نقدٌ اجتماعي لقصص سعید مقدم (أبوشروق)

التصنيف : اصدارات ونقد (:::)
بقلم  : صادق حسن البوغبیش – الأهواز(:::)
الأدیب الشاب المُهذّب سعید مقدم أحد الشخصیات الروائیة المؤثرة في الأدب الأهوازي، حتی استطاع بنشر القصص القصیرة المعدودة یُحصّل جمهوره الخاص حتی راح هذا الجمهور یشجّع و یوصي  “سعید مقدم” بالنشر المزید حتی  یتلذذوا بقراءتها.  سعید أبو شروق یعرف الأدب الحدیث و أعلامه حتی سعی بأن یکون فریداً من نوعه وفي قصصه نری شعاراً خفيا وهو “کلّنا أبناء الأرض” فهو یحب السلام ویسعی له. هو أستاذ وأدیب ومعلّم في مدارس المحمرة ونتمنی لهُ التوفیق. وفي آخر هذا المقال یجب أن نجیب علی هذه الأسئلة:
1) هل الأدیب تأثّر بشخصیات أدبیة عربیة خاصة أو کتب بنمطه الخاص؟
2) هل أبو شروق یتبع الأدب الحدیث وینفي الأدب القدیم أو کتب ما بین الإثنین؟
القصة، أدبٌ کان ولا یزال لدیه جمهوره الخاص، فمن قدیم الزمان کانت القصة تلعبُ دورها الأساسي ولکن لم یکتب حتی یُعرف، فالقصة کانت ساکنة في البوادي علی شفاه القصّاصة یقصونها لأحفادهم وأسباطهم وأبنائهم، حتی ذهبوا یصنعون قُصصا من شجاعة أجدادهم وبطولاتهم حتی حُفظت تلک القُصص وأصبح تراثاً لجیلٍ آتي. کُتبت القصة ومنذ کتابتها عرفت أنماط کثیرة ومتنوعة ومنها القصة القصیرة التي تکونُ من أصعب نوع القصة أو ما تُسمّی الأقصوصة، لأن من الواجب علی الأدیب أن یأتي بفکرته بأقل مفردات وجملات ویشبهها القالب الدارمي في الشعر الشعبي. هذا نقدٌ اجتماعي وسآتيکم بنقدٍ نفسي إن شاء الله.
الکلمات الدلیلة: خوزستان ( الأهواز)، القصة القصیرة، سعید مقدم
هذه الدراسة نقد اجتماعی لبعض قصص الأستاذ سعید أبو شروق مقدم.
القصة سرد واقعي أو خيالي لأفعال قد يكون نثرا أو شعرا يقصد به إثارة الاهتمام والإمتاع أو تثقيف السامعين أو القراء. ويقول روبرت لويس ستيفنسون «وهو من رواد القصص المرموقين: ليس هناك إلا ثلاثة طرق لكتابة القصة؛ فقد يأخذ الكاتب حبكة ثم يجعل الشخصيات ملائمة لها، أو يأخذ شخصية ويختار الأحداث والمواقف التي تنمي تلك الشخصية، أو قد يأخذ جوًا معينًا ويجعل الفعل والأشخاص تعبر عنه أو تجسده.
القصة عند العرب
أطلق العرب هذا اللفظ على عدة معان، أحدها قريب من الفن الذي نعرفه اليوم بهذا الاسم. وكان العرب قديماً يطلقون عليه عدة أسماء، مثل الحديث، والخبر، والسمر، والخرافة. وأقدم قصص عربية مدونة ما أورده القرآن عن الأمم الغابرة، تسرية عن النبي ، وإنذاراً للكفار، وإن كان لعرب الجاهلية قصصهم، كما تبين أخبار النضر بن الحارث وغيره. ولما عني المسلمون بالقصص القرآنية وتفسيرها وتكملتها، نشأ القصص الديني الذي اختلط بالقصص المسيحي واليهودي. وعني الخلفاء الأولون بالقصاص الذين كانت مهمتهم الوعظ في السلم، والتحريض على الاستبسال في الحرب، فعينوا لهم الرواتب، وأباحوا لهم التحدث بالمساجد – وإن كان المتشددون من رجال الدين لم يرضوا عنهم لعدم تحريهم الصدق– وبلغ من شأنهم أن استقدمهم معاوية بن أبي سفيان إلى بلاطه ودون قصصهم. واتسعت القصص العربية والمعربة في العصر العباسي، ودونت في الكتب التي يحصي منها ابن النديم الكثير، بعد أن فتح ابن المقفع الباب للترجمة “بكليلة ودمنة”. وفي القرن الرابع الهجري. ظهرت المقامات، واتصل التأليف فيها. وكان للعامة قصاصيهم الذين تجاوبوا معهم، وألقوا ما عبر عنهم، من أمثال قصص ألف ليلة وليلة، والسيرة الشعبية التي وجدت إبان الحروب الصليبية. وفي العصر الحديث حاكى الأدباء العرب القصة الغربية في مختلف أنواعها وفنونها، وتطورت القصة في مصر خاصة حتى وصلت نماذج منها إلى مستوى القصة الغربية. أما القصة في الوقت الحاضر فهي سرد حكائي لمجموعة مترابطة من الأحداث لها بداية ووسط ونهاية، يربطها الكاتب ببعضها البعض من خلال اختيار الكلمات التي يعبر فيها الكاتب عن إحساس شخصي أو مشكلة سائدة في المجتمع. وقد تكون لها أغراض تعليمية أو معرفية أو فنية.
تعريفات حول القصة والحكاية
القصة القصيرة
سرد قصصي قصير نسبيًا ، يهدف إلى إحداث تأثير مفرد مهيمن ويمتلك عناصر الدراما. وفي أغلب الأحوال تركز القصة القصيرة على شخصية واحدة في موقف واحد في لحظة واحدة. وحتى إذا لم تتحقق هذه الشروط فلا بد أن تكون الوحدة هي المبدأ الموجه لها. والكثير من القصص القصيرة يتكون من شخصية (أو مجموعة من الشخصيات) تقدم في مواجهة خلفية أو وضع، وتنغمس خلال الفعل الذهني أو الفيزيائي في موقف. وهذا الصراع الدرامي أي اصطدام قوى متضادة ماثل في قلب الكثير من القصص القصيرة الممتازة. فالتوتر من العناصر البنائية للقصة القصيرة كما أن تكامل الإنطباع من سمات تلقيها بالإضافة إلى أنها كثيرًا ما تعبر عن صوت منفرد لواحد من جماعة مغمورة.
ويذهب بعض الباحثين إلى الزعم بأن القصة القصيرة قد وجدت طوال التأريخ بأشكال مختلفة؛ مثل قصص العهد القديم عن الملك داوود، وسيدنا يوسف وراعوث، وكانت الأحدوثة وقصص القدوة الأخلاقية في زعمهم هي أشكال العصر الوسيط للقصة القصيرة. ولكن الكثير من الباحثين يعتبرون أن المسألة أكبر من أشكال مختلفة للقصة القصيرة، فذلك الجنس الأدبي يفترض تحرر الفرد العادي من ربقة التبعيات القديمة وظهوره كذات فردية مستقلة تعي حرياتها الباطنة في الشعور والتفكير، ولها خصائصها المميزة لفرديتها على العكس من الأنماط النموذجية الجاهزة التي لعبت دور البطولة في السرد القصصي القديم.
ويعتبر إدغار آلان بو من رواد القصة القصيرة الحديثة في الغرب. وقد ازدهر هذا اللون من الأدب، في أرجاء العالم المختلفة، طوال قرن مضى على أيدي موباسانوزولاوتورجنيفوتشيخوفوهارديوستيفنسن، ومئات من فناني القصة القصيرة. وفي العالم العربي بلغت القصة القصيرة درجة عالية من النضج على أيدي يوسف إدريس في مصر، وزكريا تامر في سوريا، ومحمد المر في دولة الإمارات.
الحكاية
سرد قصصي يروي تفصيلات حدث واقعي أو متخيل، وهو ينطبق عادة على القصص البسيطة ذات الحبكة المتراخية الترابط، مثل حكايات ألف ليلة وليلة ومن أشهر الحكايات”حكايات كانتربري” لتشوسر. وقد يشير التعبير دون دقة إلى رواية كما هي الحال في حكاية (قصة) مدينتينلشارلز ديكنز.
الحكاية الشعبية
خرافة (أو سرد قصصي) تضرب جذورها في أوساط شعب وتعد من مأثوراته التقليدية. وخاصة في التراث الشفاهي. ويغطي المصطلح مدى واسعا من المواد ابتداء من الأساطير السافرة إلى حكايات الجان. وتعد ألف ليلة وليلة مجموعة ذائعة الشهرة من هذه الحكايات الشعبية.
اللغة ونوعها ومستواها في العمل القصصي:
فاللغة العامية لغة مبتذلة لا تقوى على إقامة معان ذات إيحاءات متعددة مؤثرة، كما هو الحال في اللغة الأدبية الفصحى.
عناصر القصة
الفکرة والمغزى:
وهو الهدف الذي يحاول الكاتب عرضه في القصة، أو هو الدرس والعبرة التي يريد منا تعلُّمه ؛ لذلك يفضل قراءة القصة أكثر من مرة واستبعاد الأحكام المسبقة، والتركيز على العلاقة بين الأشخاص والأحداث والأفكار المطروحة، وربط كل ذلك بعنوان القصة وأسماء الشخوص وطبقاتهم الاجتماعية…
الحــدث:
وهو مجموعة الأفعال والوقائع مرتبة ترتيبا سببياً، تدور حول موضوع عام، وتصور الشخصية وتكشف عن صراعها مع الشخصيات الأخرى … وتتحقق وحدة الحدث عندما يجيب الكاتب على أربعة أسئلة هي : كيف وأين ومتى ولماذا وقع الحدث ؟. ويعرض الكاتب الحدث بوجهة نظر الراوي الذي يقدم لنا معلومات كلية أو جزئية، فالراوي قد يكون كلي العلم، أو محدودة، وقد يكون بصيغة الأنا السردي. وقد لا يكون في القصة راوٍ، وإنما يعتمد الحدث حينئذٍ على حوار الشخصيات والزمان والمكان وما ينتج عن ذلك من صراع يطور الحدث ويدفعه إلى الأمام. أو يعتمد على الحديث الداخلي…
العقدة أو الحبكة :
وهي مجموعة من الحوادث مرتبطة زمنيا، ومعيار الحبكة الممتازة هو وحدتها، ولفهم الحبكة يمكن للقارئ أن يسأل نفسه الأسئلة التالية : –
–         ما الصراع الذي تدور حوله الحبكة ؟ أهو داخلي أم خارجي؟.
–         ما أهم الحوادث التي تشكل الحبكة ؟ وهل الحوادث مرتبة على نسق تاريخي أم نفسي؟
–         ما التغيرات الحاصلة بين بداية الحبكة ونهايتها ؟ وهل هي مقنعة أم مفتعلة؟
–         هل الحبكة متماسكة.
–         هل يمكن شرح الحبكة بالاعتماد على عناصرها من عرض وحدث صاعد وأزمة، وحدث نازل وخاتمة.
القصة والشخوص:
يختار الكاتب شخوصه من الحياة عادة، ويحرص على عرضها واضحة في الأبعاد التالية :
أولا : البعد الجسمي : ويتمثل في صفات الجسم من طول وقصر وبدانة ونحافة وذكر أو أنثى وعيوبها، وسنها.
ثانيا: البعد الاجتماعي: ويتمثل في انتماء الشخصية إلى طبقة اجتماعية وفي نوع العمل الذي يقوم به وثقافته ونشاطه وكل ظروفه المؤثرة في حياته، ودينه وجنسيته وهواياته.
ثالثا :البعد النفسي : ويكون في الاستعداد والسلوك من رغبات وآمال وعزيمة وفكر، ومزاج الشخصية من انفعال وهدوء وانطواء أو انبساط.
القصة والبيئة:
تعد البيئة الوسط الطبيعي الذي تجري ضمنه الأحداث وتتحرك فيه الشخوص ضمن بيئة مكانية وزمانية تمارس وجودها.
أساليب رواية القصة
سرد الأحداث.
الحوار.
الدمج بين السرد والحوار.
بدون نهاية / نهاية مفتوحة.
بعنوان / بدون عنوان.
أن تغنى على شكل أنشودة.
الأقصوصة أو القصة القصيرة هي جنس أدبي وهو عبارة عن سرد حكائي نثري أقصر من الرواية، وتهدف إلى تقديم حدث وحيد غالبا ضمن مدة زمنية قصيرة ومكان محدود غالبا لتعبر عن موقف أو جانب من جوانب الحياة، لا بد لسرد الحدث في القصة القصيرة أن يكون متحدا ومنسجما دون تشتيت. وغالبا ما تكون وحيدة الشخصية أو عدة شخصيات متقاربة يجمعها مكان واحد وزمان واحد على خلفية الحدث والوضع المراد الحديث عنه. الدراما في القصة القصيرة تكون غالبا قوية وكثير من القصص القصيرة تمتلك حسا كبيرا من السخرية أو دفقات مشاعرية قوية لكي تمتلك التأثير وتعوض عن حبكة الأحداث في الرواية. کما قیل على القصة القصيرة أن يكون شخوصها مغمورين وقلما يرقون إلى البطولة والبطولية فهم من قلب الحياة حيث تشكل الحياة اليومية الموضوع الأساسي للقصة القصيرة وليست البطولات والملاحم.
إن الفرق بين قصة الومضة والقصة القصيرة المعهودة هي كلمة (“جدا “(القصة القصيرة وهذه اللفظة تحيلنا على تصنيف نوعي يجعل لقصة الومضة حدودا ومقومات خاصة تميزها عن القصة القصيرة رغم اشتراكهما في العناصر ذاتها: المكان، الزمان، الشخصية، الحدث، المعنى.
ويعجبني ما قاله عمران أحمد حول القصة القصيرة جداً فهي ” قصة الحذف الفني, والاقتصاد الدلالي الموجز , وإزالة العوائق اللغوية والحشو الوصفي … والحال هذه أن يكون داخل القصة شديد الامتلاء , وكل ما فيها حدث وحوار وشخصيات وخيال من النوع العالي التركيز, بحيث يتولد منها نص صغير حجماً لكن كبير فعلاً كالرصاصة وصرخة الولادة وكلمة الحق”.
وإحدى الحقائق المهمة التي ينبغي أن نفطن إليها هو أن القصة القصيرة جداً (القصة الومضة) جنس أدبي ممتع، ولكن يصعب تأليفه , كما يقول هارفي ستابرو. ولذا فإن كثيرًا من النصوص التي تكتب باختزال واقتضاب ويُظن أنها قصة ومضة, لا يعد من قبيل قصة الومضة. ولذا أكد د. فايز الداية أن يكون المسهم في هذا اللون القصصي متمكناً في الأصل من الأداء اللغوي والفني ومن أساليب السرد، وعنده رؤى يقدمها في الحياة وفي المجتمع وفي جوانب الفكر والسياسة وما إلى ذلك.‏
وهذا الارتباك في كتابة قصة الومضة يوازيه ارتباك في الرؤية النقدية لدى كثير من النقاد أيضا , إلى حد جعل الناقد ياسر قبيلات يذهب إلى أنها تبدو محيرة وملتبسة , تكاد لا تجد تقعيدها الحقيقي, في قائمة الأنواع الأدبية إلا بصفتها عنوانا جديدا يضاف إلى فهرست التباس الأنواع الأدبية.
فما هي مقومات قصة الومضة التي اشترطها النقاد؟
كيف تكتب قصة الومضة الناجحة؟
إن القصة القصيرة جداً والمتميزة بإبداعٍ وتقانة تنهض على أربعة مقومات رئيسة هي:‏
التكثيف والتركيز:
أي الاقتصاد في الكلمات والاكتفاء بالقليل منها مما يفي بالغرض. فقصة الومضة مكثفة جدًا , وخالية من الزوائد والحشو الوصفي والاستطرادات والانثيالات الواعية وغير الواعية ، إضافةً إلى تركيزها على خط قصصي هام يتمثل في النقاط والكلمات التي توصل إلى الموقف. ورصدها بمهارة شديدة حالات إنسانية شديدة الصدق. ويشبه خليل خلف سويحل التكثيف بـ” قطرة عطر فواحة”.
وقد أسدى هارفي ستانبرو في مقاله “اكتب قصة قصيرة جدا” عدة نصائح تمكن الكاتب من تكثيف لغته , وتخليصها من الترهل:
استعمل أفعال الحركة والاختصارات‏ وتجنب استعمال الصفات والظروف
كما في أية قصة.
استخدم أفعال الحركة القوية حيثما يكون ذلك ممكناً (لجأ, مشى, تذكر) وقلل من استخدام أفعال الوصل (الأفعال الناقصة) مثل: صار ويبدو والفعل الدال على الكينونة, أو لا تستخدمها أبدا. وعندما تستخدم أفعال الحركة فسوف تسقط الصفات والظروف وحدها. وإن استخدمت أيـًّا من هذه الصفات فليكن ذلك لتلوين عمل ما، أو مشهد ما، أو شخصية ما. ‏والاختصارات أمور رئيسة. تذكر أن القصة القصيرة جداً تدريب على الاقتصاد بالكلمات.
استخدم الحوار بدل السرد:‏ لأن الحوار يجعل القارئ شخصية في القصة ـ كمسترق للسمع ـ فإنه يشغل القراء مباشرة، ويمكنهم من معرفة ما يجري من الشخصيات مباشرة، بدلاً من أن يقوم شخص آخر من خارج القصة (الراوي) بنقل ذلك. وحيث إن الأمر متعلق بالاقتصاد في الكلام ، فإن الحوار بصورة عامة أكثر جدوى من السرد بالنسبة إلى الإيحاء والتلميح والغمز من قناة الأشخاص. وينبه هارفي ستانبرو إلى أن هذه المقترحات مجرد دليل، لأن قصة الومضة قد تبنى كاملة على السرد وتكون جيدة.‏
ويجدر بالكاتب ألا يتورط بدعوى التكثيف في خطأ تغييب البطل “فغياب البطل غياباً تاماً يقرب القصة من جو الخاطرة, فالبطل هو “حامل للحدث والفعل والكثير من الأوصاف في القصة, وغيابه يعني تقليلاً من قيمة القصة كفن. ويخطئ من يحاول الابتكار من خلال إلغائه البطولة والتحرك في جو من تراكم الوصف دون التقدم إلى الأمام…ومشكلة النماذج الجديدة أنها تغزل كثيراً على التكثيف حد الوقوع في إشكالية اللعب وتجاوز القص إلى الافتعال. يأتي هذا من باب ابتداع الإيجاز كغاية لا كوسيلة”.
الإيحـاء :‏
يفضي التكثيف الناجح إلى لغة مشعة بالإيحاءات والدلالات فتكون رشيقة في إيصال المعنى والمضمون. والإيحاء هو “أن تجعل قارئك يعرف ما تتحدث عنه ـ أو أن تقوده إلى الاعتقاد بأنه يعرف عما تتحدث، من دون إعلامه ذلك بصورة مباشرة. وكلما جعلت قارئك يستنتج، زاد انشغاله بقصتك”. إن الإيحاء هو عكس المباشرة والتقريرية , وعلى الكاتب ألا يسلك بلغته – في سبيل الإيحاء- التنميقَ الأسلوبي المفتعل.
المفارقة: وتعني “في أبسط صورها القصصية: جريان حدث بصورة عفوية على حساب حدث آخر هو المقصود في النهاية، أو هي تعرّف الشخصية تعرّف الجاهل بحقيقة ما يدور حوله من أمور متناقضة لوضعها الحقيقي، فالمفارقة هنا درامية، والمفارقة عمومًا صيغة بلاغية تعني: قول المرء نقيض ما يعنيه لتأكيد المدح بما يشبه الذم، وتأكيد الذم بما يشبه المدح.
وفي القصة القصيرة جداً لعبة فنية أو تقنية قصصية لا غاية لها إلاّ الخروج على السّرد، وهو خروج يبعث على الإثارة والتشويق” الذي يتحقق من ثنائية المفارقة التي من الممكن أن تحمل أبعاد التقابل أو التضاد، الرفض أو القبول، الواقعي وغير الواقعي المؤمل أو المتخيل.
إن المفارقة خلاصة موازنة ومقارنة بين حالتين يقدّمهما الكاتب من تضاد واختلاف يُلفتان النظر، وليس بالضرورة أن يكون ذلك معلناً، بل يمكن أن يُستشف من النص، وهذه الثنائيات في صورة ما معطى لغوي، حمل دلالات في الموقف والمضمون، ولذا فإنّ مثل هذه الثنائيات قد تُضحكنا من جهة، لكنها تنغرز في جدران أرواحنا تحريضاً من جهة أخرى.‏ والمفارقة تزيد إحساسنا بالأمر، إنها تُسهم في تعميق فهمنا للأمور وإيصالها بطريقة إيحائية أجدى من الطريقة المباشرة.
الخاتمة المدهشة: وتشكل في قصة الومضة الغاية والهدف، ولذلك فهي تختلف عن أساليب الخاتمة في القصة القصيرة التي من الممكن أن تكون واضحة، أو مرمزة، أو مفتوحة على احتمالات كثيرة، أما في القصة القصيرة جداً فإن الخاتمة فيها ليست وليدة السرد، أو إحدى مفرزاته، كما أنها ليست معنية بالمضمون الذي من الممكن أن يفرض خاتمة ما، بل هي الحامل الأقوى لعناصر القصة القصيرة جداً، فهي قفزة من داخل النص المتحفز إلى خارجه الإدهاشي والاستفزازي فهي “مجلى النص في داله ومدلوله ويتوشج كلاهما دون أن يحاول أحدهما تعويم الآخر، أو الإساءة إليه أو تقزيمه” .‏وعلى الرغم من الإيجاز في القصة القصيرة جداً فإنها ليست مجرد مقدمة لقصة أطول، ولابد أن يشعر القارئ بالرضا عن النهاية؛ فلا يتساءل وماذا بعد؟ مهم جدا في القصة الومضة ألا يترك القارئ منتظرًا المزيد.
إن قصة الومضة لا يهمها الانشغال كثيرًا بالحدث والأحداث بقدر ما يهمّها أن تؤدي غرضها الفني في أن تبرق وتشع داخل النص القصصي أولاً ، ثم في داخل وجدان المتلقي ثانياً .‏ وإذا ما توافرت على هذه الشروط وهي: التركيز والتكثيف والاقتصاد في الكلمات والموحيات والدلالات, ومعها المفاجأة الصادمة التي تصل حدّ الإثارة وتحفيز مخيلة القارئ وهواجسه تجاه ما يقرأ ويتفاعل معه وينفعل به , فهي قصة ومضة بامتياز.

نقد قصة هزیمة:
هزيمة
في نهاية الشهر عندما قبض راتبه،
تذكر أن أبناء جيرانه الأيتام خسفوا صحنه اللاقط،
كسروا هوائيه التلفزيوني،
ضربوا ابنه،
رموا بيته بالحجارة.
فاضطغنها في قلبه وصمم أن يؤدبهم شر تأديب.
بعد العشاء وعندما خلت الشوارع من المارة،
ارتدى ملابسه المعهودة وتلثم؛
ثم حمل كيسًا من الرز وكيسًا من الدقيق وصرة من السكر وتسلل صوبهم.
من الواضح أن کتابات سعید مقدم بأدوارها المتعددة وشخصیاتها المتنوعة التي ذکرها أبو شروق، فیها تمثل المجتمع  الخوزستاني ( الأهوازي ) و ما لشعبه من أفکار ومعتقدات وعادات وقد ناقشت هذه القصص الظواهر الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة والأخلاقیة  في هذا المجتمع بشکلٍ وافٍ. یطالعنا في بدایة القصة شخصٌ قبض راتبه  ونستطیع القول بأنه برجوازيّ تربّی في أعطاف النعیم لأن مقابل هذه الشخصیة جیرانهُ و أبناؤه الأیتام، فالبرجوازيّ یحمل همة عالیة بین جنبیه وتارکاً حیاة اللهو واللذة ومع ذلک فهو لا یعدم جانباً من الخیر ونشاهد فیه طیبة القلب والرقة. فیذهب حتی یُردّد هذه الکلمات” هل جزاء الإحسان إلا الإحسان”؟ فالأدیب یری المحبة للشخص الذي أزعجه هو درسٌ یُصلّح الشخص الخاطئ وینفي الفکر المتطرف والصراع وضرب الطرفین. فالکاتب هنا یُندد بشعائر الإسلام واحترامهم للجیران وترکهم للمعاصي وصراعات طائفیة.
غضب
يراه بأم عينيه مع أمه العزباء،
ولا يستطيع أن يعترضه؛ فهو ما برح صبيًا لم يتجاوز الخامسة عشرة؛
ذات يوم راقبه من الصباح الباكر و حتى المساء،
وعندما خرج برفقة زوجته وتركا الأطفال في البيت؛ تسلل إلى بيتهم… وانتقم من ابنته ذات السبعة أعوام.

أما الشخص الأساسي في قصة ” الغضب” کان طفلاً یحمل الضغینة علی من مسّ کرامة عائلتهُ وهو یری الزنا من أعظم الذنوب ولکنه أمسی یُمارسه مع بنت الشخص المُعتدي لیتخلص من معیشته وأحاسیسه القاسیة وهکذا یصیر ذات الإنسان هشاً رقیقاً بسبب عقدة الحقارة وبعقیدة آدلر: “ما یلعب دوراً مهماً في تکوین شخصیة الإنسان هي عُقَد الحقارة والمیل إلی التفوّق ولکن بعقیدة فروید هي عُقَد الجنس( جزایري، علیرضا: 1387 ص 66) وطبعاً کلتاهما نراهما في ذات ذلک الشخص حتی یُعاقب المُجرم، فالأدیب في هذه القصة  یری  هذا الأمر في بیئته الاجتماعیة و لا یری حلاً لهذه المصیبة.
نفاق
لم يعجبها مبادئه فرفضته،
بدل قناعه وجاءها بمبادئ أخرى.

الشخصیة الأساسیة في قصة ” النفاق” شخصٌ منافق وشهواني، فهو یُمثّل الشخص المُشاکس والجنسوي والمُنحط من اصول وجذور عائلیة في المجتمع، ولم یر الأدیب لهذا الشخص مکافحه من أجل مستقبله  ومستقبل وطنه ولم تُعد لهُ أُمنیة وهو شخصٌ تحول إلی منافق متطرف  ویعتقد أن الحل الوحید أمامه الجنس، في هذه القصة هذا الشخص تابع لمبادئ الغرب وکما یقول یودیت استرمیتاغ: “من أهم التکالیف في المجتمع الغربي هو بناء علاقة مع الجنس المخالف” (  باستاني قمشه، محمد: 1382: ص 111) ویختلف هذا الشخص بنفاقه من المجتمع الغربي لأن روبرت وینج یقول: ” في بعض الحالات یجذب المختلفون بعضهم الآخر، بمعنی أنّ الناس یودون اختیار أشخاص ذي خصوصیات وحاجات یکلمون خصوصیاتهم وحاجاتهم” (کرکن، حسین:1382 ص 257) وهذا الشخص لا لدیه أي صلة بالصدق والوفاء. فبعقیدة أبو شروق هذا الشخص طــُرد من قبل المجتمع حتی مال إلی الکذب والنفاق.
براعة
نهيت صديقي المؤمن الملتزم من الدخول في ساحة السياسة؛
طمأنني أنه مستعد لخوضها؛
كان محقًا … سرعان ما تعلم الرقص على جميع الحبال.
التذبذب بین شخصیتین، شخصیة انسانیة من بطن المجتمع وشخصیة منافقة کذّابة، ومن أسباب المُعاناة في أزمة الهویة هي ظاهرة ازدواجیة الثقافة  التي تحدث في السیاسة.  یقول الدکتور ندوشن: ” المقصود من ازدواجیة الثقافة والشخصیة هي تعایش الثقافة المُسماة بالجدیدة. هذه الثقافات المزدوجیة تعیش في وجودنا وکثیراً ما تتعارض مع الثقافات الأخری ولکن الإنسان یضطر إلی التماشي معهما. هذه الظاهرة تسبب مشکلة للشباب وتؤثر بشکل سلبي علی عقائدهم الثقافیة. (شرفي، محمدرضا:1390 ص 75). فعندما صدیق  الناصح لحق بالرجال الساسة في بیئته وجد هناک اشخاصا کثیرین مثله ترکوا شخصیاتهم اللامنافقة. فالأدیب هنا ینتقد أولئک الشخصیات التي تترک إیمانهم وإنسانیتهم بعد ما یتلقون الکراسي.
حضور
بثت الأغنية التي طلبها، وداهمه الوقت؛
صلى وهو يستمع إليها؛
أداها باحتراف، تماشى ركوعه وسجوده مع الأنغام؛
حاول أن يبتعد من النشاز،
في سجدته الأخيرة كرر المصراع الأول ثلاث مرات.

” یعتقد أریکسون أن الفرد الذي لا یستطیع أن یجد أسساً إیجابیة ثابته في ثقافته ومذهبه أو إیدئولجیته سوف تتلاشی قیمه فمثل هذا الفرد یعاني من فوضی في هویته فهو لایستطیع تقییم قیمة ولا یملک قیماً یخطط بها للمستقبل (کارناي، هورناي: 1385،ص 134).
وفي نهایة الصلاة هذا التحدي والتضاد خلق أزمة عند المُصلّي إلی حد فقدان الذات: ” في سجدته الأخیرة کرّر المصراع الأول ثلاث مرات”.
” إنسان الیوم یشعر بأزمة الهویة لأن الهویة لیست مجموعة موحدة من القیم الثابتة والمطمئنة (شایگان داریوش:1380 ص 134). الهویة الفردیة في تکوینها تتأثر إلی حد ما بالهویة الدینیة. هویة الفرد تتکون من میزات  تنتقل من هویته الدینیة من جهة أُخری الهویة تتکون في إطار میزات جماعیة وثقافیة متبلورة في هویة وطنیة (شمشیرة، بابک: 1388 ص 41). هذا المُصلّي یری هویته الدینیة في تُعارض، یصاب بجنون بطيء و”أکثر الناس حینما یشعرون بأزمة الهویة یعانون من الغربة والعزلة والانسلاخ (شرفي محمدرضا:1391 ص 2)، ” والنتیجة النهائیة لأزمة الهویة الهروب من المسؤولیة والابتلاء بالسئم و الفتور… (شرفي ، محمدرضا: 1391 ص 210).
فبعد الدراسة في خمسة من القصص المنشورة للأستاذ الأدیب والروائي الشاب الشهیر الخوزستاني سعید مقدم أبو شروق حصلنا علی هذه النتائج:
1) أستاذ مقدم لم یُقلّد شخصیة أدبیة وإنّما یکتب بنمطه الخاص ونستطیع القول بأن نمطهُ ، نمط جدید من حیث الشغب الحائل في قصصه.
2) نهایة القصة تختلف ما یُصورها القارئ، ولها دهشتها الخاصة، فالأدیب یعرف الأدب المعاصر ویکتبهُ بشکلٍ جیّد.
3) کتابات سعید مقدم تصلنا إلی شخصیته الحقیقیة وتفکراته النفسیة، فنستطیع الکتابة والنقد النفسي في المستقبل.
الخاتمة:
إن الأستاذ والأدیب أبو شروق تطرق إلی الأدب الحدیث وتعرف علی أنماطه ودراساته الحدیثة واستطاع أن یکتب شیئاً بین القدیم والحدیث وکل القصص تتمحور بشخصیة مجهولة وهذه الشخصیة نستطیع القول تفسیرها هو الأدیب أو تفکراته النفسیة أو جنونه الأدبي وکل هذه تتمحور  بــــ” أنا” هُ المُفضّل. ونهائیات هذه القصص لها دهشة غیر متوقعة والقارئ لم یفهم الخاتمة إلا بقرائته للقصة بأکملها. ففي مستقبل الأدب الأهوازي نستطیع القول بأن سیکون لنا روائیاً کأمثال سعدي الملاح وأحلام مستغانمي وبهیجة مصري ادلبي ونجیب محفوظ وغیرهم. فأنا بدوري أشکر هذا الأستاذ واهتمامه بالروایة الخوزستانیة (الأهوازية) وسأکتب علی قصصه دراسات نفسیة في مستقبل قریب إن شاء الله.

المصادر:
ـ احمدي، بابك: ساختار و تأويل متن، چ 10، نشر مركز، تهران، 1388ش.
ـ برهاني، مهدي: از زبان صبح، درباره زندگي و شعر شفيعي كدكني، چ 1، شركت انتشارات پاژنگ، تهران، 1378ش.
ـ حريري، ناصر: هنر و ادبيات امروز، گفت و شنودی با داريوش آشوري، بدون تاريخ.
ـ رزم‌آرا، هوشيار: فرهنگ روانشناسي، چ 1، انتشارات علمي، تهران، 1370ش.
ـ ريتزر، جورج: نظريه جامعه‌شناسي در دوران معاصر، ترجمه محسن ثلاثي، چ 13، انتشارات علمي، تهران، 1387ش.
ـ شايگان‌فر، حميدرضا: نقد أدبي (معرفی مكاتب نقد)، چ 3، أنتشارات دستان، تهران، 1386ش.
. ارونسون، اليوت: روانشناسي اجتماعي، چ 4، ترجمة حسين شكركن، انتشارات رشد، تهران، 1382ش.
. باستاني قمشه، محمّد: آشنايان غريب، چ 1، نشر نگاه معاصر، تهران، 1382ش.
. پاينده، حسين: گفتمان نقد، چ 1، نشر روزگار، تهران، 1393ه.
. جلالی، مهدی: مقدمه‌ روانشناسی، چ 4، تهران، امير كبير، دون تاریخ.
. ريتال ¬اتكيسنون… وديگران: متن¬ كامل¬ زمينه‌¬ روانشناسی ¬هيلگارد، ترجمه محمد نقی براهنی، وديگران، چ 8، رشد، تهران، 1378.
. شرفی، محمدرضا: جوان و بحران هويت، چ 4، انتشارات سروش، تهران، 1385ش.
.جزایري، علیرضا: زیگموند فروید بنیانگذار روانکاوي،انتشارات دانژه 1387ش.
السیرة الاجتماعیة لأحلام مستغانمي، رسالة ماجیستیر ، صادق حسن البوغبیش.
شايگان، داريوش: افسون زدگي جديد: هويت چهل تكّه و تفكر سيّار، ترجمه فاطمة وليانی، چ 2، نشر فرزانه، تهران، 1380ش.