أزمة التفكير و التفكر في العالم العربي

اراء حرة (:::)
بقلم : سفيان بومدين – الجزائر (:::)
إنما الأمم الأفكار ما بقيت فإن هم ذهبت أفكارهم ذهبوا
يؤسفني حال الأمة العربية فيما وصلت إليه من ضعف و هوان، فالكل في عالم اليوم يبحث عما يسعده، هذا يبني اقتصاده و ذاك يطور في جيشه و آخر ينغمس في البحوث العلمية التي لا نهاية لها و و…إلا نحن العرب فنبحث عما يدمرنا و يفرقنا و يزيد في مآسينا، و لا أحد في ما نسميه الوطن العربي اليوم يفكر في الأسباب (الحقيقية) وراء تخلفنا عن ركب الحضارة بل و لا أحد يهتم للأمر (فغالبيتنا لا يدرك أصلا حقيقة تخلفنا)، كان يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي نحن شعوب قابلة للإستعمار و لهذا استعمرنا، و هو لم يجانب الصواب، و إني لأرى اليوم أننا شعوب قابلة للتخلف، و لهذا نحن متخلفين و لن نكون إلا متخلفين إلى أن نعلنها (كفانا تخلف)، و لكن السؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرحه كل متفكر عربي و لا أقول مفكر –لأن التفكر أعمق من التفكير- هو لماذا نحن شعوب قابلة للتخلف و ليس لماذا نحن شعوب متخلفة.
عندما نفكر قليلا في أصل التخلف الذي نعيشه، سنجد أسباب موضوعية لا حصر لها، على سبيل المثال:
–          دولنا حديثة المنشأ و لا يمكن مقارنتها بالدول الغربية التي يعود بناء الدولة فيها إلى قرون خلت،
–          المؤامرات الخارجية للمستعمر القديم،
–          عدم الاستثمار في بناء الإنسان و التباهي في التطاول في العمران، كبناء أكبر برج و أكبر جامع و و…،
–          عدم الفصل بين الدين و السياسة مثلما فعل الغرب،
كل هذه الأسباب هي حقيقة لا غبار عليها، و لكنها في رأيي لا تمثل أصل المشكل الذي نعيشه، فهذه الأسباب و أخرى ما هي إلا نتائج لحقيقة واحدة و هي عدم التفكير و عدم التفكر في أمورنا. قد يقول أحدهم ما دخل التفكير و التفكر في التخلف، و سأحاول أن أبسط فكرتي أكثر…
عندما يولد المولود، سيتحرك و يصرخ و يمتص الحليب و ما إلى ذلك من الأفعال اللاإرادية و التي لا تتطلب أي إعمال للعقل، و لكن بمجرد أن يقوم بأول حركة (إرادية) من قبيل مد يده لامساك لعبة ما، سيكون بالضرورة خلف حركته تلك فكرة ما على بساطتها، فأصل أي حركة (إرادية) ما يقوم بها أي فرد هي فكرة ما، وهذه القاعدة عامة تنطبق على كل مناحي الحياة من الفرد إلى الأمة إلى البشرية جمعاء، و إذا كان الأمر كذلك فكل ما نقوم به هو نتاج أفكارنا و أفكارنا فقط، و بالتالي فتخلفنا هو نتاج أفكارنا كذلك.
سأقتبس من قول شوقي و أقول: إنما الأمم الأفكار ما بقيت فإن هم ذهبت أفكارهم ذهبوا. ما نعيشه اليوم في عالمنا العربي هو أزمة التفكير و التفكر (و لا أقول أزمة تفكير و تفكر لأننا لا نفكر في أي شيء)، فنحن شعوب قليلا ما نفكر و إذا فكرنا نفكر في تفاهات الأمور، و يكاد يندر المفكرون و المتفكرون في أعماق مشاكلنا. و لكن هل أممنا تفقد أصلا من يفكر أم أنها لا تصل إلى من يفكر برغم وجوده؟ في رأيي البسيط أعتقد أنه يوجد في كل الأمم دائما من يفكر لها بل و هناك الكثيرين في أمتنا هذه من من وصل بهم تفكيرهم حد الجنون نتيجة لبعد نظرهم و مقدرتهم على الغوص في ما وراء أصل المشاكل و فيما وراء ذلك…
إذا عدنا لتفكيك هيكل الأمة و معرفة كيف تسير و بالتالي إلى أين سينتهي بها المطاف بعد مدة معينة من الزمن(سنة، عقد، قرن أو حتى ألف سنة)، ستجد أن لأي أمة كانت قيادة -هي في الحقيقة قيادة ظاهرية فقط- تتجزأ في واقع الأمر إلى  قيادتان: قيادة تقود أجهزة الحكم (أي الدولة) ممثلة في السلطة بكل أنواعها و فروعها، و قيادة تقود المجتمع بكل أطيافه ممثلة في أشخاص يمثلون رموز لجزء من المجتمع أو للمجتمع ككل, كعلماء الدين أو لاعبي الكرة أو النشطاء السياسيين أو المغنين و الممثلين و هنا تطول القائمة، و هاتان القيادتان هما المحدد (ظاهريا) لما سيكون عليه مستقبل الأمة سلبا أو إيجابا، ولكن هناك قيادة –فعلية حقيقية- للأمة و تتمثل في عقل الأمة، أي مفكريها و متفكريها، و هذه القيادة هي في الواقع قائدة بطريقة مباشرة للقيادتان السالفتان. و لك أن تتخيل معي أمة لها من المفكرين ما لها و باعا من الإنتاج الفكري المتواصل و تقودها عصابة لا تؤمن أصلا بمفهوم الأمة أو المستقبل المشترك (لا يستقيم الأمر)، و العكس بالعكس صحيح، و بالتالي فإذا كانت القيادة -الظاهرية- تمثل في الأمة اليد التي تبطش بها و الرجل التي تمشي عليها فالمفكرين في الأمة هم العقل الذي يحدد لهذه القيادة خياراتها و أفعالها، و بالتالي حاضر و مستقبل الأمة.
و هنا نصل إلى الإشكالية الأم في تحليلنا و هي: هل و كيف يمكن أن نصل بالفكر إلى عقول القيادة الظاهرية بفرعيها؟ فنهوضنا اليوم يرتبط ارتباطا عضويا بمدى مقدرتنا على المزاوجة بين القيادة الظاهرية و القيادة الفعلية للأمة…و الله أعلم.

Dr. Boumediene Merouane Sofiane