا النظام المتعصب والمتطرف تخلَّوا في الحقيقة عن الجوهر الأساسي، وروح الإسلام والقرآن، وضلوا طريقهم نتيجة لهذا إلى العنف، والكراهية، والحروب، والمعاناة بين الطوائف، والجماعات المختلفة. ما يجب فعله ليس القضاء على أتباع هذه العقلية الضالة من الوجود، بل القضاء على التطرف والتعصب اللذين ينبثقان تحت اسم الدين الحنيف.
دمج جمال الحب، والرحمة، والأخوة، والوحدة، والتناغم، والدين هو ضمان السلام، والرخاء، وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والديموقراطية، والحرية، والمساواة لجميع البشرية. لو عاشت مجتمعات الشرق الأوسط في اتفاق تام مع هذه القيم العليا للإسلام، لكان هذا نهاية لكل حمامات الدم والعنف والاضطرابات في المنطقة، إذ لا يوجد مكان بكل تأكيد للضغط، والإكراه في الإسلام.
تتفق حرية اختيار الدين، والإيمان، والاعتقاد – بمعنى آخر العلمانية – بشكل تام مع القرآن، ليس من الممكن إيجاد حل لمشاكل العالم العربي، بدون دمج الدين، باعتبار أن الدين يُشكل الثقافات العربية والشرق أوسطية، وله وقع كبير على كل نواحي الحياة، مثل السياسة والاقتصاد والقانون والثقافة والعلم والفن والتعليم. كل شيء في الشرق الأوسط يُبنى على التقاليد الإسلامية، وكل المنطقة تقريبًا تحمل دوافع تنطلق من الإسلام. لذا، من الضروري وضع القيم الإسلامية في قلب أي حل في الشرق الأوسط.
هذا هو السبب في أنَّ السياسات العسكرية الصارمة والقنابل، لا تُعدُّ الطريق الأمثل للسلام، والطمأنينة، والأمن الذي ينتظره ملايين الناس بفارغ الصبر من سنوات طويلة. بل على العكس، العنف لا يولِّد إلا العنف. لطالما جلبت القنابل الذكية، والحروب الحديثة، المزيد من الكراهية والغضب والتطرف، وتستمر المنظمات المتطرفة التي تُعدُّ السبب الرئيسي لعدم الاستقرار والارتباك في هجماتها من أجل جذب المزيد من الأتباع.
يمكن حل المشاكل المتجذرة في الشرق الأوسط عن طريق الدبلوماسية والتصالح والحب، بدلًا من الحرب والصراع والكراهية. يجب أن تُستخدم الطرق الدبلوماسية والسلمية باستمرار حتى يتحقق السلام، هذا يستلزم إيصال الإسلام الحقيقي لمحو المعتقدات الخاطئة، التي ترعرعت في عقول بعض الناس. تحتاج المجتمعات إلى التعليم الروحي، ويجب إحياؤها على المستوى الروحي. يجب بكل تأكيد على هذا التعليم الروحي أن يكون مبنيًا على القرآن، وألَّا يكون من أحاديث مختلقة تقود الجموع إلى أفكار متطرفة.
وكما هو معروف، رجال الدين، والزعماء الروحيون، مهمون في المجتمعات العربية، فهم سفراء ثقافيون وقادة رأي. ومن الضروري بالطبع أن يكون هؤلاء السفراء الثقافيون أناسًا صادقين، وعقلانيين، يتصرفون بروح الحب والرحمة. يُعتبر وجود قادة يعيشون، ويعظون، ويُجسدون القيم الأخلاقية للقرآن على أكمل وجه، الجانب الأساسي لحل المشكلات. يكون دور القادة الدينيين بالفعل في معظم الوقت، أكثر أهمية من السياسيين والأكاديميين والفنانين، ومُحللي الإعلام الدولي، أو الشركات في الشرق الأوسط.
وتحقيقًا لهذه الغاية، يُمكن أن يُصبح القادة الروحيون في الشرق الأوسط، المنقذين الحقيقيين عن طريق تبني لغة الحب، والوحدة، والأخوة، والتفاهم، والسلام، وعن طريق تفادي الخطابات التي قد تُثير الكراهية، والغضب، والعدوانية. ويُمكن لهذا تحقيق نتائج ذات معنى ومُثمرة، بالبناء على القيم الدينية الراسخة التي تنادي بالسلام، والمعاملة الحسنة بين جميع الأطراف، من أجل تجاوز المآزق الكبرى بفاعلية. أثناء هذه الأيام العصيبة التي تمر بها المنطقة، يجب بذل جميع الجهود، ودعمها من أجل تشجيع طريقة الدبلوماسية الأخلاقية التي لم يوفَّ قدرها بشكل كبير لإصلاح العلاقات المقطوعة، وجلب الأمن، والاستقرار، والرفاهية المنتظرين. وسيكون هؤلاء الذين يقومون بهذا الجهد الدبلوماسي المساهمين الحقيقيين في إحلال السلام في الشرق الأوسط.